عددٌ من الصناديق العربية تحتل المراتب الأولى في قائمة الصناديق العالمية العشرة الأولى في العالم، منها جهاز أبوظبي للاستثمار بدولة الإمارات العربية المتحدة، والهيئة العامة للاستثمار الكويتي، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي، وجهاز قطر للاستثمار، فيما يأتي صندوق التقاعد الحكومي النرويجي في المرتبة الأولى؛ كأكبر صندوق سيادي في العالم، بأصول بلغت 1340 مليار دولار.
أما إجمالي حجم أصول صناديق الثروة السيادية في العالم فقد بلغ حاليًا نحو 10.21 تريليون دولار مقارنة مع 9.99 تريليون دولار في أبريل 2022. وضمن الصناديق الأخرى في العالم تأتي شركة الصين للاستثمار وصندوق جي آي سنغافورة ومحفظة الاستثمار التابعة لمؤسسة النقد بهونغ كونغ، وتيماسك القابضة بسنغافورة، والمجلس الوطني لصندوق الضمان الاجتماعي بالصين في مقدمة الصناديق الكبيرة في العالم.
صندوقنا السيادي المعروف باسم جهاز الاستثمار العماني لا يملك أصولًا كبيرة مُقارنة ببعض الصناديق السيادية المعروفة؛ سواء في المنطقة والعالم؛ حيث تبلغ أصوله 18 مليار ريال عُماني (46.5 مليار دولار أمريكي) في عام 2022، مقارنة بنحو 790 مليار دولار لأصول جهاز أبوظبي للاستثمار على سبيل المثال، وبنفس القوة نجد هناك الصندوق السيادي الكويتي والسعودي والقطري، وهي صناديق لها أصول كبيرة منذ أن تم تأسيسها.
البيانات التي أصدرها جهاز الاستثمار العماني في تقريره السنوي الأخير تُشير إلى أن الجهاز رفد الموازنة العامة للدولة بمبالغ بواقع 5.6 مليار ريال عماني خلال السنوات السبع الماضية (2016- 2022) أي بواقع 800 مليون ريال عماني (2.1 مليار دولار سنويًا) في المتوسط، فيما بلغ عائد الاستثمار للجهاز خلال العام الماضي 8.8%، كما تمكن الجهاز من استحداث 800 وظيفة للعمانيين في الجهاز وشركاته التابعة له، بينما يرى البعض أن هناك تضخمًا في بعض الشركات من الموظفين وخاصة في الدرجات العليا، بحيث نجد بجانب الرئيس التنفيذي عددا من نواب الرئيس الذين ليس لهم مُساهمة في العمليات الإنتاجية، وإنما يعد ذلك عبئًا على الشركات وعلى الجهاز في نهاية المطاف. ولا أريد هنا تسمية الأمور بمسمياتها، بحيث لا يقوم البعض بتأويل تلك الأمور.
الجهاز يشير أيضًا إلى أنه تم إسناد عقود ومناقصات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بواقع 190 مليون ريال عماني. وهذه المؤسسات تستحق ذلك وهي التي واجهت الكثير من التحديات والمصاعب خلال السنوات الماضية بعدما تعرضت لإغلاقات وخسائر عديدة بسبب تفشي وباء كورونا، حيث تم تسريح العديد من العمانيين من أعمالهم بسبب ذلك. ولا يزال بعضها يواجه المصاعب والتحديات.
إن قيمة الاستثمارات الخارجية التي يقوم بها جهاز الاستثمار العماني تصل اليوم إلى 50 دولة من أجل تنويعها في مختلف القطاعات الاقتصادية، وذلك لجني عوائدها السنوية، ولكن ليست جميع تلك الاستثمارات مجدية؛ حيث تعرض بعضها لخسائر كبيرة خلال السنوات الماضية. ويرى بعض المهتمين بضرورة رفع سقف هذه الاستثمارات في الداخل بحيث يتم ضخها في قطاعات اقتصادية مجدية، الأمر الذي سوف يوفر مزيدا من فرص العمل للعمانيين من جهة، ويزيد من القيمة المضافة لهذه المشاريع من جهة أخرى.
وحيث إن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بحاجة إلى تمويل مرن وذات فائدة قليلة، فمن المستحسن التفكير في إنشاء بنك وطني يساهم فيه الجهاز بنسبة 60%، وتطرح النسبة الباقية على الأفراد والمؤسسات في مساهمة عامة، وبحيث يكون هذا البنك جهة تمويل جديدة لتلك المؤسسات بنسبة تنافس ما تقدمها البنوك والمؤسسات التمويلية الأخرى لأصحاب هذه المؤسسات، والتي تصل في الغالب إلى 6% وفق قرارات البنك المركزي العماني.
هذا التنافس سيخلق نوعًا من النشاط والحركة للمؤسسات والشركات الصغيرة التي سوف تستغني عن أموال البنوك وخدمات الدين التي تفرضها هذه المؤسسات على العملاء الصغار، بالتالي تستطيع مواجهة التحديات المقبلة.
وهنا لا نُنكِر جهود الجهاز في إنشاء المشاريع في الداخل لكن يجب أيضا التفكير في عمليات التمويل للشباب والمؤسسات الصغيرة، ضمن قطاعاتها المُستهدفة للإسهام في التحفيز الاقتصادي المنشود، والتكامل مع القطاع الخاص، وتوفير فرص عمل للشباب، وفرص أعمال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة كما يؤكد عليه تقرير الجهاز.
إن أرباح محفظة التنمية الوطنية للجهاز داخل السلطنة من خلال استثماره في أكثر من 160 شركة بلغت نحو1.4 مليار ريال عماني وفق بيانات الجهاز؛ أي بواقع 8750 ريالا عمانيا، وهو مبلغ بسيط لهذه الشركات التي يمكن القول إن بعضها فقط يدر تلك الأرباح فقط، فيما الأخرى تحتاج إلى مزيد من الرعاية والحوكمة والتنافسية في عملياتها الإنتاجية لإيقاف خسائرها السنوية.
الكل على ثقة بأن توجه الجهاز لإصدار ميثاق حوكمة الشركات التابعة له سوف يسهم في تحسين أوضاع الشركات ونتائجها بجانب رفع أدائها وإنتاجها، خاصة وأن الجهاز عمل خلال الفترة السابقة على خفض مديونية الشركات التابعة له بنسبة 23.4% عبر خطة شملت تسديد 3 مليارات ريال عُماني، وهو مبلغ ضخم يمكن من خلاله إنشاء 3 شركات وطنية برأسمال مليار ريال عماني لكل منها.