تُطلَق في كل مرة تحذيرات من قبل بعض العاملين في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بضرورة توخِّي الحيطة والحذر من بعض الإعلانات التجارية التي تتحدَّث عن قيام شركات مُعينة بدفع ما بين 25 و30% من الأرباح على استثمارات مالية معينة. آخر هذه التحذيرات كان على شكل رسالة فيديو قدَّمها شاب سعودي يشيرُ ويحذّر فيها من التعامل مع مثل هذه الإعلانات المضللة التي تحتوي أحياناً على تصريحات محاكاة للمسؤولين في تلك الدول، يتحدثون في قضايا أخرى غير تلك التي تهم الاستثمارات التي يتحدث عنها المضللون. وهذا ما أورده الشاب السعودي في رسالته بعدم تصديق ذلك حول استعداد الحكومة السعودية لدفع مثل تلك النسب من الأرباح للأشخاص المستثمرين في إحدى الشركات الحكومية المعروفة. مؤكداً في حديثه أن هؤلاء المضللين يطالبون بالإسراع في تحويل الأموال خلال مدة 72 ساعة لشراء أسهم تلك الشركة.
لا شك أنَّ إطلاق مثل هذه التحذيرات أصبح اليوم ضرورة حتمية نتيجة للخسائر التي لحقت ببعض الناس بسبب استخدام رسائل “خادعة للغاية” لتضليل الشباب والمواطنين -خاصة الخليجيين منهم- ودفعهم لتحويل مبالغهم الكبيرة من المال للدخول في تلك الصفقات الوهمية، خاصة أولئك الذين لا يعرفون كثيراً عن الاستثمار في شركات مالية معينة.
والهدف من هذه التحذيرات هو ضرورة توخي الحيطة والتعامل مع تلك الرسائل الوهمية الخادعة التي قد تعرّض بعضها الدخول في متاهات وخسائر كبيرة. وهذه الرسائل تدخل في إطار الاحتيال والابتزاز أحيانا، الأمر الذي يتطلب عدم الانخداع عند قراءتها، بل المطلوب التحري عنها عبر الشركات الوطنية المعروفة في عالم الأسواق المالية. وهذه الرسائل تتضمَّن كلَّ مرة عبارات مختلفة؛ بعضها يتحدث عن اكتساب المال والأخرى عن حصول منافع معينة، وثالثة حول أمور عاطفية وهكذا، والهدف منها جميعًا واحد، وهو الحصول على الأموال بطرق خادعة وسريعة. وبعض هؤلاء المخادعين من ذوي خبرات معينة في تلك المجالات، ويستغلون أية ثغرة للحصول على الأموال؛ سواء بطرق قانونية أو من استغلال الناس وجذبهم لتلك الإعلانات، الأمر الذي يتطلب من الراغبين بالاستثمار ضرورة الاتصال أولاً بالجهات المعنية للتأكد من ذلك، وعدم الإسراع في اتخاذ الإجراءت وتحويل الأموال.
ولتحقيق أغراضهم، تأتي خدمة “واتساب” في المقام الأول لخدمة المراسلة السريعة والمحبوبة عند هؤلاء المحتالين؛ الأمر الذي يتطلب من المستثمرين عدم نشر الأرقام الخاصة بهم في وسائل الاتصالات والتواصل الاجتماعي، والكشف عن الأمور الخصوصية لهم؛ كي لا يتمكن هؤلاء المحتالون من اختراقها والوصول إلى البيانات المهمة وانتهاك كل ما يهم حساباتهم.
وتأتي اليوم خدمة تشات جي.بي.تي (Chat GPT) لتدخل في هذا الإطار لسرقة البيانات الشخصية للناس، ومن ثم تداولها في أسواق الإنترنت صوتاً وصورة بطرق غير شرعية؛ من خلال ما يسمي بـ”شبكة الإنترنت المظلمة”. ووفقاً للنتائج التي كشفت عنها بعض الشركات المعنية، تعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ من أكثر الأماكن التي تتعرض لهذه الاختراقات وتعرضها إلى سرقة معلومات سرية وحساسة؛ من خلال شن هجمات خبيثة ضد بعض المؤسسات والشركات وموظفيها. ويتمُّ ذلك من خلال السرقات الإلكترونية، وتحديد بيانات الاعتماد المخترقة للناس، وبطاقات الائتمان المسروقة، والحصول على المعلومات الاستقصائية المهمة لهم. ويتم لاحقا تداول تلك المعلومات والسجلات المخترقة في أسواق شبكة الإنترنت المظلمة. وتأتي منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في المرتبة الثانية في هذه الاختراقات في العالم؛ حيث بلغت نسبة الأجهزة المصابة ببرمجية سرقة المعلومات 24.6%؛ الأمر الذي يتطلب ضرورة امتلاك الرؤية والمعرفة بتجمعات الإنترنت المظلمة والحفاظ على البيانات والمعلومات الحساسة وعدم تسريبها أو بيعها؛ بحيث لا يمتلك الآخرون خيوطا يمكن لهم تهديد الآخرين.
لقد تعدَّدت طرق الاحتيال في عالم الاتصالات اليوم بجانب زيادة عدد المخترقين، وكذلك عدد الضحايا من هذه العمليات الوهمية التي تستخدم الصور والفيديوهات الشخصية وغيرها من المعلومات من أجل الابتزاز وتقديم الفديات وتحويل الأموال إلى حساباتهم عبر الإنترنت. فقد أصبحت عمليات احتيال من خلال بعض البرامج تؤرق مضاجع الناس؛ الأمر الذي يتطلب اليقظة والحذر وعدم الكشف عن البيانات المهمة على الأجهزة الإلكترونية. كما من المهم أيضًا عدم التكاسل أو التساهل لعرض أو تقديم المعلومات الخاصة بالأشخاص. فجرائم الاختراق والاعتداء على شبكات الإنترنت تكثُر يوميًا فيما يبذل المشرِّعون جهودهم لمكافحة هذه الاختراقات للحد من العبث بها. فالجرائم الإلكترونية بشكل عام أصبحت من الأسلحة الخطيرة التي يمتلكها البعض، ومن الوسائل المهمة في عالم الجريمة الناعمة التي تزداد مع ظهور المزيد من التقنيات الرقمية والبرامج والتطبيقات الخاصة بالاتصالات والبرامج المتعلقة بها.