أسرة الواحد في المية مقصود بها “المتأتِؤون” الذين يبلغ عددهم 70 مليونًا من مجموع عدد سكان العالم، وكانت مبادرة “اسمعني” المختصة بقضية التأتأة قد أقامت ملتقى بالتعاون مع المديرية العامة للتربية الخاصة والتعلم المستمر وبمناسبة اليوم العالمي للتأتأة، سلَّط الضوء على ما تواجهه هذه الفئة من تحديات، وما تبذله مبادرة “اسمعني” لهم من جهود لمساعدتهم على التغلب على هذه المشكلة.
فريق “اسمعني” الذي بدأ بعدد ثلاثة متطوعين ليبلغ اليوم أعداد المتطوعين فيه نيف وثلاثمائة، استطاع أن يمد يد العون للعديد من المتأتئين صغارا وكبارا، ظهر منهم على مسرح الملتقى أربعة من فئة الطلبة والطالبات، عرضوا على الحضور مُعاناتهم مع التلعثم في الكلام وكيف أن هذا التلعثم كاد أن يكون سببًا في حرمانهم من أبسط حقوقهم المعيشية، فتحدثت “زمردة الضاوية”، والتي كانت قد أطلقت على كلمتها عنوان “لا أبرح حتى أبلغ”- عن مُعاناتها في التجمعات الأسرية، وفي المطاعم عندما كانت لا تستطيع أن تطلب من قائمة الطعام ما تشتهيه خوفاً من أن يسبب تلعثمها ضحك من يشاركها المائدة معها أو ربما ضحك النادل نفسه، وهكذا تحولت التأتأة إلى قاتم يسحبها تدريجيا إلى الظل، إلا أنها وبعد الالتحاق ببرامج مبادرة “اسمعني” تمكنت من السيطرة على التعلثم، وبإمكانها اليوم تقديم كلمة أمام الجمهور.
تجارب أخرى حكاها كل من حمد المنذري وأنس الديهني ورنيم المشايخي، وهؤلاء جميعا نجوا من أن يتلاشى تواجدهم الفاعل في الوسط الاجتماعي إلى أعضاء فاعلين بجهود فريق جعل الجميع يتلمس عمليا جدوى العمل التطوعي عندما يكون في خدمة الآخرين.
وإذا كانت أسرة المتأتئين ما يعادل 1% من مجموع سُكان العالم، فيا تُرى ما حجم أسرة “الأيتام” في العالم؟ كانت “هيئة الإغاثة الإنسانية” قد توقعت أن يصل عددهم إلى 400 مليون يتيم في العالم، هذا عام 2015، أي بواقع يتيم في كل نيف ودقيقتين! أما “مؤسسة الأيتام” فتقول بأنه لو تم إنشاء دولة للأيتام فقط لجاء التعداد السكاني فيها ليحتل الثالث في العالم!
يتولد اليُتم من عوامل عديدة متنوعة من الصعب إحصاؤها، فالحروب (5 مليون يتيم عراقي غير مذكور في الإحصائية، خلفه الاحتلال الأمريكي) والمجاعات والأنواء المناخية والكوارث الطبيعية، وتفشي الأمراض والفقر، إضافة إلى العوامل الطبيعية الأخرى، كلها تقف خلف إنتاج اليُتم في العالم.
وفي البلدان الفاقدة للأمن والظروف المعيشية الطبيعية، تحيط باليتيم من أولى لحظات يتمه شبكات عدة، كالتي تتاجر في البشر، والتي تعمل على تجنيدهم (100 ألف طفل مجند)، والتي تتاجر بالأعضاء البشرية، والعديد منهم يضطرون إلى العمل (218 مليون طفل يمتهنون أعمالا)، وربما إلى إدمان المخدرات، والالتحاق بالتنظيمات الإجرامية، وشبكات التسول.
في السلطنة، تشير الأرقام إلى ربما 17 ألف يتيم، فهل ما يُبذل من أجلهم كافيا؟
نظمت منصة “عيون” الرقمية منتدى “عمان لرعاية الأيتام (تطمين)” قبل أيام مضت، لأجل إبراز الجهود المخلصة والحثيثة التي تبذلها الجمعيات الخيرية لأجل تحسين الظروف المعيشية المحيطة بالأيتام، وبمشاركة متميزة من جمعية بهجة العمانية للأيتام، ومجموعة الإيثار التطوعية، وجمعية الرحمة، إضافة إلى مشاركة مركز رعاية الطفولة، ومبادرة طفولتي آمنة، ومركز الأمل للإرشاد النفسي، ودائرة الرعاية الأسرية، وقسم الرعاية البديلة لدائرة شؤون الطفل، نقلت مجموع هذه المشاركات الجهود التي تُبذل لرعاية الأيتام تحت ضوء الإعلام، وناقشوا سُبُل جعل هذه الخدمات مستدامة لا تتأثر بالظروف المحيطة، حتى لا يشعر اليتيم بفقدان الأمان، وأن حياته ما عادت سلسة كبقية أقرانه في المجتمع الكبير.
وتُلي في المنتدى إعلان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تدعو فيه كافة الجمعيات الخيرية المهتمة بشأن الأيتام لتسجيل الأيتام المسجلين في قوائمهم في برنامج “كهاتين” يتم تدشينه لأول مرة، يهدف إلى تدريبهم على أسس الإدارة المالية السليمة، وتعزيز مفاهيم إدارة اليتيم لأمواله بعد بلوغه سن الرشد، إضافة إلى معرفة القواعد الأساسية لبرامج الادخار وإدارة الأزمات المالية وإقامة المشاريع.
وخرج المنتدى بتوصيات نشرتها “الرؤية” في تقريرها المنشور في العدد الصادر بتاريخ 1 أكتوبر، ويبقى موضوع إقناع دوائر المسؤولية الاجتماعية بأهمية الاستثمار في هذه الحقول التنموية والإنسانية هاجسا يؤرق هذه الجهود التطوعية المخلصة.
يأمل هؤلاء أن تحل ثقافة “المبادرة بالمساهمة” محل ثقافة “الإقناع والاقتناع”، فالأولى تستمد رصيدها من الواقع، بينما تستمد الثانية رصيدها من مهارات التخاطب، وبينهما فرق كبير.