الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (1)
أحد الرواد بحركة الاستقلال في الهند و يدعى (س.جوشي (82) عاما) في حديث أدلى به لصحيفة (تايمز أوف إنديا العدد 6 بتارخ 1986م) ( إن القوانين الإسلامية و تشريعات مانو الهندوسية اللتين تتبعهما الطائفتان منذ قرون كلتاهما على درجة سواء رجعيا اجتماعيا) ، و المستشرق البريطاني (إدوارد وليام لين) الذي قام بترجمة معاني أجزاء مختارة من القرآن الكريم قال ( إن الجانب المهلك للإسلام حطه من قيمة المرأة)
السؤال من الذي جعل العالم كله في قبضة الرجل ؟ و هل مع الحركات النسوية التي بدأت من القرن الماضي و أخذت تتوسع شيئا فشيئا ستقسم إدارة العالم بين المراة و الرجل أم أنه سيكون للمرأة النصيب الأكبر في ذلك ؟
بعد أن قطعنا شوطا في معرفة مفهوم المرأة في الحضارات الإنسانية سنسلط الأضواء في هذا الفصل على دراسة بعض الجوانب في الخطاب المطروح على طاولة البحث و هو الخطاب الديني كون الدين مازال يمثل مرجعية شرعية قانونية إلى جانب المرجعية الأخلاقية و الروحية
أيا كان حضوره فإنه يمثل حضورا مركزيا في إثارة كثير من التساؤلات و التي ظننا أنها حسمت بالخطاب النهضوي و التطور العلمي فيما يخص المرأة إلا أن أزمة المرأة تفاقمت أكثر فأكثر
علما أنه ليس للمرأة تاريخ و للرجل تاريخ آخر مختلف فلا يوجد تاريخان منفصلان بل هما من صنع التاريخ حتى في فرض الهيمنة هما من يحدد علاقتهما مع بعضهما البعض فهما شرطان متكاملان في البناء الاجتماعي أو في نقض العقد الاجتماعي فطبيعة علاقتهما ليست علاقة روحية و لا نفسانية
بل هي علاقة واقعة اجتماعية لها مقوماتها الاقتصادية و الثقافية و السياسية فأي انخفاض في هذه المقومات يعني انخفاضا في التاريخ الإنساني و ما نجده في هذا العصر من أشكال جوهر و مضامين هذه الشراكة و ما يعتريها من العقبات و الحواجز هو أساس توليد الحركات النسوية
لأن إبقاء المرأة في حالة العلاقة الطبيعية كما يروجها الخطباء على المنابر أن مكان المرأة في البيت هذا الخطاب الديني لا يسمح للمراة بالتقدم و التطور و الارتقاء مع شريكها الدائم في الثقافة و لا ينسجم مع أي نوع من أنواع الخطابات النهضوية
المرأة عبر التاريخ كانت تقبل هذا الخطاب و لكنها كانت تقاوم ما يتلازم من علاقة العبودية على صعيد التاريخي الاجتماعي لأن الحاجة البيولوجية و الرغبة في التناسل و الجنس يجعل الذكر تابعا للأنثى لم تحرر المرأة من عبودية الرجل و هذا المنطق هو المطروح الآن و بشدة
فالمرأة كانت سلعة تباع في الأسواق فتكون عبدة عند الرجل فالعلاقة كانت بين القاهر و المقهور فسادت مفاهيم قبلية حول دور المرأة فجرى ربط مقام المرأة بالاستهلاكي و الرجل بالإنتاجي و هذا لم يحقق للمراة المساواة التامة مع الرجل و ظلت المرأة متخلفة إلى الآن في كافة مرافق الحياة
هذه الآراء و الأفكار التي يجري تداولها اليوم و على نطاق واسع يدعونا إلى البحث عن أسبابها و دوافعها بدلا من الانفعال إزائها فنحن إذا نظرنا بواقعية فإن التباين بين الرجل و المرأة واضح بينهما و هي حقيقة علمية و لكنها لم تتحول إلى فكر بناء يغير مجرى الأحداث في حياة المرأة و هذا الفكر بحاجة إلى البراهين مدعم بالأدلة حتى يحصل على القبول العام و هذا القبول لن يحصل إذا لم يتم رفعه إلى مستوى الفكر
مثلا كان هناك فكر سائد في مكة أن الشمس إذا كسفت في يوم موت شخص فهذا يعني أن هذا الميت شخص عظيم فكانوا ينحتون له تمثالا ليعبدوه و هذا ما حدث يوم وفاة إبراهيم إبن النبي الخاتم (ص) بما أن الشمس كسفت في يوم وفاته فإنه شخص عظيم
فخطب (ص) في الناس (إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان بموت أحد فإذا رأيتم فاعبدوا الله و كبروا و صلوا و تصدقوا) ( صحيح البخاري – باب الكسوف)
و قضية المرأة لا تختلف عن صناعة الأساطير و التي يصدقها المجتمع ، هل سمع أحدكم باسم (باندورا) و هي كلمة يونانية معناها (المانح لكل شيء ) إلا أنها استخدمت للدلالة لكل شيء سيئ أي مانح لكل أنواع الشرور ، و الحكاية تقول (إن الإله بروميثيوس سرق النار من السماء و أعطاها لسكان الأرض ، مما أغضب كبير الآلهة زيوس ، فقرر أن يخلق إمراة و سماها (باندورا) ليحرم سكان الأرض من هذه النعم والخيرات
و أنزلت هذه المرأة إلى الأرض في مكان كان يستوطنها آنذاك ايبيثيوس فتأثر بجمالها و تزوجها و كانت هذه المرأة تمتلك صندوقا عُرف بصندوق باندورا فكان ، أن بعد سكان الأرض عنها فقامت و فتحت الصندوق لينتشر كل أنواع الشرور على الأرض ، و إلى الآن يعتقد بعض اليهود و النصارى بهذه الأسطورة ، أن الشرور الموجودة هي بفعل إمرأة ،
فقاموا بالبحث عن هذا الصندوق ولكن دون جدوى ، ومع تطور العلمي عثرت وكالة ناسا الفضائية الإمريكية على الصندوق في ادغال إفريقيا فأرسلت فريق لدفنه تحت الأرض ، وعلى إثرها انتجت السينما الأمريكية فيلم (مهد الحياة، cradle of life) تحكي قصة هذه الأسطورة .
نكمل بحثنا في الحلقة (9) إن شاء الله تعالى…. إلى اللقاء
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (2)
جاء في كتاب ( إحياء علوم الدين للإمام أبو حامد الغزالي باب النكاح ص 484) ما على الزوج العمل يقول ( إن كيدهن عظيم و شرهن فاش و الغالب عليهن سوء الخلق و ركاكة العقل) ، نشر مركز الأبحاث العقائدية سؤال وجه إلى السيد السيستاني قال أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة (( المرأة شر كلها و شر مافيها أنه لابد منها) أرجو توضيح ذلك ؟
الجواب : في كتاب خلفيات كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام) للسيد جعفر مرتضى ج2 ص539 – 542 قال : إن لهذه الكلمة صيغتين: إحداهما تقول: (المرأة شر كلها، و شر منها أنه لا بد منها . و الأخرى تقول: النساء شر كلهن، و شر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن … إذ إن المقصود – و الحال هذه – هو إمرأة بعينها، و ليس المقصود هو جنس المرأة)
هذا الموروث الديني ماذا كان أثره على الواقع الاجتماعي و الثقافي ؟ الجواب هذه النظرة السلبية شكلت مرجعية تقليدية إخبارية من علماء الدين و خطباء المنابر
خذ مثلا السيد منير الخباز في موقعه الإلكتروني ذكر و بتاريخ 7 محرم عام 1426 هجري قمري : (أن الله أعطى نصف السهم للمرأة في الميراث لأنه النفقة اسقط عنها) ولكن السيد الخباز لم يوضح من القرآن إذا كانت الزوجة هي التي تنفق على البيت فما هو سهم المرأة هنا النصف أم الكامل ؟
الأن أنظر بعقلك إلى تبريرات السيد الخباز يقول ( إن هذا لا يعني أن الذكر أفضل من المرأة بل كلاهما يكمل الآخر ) ، ثم يسترسل ويقول (أن رئيسة إندونيسيا لا تأخذ القرارات بدون إذن الرجل وكذلك رئيسة الفلبين). أنا لا ادري ما هي علاقة رؤوساء الدول الإسلامية وغير الإسلامية بقوام الرجل على المرأة ، انا لا أعتقد أن الفكر الظلامي يمكن أن يلتقي مع الفكر التنويري ، لهذا
مثل هذا الخطاب الديني الممزوج بين السياسة و الدين و الأحكام الشرعية الذي يسبب الهجوم على الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل من الداخل والخارج ، هو خطاب مزيف ينقل النظرة المشوهة إلى الأجيال عن المرأة و يرسخ الصورة النمطية عنها في العقل الجمعي و هناك الكثير من هذه الصور السيئة حفلت به كتب الفريقين سنة وشيعة
السؤال ماذا لو تركنا هذا الخطاب الديني دون التجديد فيه ؟ الجواب : سنقع في كوارث اجتماعية أكثر مما هي عليه الآن ، و ترك هذا الخطاب دون بذل الجهود في تجديده يساوي فتح صندوق باندورا الذي يمنح كل أنواع الشرور في الأساطير اليونانية.
هنا يرد لدينا إشكالية واحدة و هي من الذي يجب عليه التحدث عن المرأة في تجديد الفكر الديني حول المرأة هل الرجل أم المرأة ؟ في رأيي الشخصي المرأة لأن الرجل هو من ضيق الخناق عليها كما قرأنا فإذا كان الرجل هو من سيبحث في تجديد الفكر الديني حول المرأة فإن هذا البحث سيكون بلا أدنى شك ناقصا لأنه سيحمل الصيغة الذكورية و ليس الأنثوية وخطاب السيد منير الخباز خير دليل على ذلك.
نعم يمكن أن يشارك الرجل معها في هذا التجديد و لكن قد يعترض البعض على أنه كيف للمرأة أن تتحدث أمام الرجل فإننا سندخل في دائرة المحظور الشرعي ، و لكنه نسي أن الرجل عندما يلقي محاضرته هناك مكان مخصص لحضور المرأة لسماعه وجها بوجه هذا في نظره لا يوجد فيه المحظور الشرعي ،ولكن المحظور فقط إذا تحدثت المرأة أمام الرجال ، يأخي لماذا لا نكن واقعيين وصرحاء مع أنفسنا أنه لايحق لأي أحد ان يزايد على تطبيق الأحكام الشرعية على الآخرين
إذن بناء منظومة تجديدية في الفكر الديني حول المرأة بحاجة إلى مشاركة الطرفين فيه هنا قد يقول قائل و هل الدين بحاجة إلى التجديد ؟ نحن قلنا أن هناك حقائق في الدين لا يعتريها الزمان و المكان مثل عقيدة التوحيد عقيدة النبوة عقيدة المعاد
أما الإنسان فيتأثر بتغير الزمان و المكان ثقافته تتغير فكره يتغير نظرته إلى الحياة تتغير أسلوب معيشته يتغير و هذا التغيير هو التجديد بعينه فالفكر الإنساني بحاجة إلى التجديد و بيان حقيقة الأشياء
يقول (دكتور عمر عبيد في كتابه الاجتهاد للتجديد سيل الوراثة الحضارية ص 20 ) (ليس المراد بالاجتهاد و التجديد الإلغاء و التبديد و تجاوز النص و إنما المراد هو الفهم الجديد القويم للنص فهما يهدي المسلم لمعالجة مشكلاته و قضاياه الواقفة في كل عصر يعيشه معالجة نابعة من هدي الوحي)
طبعا هذا التجديد لا يعني تسويغ البدع و مطاوعة الرغبات و العبث بالنصوص ، هذا تغيير بالدين و ليس تجديد في الدين مثلما نجد من البعض العبث في النهضة الحسينية من خلال الشعائر كشعيرة ضرب الرأس بنعال واقعا هؤلاء جيوبهم حبلى في إظهار شعائر خرافية لا دينية يريدون تحويل الحسين بن علي إلى مسخرة ومهزلة كما عبر عنهم عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قبل أن أنتقل إلى جزء آخر في التجديد في الفكر الديني حول المرأة لابد الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة تقسيم الخطاب إلى أقسام كأن نقول هذا خطاب نبوي و هذا خطاب علمي و هذا خطاب فقهي
لأن الخطاب هو في كل الأحوال يتعلق بالفكر، يتعلق بالأمة ، فمن سمات الخطاب الحجة القوية المقنعة ،فالأصل في الخطاب هو التعبير عن إرادة الحسم في المواضيع ضمن نظام كلامي ، فيه تأثير على الآخرين و إقناعهم و الهدف منه هو توجيه إرادة السامع و دفعه إلى العمل النظيف.
نكمل بحثنا في الحلقة (10) إن شاء الله تعالى … إلى اللقاء
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (3)
أنا لا أعتقد أن النبي الخاتم (ص) عندما طرح خطابه الديني كان يريد بناء دولة إسلامية حديثة بإصلاحات جزئية كمن يذر الرماد في العيون بهذه الإصلاحات و التي تكون عادة ظرفية هنا أو هناك
و إنما وضع مشروعا متكاملا ينخرط عبر التاريخ في حركة تجديدية تعبر عن التغيير الحقيقي في بنية المجتمع و الإنسان و السير إلى المستقبل المشرق و الأفضل ، وقد شرح التلميذ الأول لنبي الخاتم (ص) علي بن أبي طالب هذا المشروع في جملتين (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)
فالمحورية هي البناء و العمل ، و هذا لا يقوم به شخص واحد ، بل هي عملية جماعية يقوم به الإنسان الذكر و الأنثى ، ولا تفاضل بينهما ، لأن الناس كالبنيان المرصوص كما جاء في الأثر النبوي الشريف يشد بعضه بعضا الذكر و الأنثى معا ، و بدون أي واحد منهما فإن مشروع البناء سيصاب بالشلل النصفي ، و يدخلنا في سجالات و مناقشات ساخنة.
و الآن ماذا يحدث في قضية المرأة غير السجالات و الاحتجاجات تشترك فيه النخب المختلفة و بدرجة عالية من الانفعال ، الأمر الذي شكل لنا حساسية و خطورة في الموضوع ، ولد تراكمات دون أن يكون له اثر كمي و نوعي في تطوير واقع المرأة ، و هذه التراكمات قسمت المجتمعات إلى ثلاثة أقسام حول المرأة، ركزوا معي رجاء :-
القسم الأول مجتمعات تحكمها سلطات تؤيد نظاما يقمع المرأة ، و هذه المجتمعات نشأت بفعل الفكر الطائفي أو المذهبي، فالوضع هنا يتصف إما بحظر اختلاط المرأة مع الرجل و هذا يتجلى في غياب المرأة في الفضاء العام و الذي يكون حكرا على الرجل ، و الثانية وضع المرأة تحت وصاية الرجل.
هذا القسم إذا ما أردنا أن نرجع إلى الخطاب الديني الذي أسس عليه النظام الاجتماعي من قبل المشرع الأول و هو خاتم الرسل(ص) نجد أنه لم ينزل بالمرأة إلى مستوى الدونية في المجتمع ، و إنما ما تبنته المرجعيات الدينية في فهم هذا التشريع ، تمثل على نحو ما ايدلوجيا للهيمنة و قمع المرأة .
لهذا فقول إن الإسلام هو الذي وضع المرأة في هذا المستوى الدوني تفسير غير مقبول ، و الدليل جاء في الأثر النبوي الشريف (طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة ، و إن الله يحب بغاة العلم) المرأة هنا يحق لها أن تتعلم أم لا؟ نعم يحق لها ، ولكن هل فسح لها الرجل المجال لطلب العلم ؟
تعالوا معي لنر ماذا فعل الرجل بها مثلا : (ملالا يوسف زاي) الناشطة الباكستانية ناضلت من أجل حق المرأة في التعليم ، بسببه أصيبت بطلقة ناريه في رأسها من أحد مسلحي الطالبان السنة و نجت بأعجوبة ، و أيضا جاء في تفسير الميزان للسيد الطبطبائي (جزء 2 ص 275 في تفسير الآية 234 من سورة البقرة ( فلا جناح عليكم فيما فعلن بأنفسهن بالمعروف) و السيد الطبطبائي يعتبر من أعلام الشيعة في القرن 19 الميلادي
يقول “و لذلك فرق الإسلام بينهما في الوظائف و التكاليف العامة الاجتماعية التي يرتبط قوامها بأحد الأمرين أعني التعقل، و الإحساس فخص مثل الولاية و القضاء و القتال بالرجال لاحتياجها المبرم إلى التعقل و الحياة التعقلية إنما هي للرجل دون المرأة” .
بالله عليكم إذا كانت المرأة لا عقل لها هل تستطيع الحصول على الدرجات العلمية ؟ الجواب كلا ثم هل تستحق منصبا قياديا في الجيش مثلا ؟ أبدا لا تستحق ، ولكن وجدنا أن الرئيس الإيراني حسن الروحاني عين عام 2014 م أول إمراة برتبة عقيد في الجيش الإيراني ، وفي عام 2019 أصبحت باتريشا اورتيغا اول إمراة برتبة جنرال في الجيش الأسباني ،
و العلامة الطباطبائي يوكد بما لا يدع مجالا للشك على حجية السنة النبوية الشريفة وقد جاء في الأثر ان عدد اصحاب المهدي المنتظر حين خروجه 313 صحابيا منهم 50 إمراة و هذا التاكيد لا ينسجم مع تفسيره للأية السالفة الذكر و النظرة الدونية للمراة واقعا مثله ما لا يعذر بجهله .
هذه المغالطات المنهجية و انحراف في منهجية الإستدلال يعطينا دلالة واضحة أن مكانة المرأة في التاريخ كانت مهمشة، أصبحت الآن مرجعا لتفسير النص المقدس عند بعض المفسرين المسلمين سنة وشيعة وللأسف الشديد.
القسم الثاني هو تلك المجتمعات التي تسمح و تؤمن بالانفتاح الاجتماعي نحو الحداثة الغربية و التحرر من القيود الاجتماعية التي وضعها الرجل على المرأة ، كحقيقة واقعية و ليس حقا مكتسبا ، فتكون القوانين و التشريعات متخلفة عن الواقع المتطور ، هذا النمط الهجين ماذا قدم لنا ؟
قدم لنا شكل المؤسسات التعليمية و السياسية برفع المحظور الشرعي في اختلاط الجنسين الذكر و الأنثى مع الحفاظ على بعض الجوانب التقليدية ، بالنتيجة تراجع بسببه بعض الممارسات التطليق و تعدد الزوجات ،
و الذي كان باعثا لأنطلاق الحركات النسوية ، و إعادة النظر في القوانين الاجتماعية ، و إلغاء المنظومة القبلية ، كما حدث في الجزائر تم إلغاء منصب شيخ أو رشيد القبيلة لأنه منصب يتسلل من خلاله النظام السياسي ، لهذا يجب أن ينخرط الجميع في النظام المؤسسي في الدولة.
مع هذه الوضيعة ماذا حدث للمرأة في المجتمعات الإسلامية و العربية خصوصا كردة فعل ؟ أولا : زيادة حالات الإيذاء الجسدي لها بسبب التعصب الديني ، ثانيا: زيادة حالات الإجهاض بسبب التوترات النفسية داخل الأسرة ثالثا : زادت حالات الطعن في أخلاق المرأة في الوسائل الإعلامية المتعددة فأصبحت المرأة متهمة في نظر الناس دون مسوغ شرعي ، رابعا : زيادة الأمراض النفسية والتفكك الأسري .
القسم الثالث هو تلك المجتمعات التي تعترف فيها الدولة بالحركات النسوية و التحرر المطلق من قيود الماضي و يسير نحو تطوير المجتمع على أساس مؤدلج في تحرير المرأة لتصبح مسألة المرأة من الأولويات في الخطاب السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي
نكمل بحثنا في الحلقة(11) إن شاء الله… إلى اللقاء
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (4)
تحدثنا في الحلقة (10) أن التراكمات التي خلفتها السجالات و الاحتجاجات حول المرأة قسمت المجتمعات إلى ثلاثة أقسام شرحنا أول قسمين منها ، نكمل البحث و بالله الاستعانة
القسم الثالث يمثله تلك المجتمعات التي تعترف فيها الدولة بالحركات النسوية و التحرر المطلق من قيود الماضي و يسير نحو تطوير المجتمع على أساس مؤدلج في تحرير المرأة لتصبح قضية المرأة من الأولويات في الخطاب السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي.
فأصبحت لدينا أصوات في عالم السياسة و الاقتصاد و الاجتماع تتتجه نحو الحداثة و سلطة الحداثة لبناء دولة نسوية ، لهذا تجد أن الزعماء السياسيين جعلوا من قضية المرأة من القضايا التي تستوجب إعطائها الأولوية في أي قرار سياسي يتخذ على المستوى الوطني.
مع هذه التراكمات و الانقسامات حول المرأة بدأ الاحتدام في المفاضلة بين الذكر و الأنثى ، و طالما احتدمت معركة المفاضلة بين حق المرأة و سلطة الرجل فإن مبدأ العدالة الاجتماعية لن يحقق ما يصبو إليه من التطلعات وسط هذه التجمعات المهمشة ، لأن اول مطلب للعدالة الاجتماعية هو المساواة و الحرية و الاندماج الاجتماعي.
السؤال ماذا تعني العدالة الاجتماعية ؟ هي معاملة عادلة بإشراك جميع أفراد المجتمع في الاستفادة من خيرات المجتمع و بالتالي تتحقق المساواة بين جميع أفراد المجتمع من حيث توزيع الثروات و الحقوق السياسية و الاقتصادية و التعليمية و الصحية و ما يرافقها من الامتيازات بصرف النظر عن جنس أو عرق أو مذهب أو دين هذا الإنسان.
السؤال نحن نعرف أن للعدالة الاجتماعية مفاهيم كثيرة و متعددة لأنها تشمل جميع مناحي الحياة و لكن ما نشاهده من مظاهر المعاناة و التهميش و الحرمان و الاستبداد فهي تنتمي إلى التجربة البشرية ، و البحث عن العدل فيها مضيعة للوقت مثلا ما هي أول منظومة اجتماعية عرفها الانسان ؟ القبيلة أليس كذلك و هذه المنظومة يترأسها شخص يطلق عليه شيخ القبيلة .
ماذا يقول التاريخ عن مشيخة القبيلة ؟ التاريخ يخبرنا أن الزوج كان يضع زوجته رهينة عند الدائن بأمر من المشيخة ، و إذا وقعت المرأة في السبي تكون أداة متعة لشيخ القبيلة أولا ثم يعيطها لخادم له ، و ولاء أفرادها هو لشيخ القبيلة .
و عندما نشأت الدولة العصرية و تطور العقل البشري والوعي الإنساني بدأ مفهوم العدالة الاجتماعية يأخذ منحى آخر ألا وهو الانتماء للوطن ، فظهرت لنا مفاهيم جديدة في علاقة الإنسان مع مجتمعه ، و البحث عن الحقوق التي صادرها شيخ القبيلة ليصبح ولاؤه للدولة ، و لكن هل سيرضى شيخ القبيلة أن يكون أفراد قبيلته مواطنين في الدولة العصرية أم لا ؟ مؤكد لا و إذا قبل ماذا سيفعل ؟
سيلغي أدوار أفراد قبيلته علميا و ثقافيا و اجتماعيا و يبعدهم عن التفاعل المؤسسي ، أنت اذهب إلى أي منظومة لمشيخة القبيلة في العالم العربي متى تجد صوت القبيلة يظهر و بقوة ؟ صوت القبيلة يعلو عندما يلوح الكرنفال الانتخابي لتلوح القبيلة للجميع أنها ما زالت حية ترزق كقيم و ضابط في تحديد مسار هذه الانتخابات
و سرعان ما تبتعد عن المشهد الاجتماعي و تتوارى عن الأنظار في حالة فوز ممثلها أو في خسارته لماذا ؟ لأنها صوتت لهذا الممثل دعما لمنظومة القبلية و ليس للبرنامج الانتخابي و الخطة الايدلوجية
فالممارسة السياسية لهذا العضو سيبقى مشخصن غير متحرر من ظلال القبيلة ما يجعل من الحديث عن مؤسسات الدولة مجرد شعارات فارغة من محتواها الفكر السياسي و الاجتماعي
الآن المملكة الأردنية تعاني من نفس المشكلة بعدم انتماء بعض القبائل و أفرادها في المشاركة الفاعلة في عملية التنمية ،حتى بعد وصولهم إلى عضوية مجلس النواب ، و هل الأردن يعاني من مشاكل مشيخة القبيلة، ؟ أبدا هناك شواهد كثيرة في أكثر من بلد عربي و إسلامي يعيش هذه المشاكل .
السؤال ما هو وضع المرأة في هكذا أوضاع ؟ لا شيء ، إذا لم تعمق الهوة بين طبقات المجتمع واستعاظم المعضلات الاجتماعية
ومن أجل ملامسة العدالة الاجتماعية لابد لنا من اكتشاف مقاربات مختلفة حتى نتكمن من بلورة تصور في رسم مسار صحيح يركز على العدالة الاجتماعية ، لأن الحرية و المساواة لا حد لها و الدليل ما نشاهده من طلبات الناس بالمزيد من الحرية أنت انظر إلى مفهوم الملكية و مطالبات المرأة في حقها في التملك .
هل بقي للمساوة أثر عند الرجل بعد ظهور مفهوم الدولة الحديثة و بعد الانتقال من مجتمع بدائي إلى مجتمع حديث ؟ الجواب كلا لأن مفهوم المساواة أخذ طابعا أنانيا ، و لكن تحقيق مفهوم إعطاء كل ذي حق حقه بقي قائما ، و هو استحقاق يعود كون المرأة إنسان وحسب العدالة الاجتماعية يجب أن ينال الجميع استحقاقهم على حسب حاجتهم و جهودهم.
نكمل بحثنا في الحلقة (12) إن شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (5)
لقد وجدنا في الحلقة (11) أن العدالة الاجتماعية فتحت لنا باب النقاش في مسالة المرأة و هذه المناقشات في اعتقادي ستبقى مع بقاء الإنسان و تواجده الاجتماعي و استمراريته في الانفتاح على المجتمعات الأخرى ،و سيبقى البحث عن العدالة الاجتماعية مستمرا أيضا.
فأينما كان هناك من يريد شيئا و كانت هناك موارد بحاجة إلى التوزيع فإن العامل الجوهري في اتخاذ القرار ستكون العدالة و هي لها سيادة على غيرها من المفاهيم . السؤال ماذا تحتاج المرأة هل العدالة أم المساواة أم الحرية ؟
للجواب دعونا نأخذ مفهوم العدالة و مفهوم المساواة و مفهوم الحرية على حدة لننظر كيف تمت معالجة قضية المرأة ضمن هذه المفاهيم الثلاثة كحق من حقوق الإنسان.
نحن نعرف أن العدالة الاجتماعية استحقاق أساسي للإنسان الذي يتمتع بحقوق سياسية ، اقتصاديه ، تعليمية ، صحية أليس كذلك ، لنأخذ الجانب الاقتصادي لنرى كيف تتفاعل فيه المفاهيم الثلاثة العدل ،المساواة ، الحرية ، ركزوا معي رجاء
تصور أنكم ثلاثة أخوة و قررتم تأسيس مشروع تجاري كل واحد منكم مشروعه يختلف عن الآخر ما هي الخطوات التي ستتخذونها في مزاولة أنشطتكم التجارية ؟ ستقول يجب الحصول على التراخيص لتأسيس هذا المشروع ثم إيجاد مكان لتنفيذ المشروع ثم إيجاد القوى العاملة لإدارة هذا المشروع ثم توزيع مهام عمل لكل عامل في المشروع ثم البدء بالمشروع
السؤال : هذه التراخيص من وضع أسسها و قواعدها القانونية؟ الجواب الجهة الدستورية في البلد نسأل مرة أخرى هذه الجهة الدستورية عندما وضعت قانون لاستخراج ترخيص لمزاولة مهنة ما أو لتأسيس مشروع ما هل وضعتها على أساس العدالة الفردية أم العدالة الاجتماعية ؟
قد تقول على أساس العدالة الفردية و قد تقول على أساس العدالة الاجتماعية. لنفترض أنها وضعت هذا القانون على أساس العدالة الفردية بمعنى أنت أيها التاجر ستحصل على ترخيص لمزاولة نشاط تؤسس من خلاله مشروعك التجاري
السؤال هل تحتاج لضوابط في ممارسة هذا النشاط أم لا ؟ الجواب كلا لأن العدالة الفردية لا نحتاج فيها للضوابط فأنت من يحدد هذه الضوابط و ليس الجهة الدستورية على قاعدة الناس مسلطون على أموالهم طالما أنت مسلط على مالك يحق لك أن ترفع أسعار البيع و تخفضها متى ما شئت ، سواء زاد الفقير فقرا أو تشتت العوائل بسبب ضيق المعيشة هذا لا يعنيك لأن العدالة قائمة على أسس فردية
السؤال ما هي النتائج المترتبة إذا طبقنا العدالة الفردية ؟ الجواب : وقوع جرائم بأنواعها المختلفة ، إذن علينا أن نتجه إلى العدالة الاجتماعية لوضع الضوابط كي نمنع الجرائم في المجتمع
فإذا أردت أن تؤسس مشروعا عليك الحصول على ترخيص ضمن ضوابط معينة إذن مهمة القانون الدستوري هو تحديد الضوابط الكلية في بناء منظومة اقتصادية و هذه المنظومة قد تكون على أساس نظرية الرأسمالية أو الإشتراكية أو مختلط
السؤال من سيحدد تفاصيل هذا القانون ؟ المجالس النيابية أو الشورى ، من هنا نستنتج أن لدينا قوانين دستورية و قوانين تفصيلية
السؤال الكتاب المقدس القرآن الكريم الأحكام و القواعد المذكورة فيه هل هي مبنية على أساس العدالة الاجتماعية أم على أساس العدالة الفردية ؟
إذا قلت أن القرآن يبني على أساس العدالة الاجتماعية حينها عليك أن ترمي كل حديث أو رواية كانت مستفيضة أو خبر آحاد عرض الحائط إذا خالفت العدالة الاجتماعية لماذا ؟
لأنها تسبب الأضرار للمجتمع و لتحقيق العدل يجب وضع الأحكام و القوانين و القواعد و الأطر العامة ضمن دائرة العدالة الاجتماعية و ليس العدالة الفردية و صلاحيات هذا الوضع بيد الله و ليس بيد أنبيائه حتى النبي الخاتم (ص) لا يملك هذه الصلاحية
ولكن وضع تفاصيل هذه الأحكام هي بيد النبي الخاتم (ص) و تسمى بالسنة النبوية الشريفة بحيث تسير على ضوء الأحكام و القواعد و الأطر العامة في القرآن الكريم
في ظل هذه المعطيات تعالوا معي لننظر إلى وضع المرأة في قانون الأحوال الشخصية هل بني على أساس العدالة الاجتماعية أم على أساس العدالة الفردية ؟ سنأخذ مصطلح فقهي الحضانة والطلاق . ركزوا معي رجاء
هل سألت نفسك يوما هذا السؤال : هل تعيش في بلد ديني أم مدني ؟ فإذا قلت بلد ديني فيجب أن يكون لكل مذهب و دين قانون الأحوال الشخصية الخاص به ، و لكل مدرسة فقهية قانون الأحوال الشخصية الخاص بها أيضا لأن هناك مدارس فقهية في كل مذهب و هذه المدارس تختلف في الفتاوى عن المدارس الأخرى أليس كذلك ؟ الجواب نعم
نكمل بحثنا في الحلقة (13) إن شاء الله تعالى.. الى اللقاء