Image Not Found

الطفل الذي كان يتصبب عرقًا.. لم يكن لوحده!

محمد بن رضا اللواتي – الرؤية
[email protected]

أجواء المساء مُفعمة بروائح عيد الأضحى المُبارك، وربما لا يهتم بها الكثير من النَّاس كما يهتمون بعيد الفطر المجيد، إلّا أنها تظل مناسبة مُبهجة وعيدا سعيدا عزيزا يحوي العديد من المعاني السامية والقدسية، لم أشأ أن تمضي بابتهاج بارد، لذا عزمتُ وأنا أخرج من جامع السلام بعد صلاة العشاء أن أرتاد بعض المُجمعات التجارية القريبة لشراء ما يبعث في الصغار سرورًا، ويكون ذلك سببًا للحديث عن الأسرار الكامنة في اختيار الله تعالى هذا اليوم ليكون عيدًا للمُسلمين قاطبة، وما يحمله من دلالات وقيم.

لفت انتباهي وجود طفل في مواقف السيارات يتصبب عرقًا في مساء شديد الحرارة، يحمل سماعة هاتف يعرضها للبيع! اقترب الطفل مني ومدَّ يده يسألني أن أشتري منه، وكانت يدي بلا إرادة مني قد قبضت على محفظتي لإخراج شيء منها له..

إلا أنني تريثتُ قليلاً وسألته عن سبب وجوده هنا في هذا الوقت، وما الذي دعاه لأن يُعّرِض نفسه لهذا الموقف المُحرج؟

أجابني بالقول إنَّ 500 بيسة بالنسبة له عيد!

القميص بالٍ جدًا لم تتمكن بقعة العرق الكبيرة من جهة الظهر أن تخفيه، والسروال مهترئ بثقوب واضحة، عندها سألته عن جنسيته ومسكنه، ففاجأني بأنَّه عُماني أبًا عن جد، يقطن “حارة الشمال” بمطرح، والده مُعاق، كان يقوم بغسل وتنظيف السيارات إلا أنه مُنع من ذلك بحسب القوانين، ولا بُد له من توفير 120 ريالًا شهريًا لإيجار المنزل، إضافة إلى إعالة 8 أنفاس من أفراد عائلته!

لذا لا بُد له من أن يُساعد أباه العاجز!

صمَّمتُ أن أتأكد مما يقول، فطلبت منه أن أرافقه إلى منزله وفعلًا وافق مسرورًا!

ها أنا الآن أقف أمام البيت الذي لا يصلح للعيش الكريم على الإطلاق. لقد كان أقرب إلى “المزبلة” منه إلى المنزل. والدٌ معاقٌ يجلس قرب قمامة المنزل، ولم يكن لديه خيار أساسًا أن يجلس في مكان غيره!

في البيت أولاد أربعة أكبرهم عمره 16 سنة، ثم 14 سنة، والفتى الذي يرافقني وعمره 11 سنة، وطفل عمره سنتان، وفتيات أكبرهن في عمر 15 سنة، ثم فتاة في عمر 13 سنة، ورضيعة لا يتجاوز عمرها 4 أشهر!

الأسرة عددها 9 أنفاس، يتلقون ضمانًا اجتماعيًا من وزارة التنمية الاجتماعية مقداره 80 ريالًا، لا يكفي للأم أن توفر منه شيئًا لشراء حليب لرضيعتها!

البيت يملأه البق، ويوجد فيه مكيف لا يُستعمل خوفًا من ارتفاع فاتورة الكهرباء.

أرفقتُ مع هذا المقال صورة واحدة من مجموعة من الصور التي التقطتها بهاتفي، وظللتُ أتساءل:

هل من المعقول أن تحتضن مطرح التليدة أسرة تعيش على هذا النحو من الفقر المدقع والحاجة الملحة دون أن تصلها أيادي المساعدات لتنتشلها من هذه المهانة..؟

يبدو أن الأمر يتجاوز حدود أسرة واحدة وأسرتين..

يظهر أن الصفة العامة للحارة أنها تترنح على خط الفقر المدقع!

فعند مروري في الأزقة التي تقود إلى ذلك المنزل البائس، لاحظتُ وجود أكثر من طفل على هذه الشاكلة، فواحد يغسل سيارة، والآخر يرجو المارة أن يشتروا منه علبة محارم ورقية!

للحظات فارقني الإحساس تمامًا بأني في قلب مسقط العامرة، فهذه الحارة لا تنتمي إليها بتاتًا.

هكذا سردت أختي لي هذه الحكاية، وكانت الدموع بين الفينة والأخرى توقفها عن الاستمرار.

لا شك أنَّ مثل هذه الحارات لا تتسق مع مبدأ الرفاه الاجتماعي الذي بات إحدى أولويات رؤية “عمان 2040″، ورغم ما تُبذل من جهود جبّارة من قبل جمعية الرحمة وجمعية المرأة العُمانية ولجنة الزكاة التابعة لولاية مطرح، وفريق مطرح الخيري، وهذا الأخير يمد هذه الأسرة، وبصعوبة بالغة باحتياجاتها من الغذاء والضروريات شهريًا، إلا أن الأمر يتجاوز الجهود التطوعية للعمل الخيري.

إننا في حاجة إلى خُطة مُحكمة لانتشال هذه الأسر، وربما حارات، من هكذا أوضاع.

لم يكن الفتى الذي كان يتصبب عرقًا يقف ذلك المساء وحده؛ بل كان يصطحب معه 8 أنفاس أخرى من أفراد عائلته، وربما حارة بأكملها.