رجل أربعيني ذو شخصية هادئة وعبقرية تجارية، كان ضمن مجموعة إخوة، وهم أحمد وقمر وعلي وعبد الأمير، عملوا على توسعة مجموعة شركات والدهم سلطان فاضل المُسماة بشركة “دبليو. جي. تاول وشركاه”.
ورغم شدة عطفه على الفقراء والأيتام، وتخصيصه يوم الجمعة لزيارتهم، كانت له شخصية مهابة من جهة، وخدومة من جهة أخرى، ممتدة اليد تجاه من عرفه ومن لم يعرفه، فقد كان يكرر: “هذا من فضل ربي”.
إنِّه المغدور به عبد الأمير بن سلطان بن فاضل، خامس أصغر شخصية قيادية من أبناء المرحوم سلطان فاضل، ونظرا لرقة عواطفه، خصوصا على الفقراء والقاصدين له، فقد لُقِب “بجوهر العائلة”.
عُرف المغدور به أيضًا بـ”حلال المشاكل”، لاهتمامه بحل الخلافات الأسرية، وكان قد تخرج في المدرسة السعيدية، مُحبًا للعلم، واستقر به الحال بعد التخرج في الكويت ومنها انطلق مؤسسًا لتجارة العائلة.
يذكر سائقه أحمد، وكذلك حسن مندوب العلاقات العامة في مؤسسته، أنه كان يشجعهما على الالتحاق بالدراسة مساءً، ويمنحهما مبالغ مالية لشراء القرطاسية، ولولا هذا التشجيع والدعم والسخاء من جانب عبد الأمير لما تمكن حسن من الحصول على وظيفة في “مطار السيب الدولي” كما كان يُعرف سابقًا وفي بداية عصر النهضة.
ربما لا يعلم الكثير بأن المغدور به كان قد قدم دعمًا للطلبة العُمانيين القاصدين روسيا وبعض البلدان العربية كاليمن والعراق ومصر للتعلم، ليس هذا فحسب، وإنما ساهم مع الشيخ أحمد السعدون الذي كان يعمل على ملف إرجاع العُمانيين من اليمن ودول عربية أخرى فور تقلد السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الحكم في عام 1970، فقد كان يعمل جاهدًا على توفير سكن لهم، وكذلك مستلزمات ضرورية تمكنهم من السفر بما فيها شراء تذاكر السفر ونفقة الجيب لاستقبال هؤلاء وتوفير ضروريات المعيشة لهم.
لكن شاءت الأقدار أن يبدأ معه مشوار الخديعة من لبنان، والذي انتهى باغتياله. وبدايات المأساة كانت عندما رست مناقصة شراء الأرز الباكستاني من الحكومة الباكستانية على شركتهم (شركة تاول)، بجهود متميزة بذلها أخوه الأكبر أحمد سلطان، ولكنَّ تاجرًا عراقيًا يُدعى مهدي بن صالح اليعقوبي، والذي كان منافسًا لهم في نيل المناقصة، وعندما فقدها ولم ترسو على شركته، طالب شركة “دبليو جي تاول وشركاه” بدفع عمولة تقدر بمائة ألف دينار كويتي، بحجة أنه صاحب الفضل في رسو المناقصة الباكستانية على شركة “دبليو جي تاول وشركاه”، ولرفضها ذلك، باشر المدعو اليعقوبي برفع قضية على الشركة، وعندما لم يكتب للقضية النجاح، دبّر مكيدة عبر شركة وهمية بعث من خلالها ببرقية إلى شركة “دبليو جي تاول” يدعوها للحضور إلى بيروت لمناقشة مشروع بناء مدينة سكنية متكاملة على غرار مدينة السلطان قابوس في مسقط، فانطلق المغدور به لحضور ذلك الاجتماع الوهمي، نيابة عن أخيه الأكبر أحمد سلطان، والذي أصيب بوعكة صحية، ويقول المقربون إن عبدالأمير لم يكن مرتاحًا من هذه السفرة، وهذا الشعور كان قد سرى في أفراد الأسرة أيضًا، إلّا أنه آخر المطاف حسم الأمر وتوجه نحو ما خططه القدر.
وفي بيروت، كان اليعقوبي قد حجز له غرفة في فندق “هوليداي إن”، وعند الاجتماع بينهما في غرفة الفندق وبحضور ولد اليعقوبي، احتدم النقاش بينهما حول دفع العمولة إجبارًا، واستعرت المناقشة والاحتدام بعدم أحقيته في نيل العمولة لتنتهي بإخراج اليعقوبي مسدسًا من جيبه، وأفرغ رصاصاته في قلب عبد الأمير ليُرديه قتيلًا، وكان مقتله في يوم الجمعة، وقد تمَّ إخفاء جثته في الغرفة لفترة حتى تم اكتشافها بعد يومين من مقتله.
تناقلت وسائل الإعلام الكويتية الخبر، وكذلك بعض الصحف اللبنانية، وانتشر خبر مقتل التاجر العُماني عبد الأمير في بيروت، وقامت جريدة “الحوادث” العريقة برئاسة الصحفي القدير “سليم اللوزي” بنشر حلقات يومية عن الحادثة تحت مسمى “الرز المُر” ، كما شاركت الأديبة والروائية غادة السمان بكتابة مقال حزين عن الحادثة.
وفي سلطنة عُمان، أغلق مجموعة من التجار محالِّهم حدادًا على مقتل زميلهم، وأصدر السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أمرًا بسحب القنصل العُماني من لبنان على إثر هذه الحادثة احتجاجًا على هذه الحادثة الأليمة.
وقد نعى المرحوم عبد الأمير، كل البيوت التي كان يصل إليها خير يده، ولا يسعنا إلّا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله يا أبا محمد، وأسكنك في جناته، وخالص التعازي لأسرته.
(*) العنوان مقتبس من الحلقات التي نشرتها جريدة الحوادث اللبنانية برئاسة سليم اللوزي