يا ترى، كم كانت دولة صغيرة في مساحتها مثل قطر تحتاج من الجهود والأموال والكفاءات لتسويق نفسها سياحياً على المستوى العالمي قبل فترة التنظيم الفعلي لهذا الحدث الرياضي العالمي “مونديال كأس العالم 2022” الذي يُختتم غداً بالدوحة ؟ وكم تحتاج اليوم إلى هذه الجهود بعد ما عرف عنها البعيد قبل القريب، في الوقت الذي نجحت فيه بتعريف وتسويق نفسها على المستوى العالمي ثقافياً وسياحياً واقتصادياً، بل على مختلف المستويات الأخرى.
إنّ الحدث الرياضي الحالي كلّف الكثير من الجهود والأموال دفعتها هذه الدولة الخليجية بمساحتها الصغيرة، إلا أنها أثبتت أنها عملاقة في تفكيرها من أجل تجهيز البنية التحتية التي تتمتع بها اليوم سواء في الرياضة أو التعليم أو العمل اللوجستي والبنائي والمعيشي وغيرها، وفي جذب الملايين من الناس من مختلف القارات الخمسة، ليأتوا إليها للمشاهدة والاستمتاع بالمباريات العالمية، والتعرّف على شعبها وثقافتها وكل ما هو موجود لديها.
الكثير من شعوب العالم لا تعرف عن دولنا الخليجية كثيراً وعن الأوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والرياضية بها، ولكن وجودهم بين ظهرانينا اليوم في هذه المناسبة الرياضية أعطى الفرصة للكثير منهم، خاصة فئة الشباب، بالتعرف على دولنا وشعوبنا وعاداتنا وتقاليدنا وحبنا للآخرين، وسماحتنا في الكثير من الأمور.
وإذا ما أُجريت دراسة على سبيل المثال عن مدى معرفة شعوب أمريكا اللاتينية والإفريقية التي تزاحمت خلال هذه البطولة بالوصول إلى المنطقة ومعرفتها بالمنطقة، فسوف تكون النتائج صادمة لنا حول جهل تلك الشعوب عنا. وهذا ما يمكن أيضاً أن نستنتجه في حال طرحنا أسئلة على المواطنين الخليجيين حول مدى معرفتهم وفهمهم بأوضاع دول كبيرة وصغيرة تقع في أمريكا اللاتينية والتي نتشابه معها في الأشكال والأوصاف وغيرها من الأمور الأخرى.
فهذا المونديال الرياضي عزز من مكانة دولة قطر والمنطقة في الوسط العالمي سواء اليوم أو ما بعده على المستوى الرياضي والسياحي والثقافي، في الوقت الذي سوف تحتفل فيه قطر قريباً بأنها أصبحت عاصمة للسياحة العربية للعام 2023 بعدما اختارتها المنظمة العربية للسياحة في اجتماعها بالقاهرة مؤخراً. وبالتالي ستكون قبلة للكثير من العرب الذين سيأتون إليها للوقوف على التطورات التي شهدتها في بناء الملاعب الشامخة وأسواقها ومراكزها التجارية، بل سيعمل البعض المستحيل للبقاء بها لو توفرت لهم فرصة العمل في هذه الدولة التي نجحت في تنظيمها لواحدة من أكبر البطولات الرياضية العالمية.
كما أن اختيار الدوحة عاصمة للسياحة العربية للعام المقبل يثبّت ويعكس بكل صدق المكانة التي تبوأتها الدوحة كقبلة ووجهة لكافة شعوب دول العالم، وفق رأي المسؤولين في قطر التي تستضيف هذه البطولة التي تنتهي غداً بين الأرجنتين وفرنسا، حيث ملايين من الناس سوف يتابعون هذا الحدث الذي وصفه الكثير منهم بأنه أظهر حسن التنظيم والاستضافة، بجانب ما أظهره شعبها من التسامح والمعاملة الحسنة والضيافة الكريمة أمام كل زائر تطأ قدماه أرض قطر الطيبة، الأمر الذي يساهم في دحض المزاعم والافتراءات والأكاذيب التي روجّها البعض خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية حول ذلك. وبشهادة الجميع سوف يفرز هذا الحدث الكثير من النتائج الإيجابية لقطر ليس على المستوى الرياضي فحسب بل على مستوى الكثير من الأوضاع الاقتصادية والثقافية وحتى السياسية أيضاً.