في الوقت الذي يتحدَّث الكل في المنطقة وخاصة في السلطنة عن أسعار النفط العالمية بكل إيجابية بسبب ارتفاعها بصورة كبيرة في الأسواق العالمية نتيجة للحرب الدئرة ضد أوكرانيا، ويضعون آمالاً عديدة للاستفادة من هذه الزيادات في تصحيح أوضاعهم المالية المتردية خاصة من قبل فئة رواد الأعمال الذين تحاصرهم الديون التي ترتبت عليهم بسبب الجائحة كوفيد-19، إلا أنه في المقابل نجد استياء كبيرًا من سكان العالم بسبب هذه الطفرة في أسعار النفط والغاز وبعض المنتجات والمواد الاستهلاكية نتيجة لحاجتهم الماسة إلى هذه السلع المهمة في الحياة.
ففي الغرب هناك عشرات الأخبار والتحليلات حول ارتفاع أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي التي بلغت مستوى قياسياً جديداً نتيجة لحدة الحرب الدائرة في أوكرانيا من قبل روسيا، والمخاوف الناجمة من تدمير البنية الأساسية التي قد تُسبب نقصاً في تدفق الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا والمار عبر الأراضي الأوكرانية. وهذا ما أدى مؤخرًا إلى ارتفاع أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي بصورة دراماتيكية في ظل مخاوف مستمرة في نقص الإمدادات، وتقليص الكميات، وفي ظل القرارات التي تؤخذ من قبل أمريكا وأوربا لمحاصرة الاقتصاد الروسي الذي يمد العالم الأوروبي بكميات كبيرة من الغاز يومياً من خلال فرض العقوبات الاقتصادية عليها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار العقود الآجلة القياسية بنسبة تزيد عن 60% خلال الأيام القليلة الماضية، في الوقت الذي شهدت فيه أيضا أسعار النفط العالمية هي الأخرى زيادة ملحوظة لترتفع الأسعار إلى أكثر من 130 دولاراً للبرميل، وكذلك في أسعار القمح والذرة وغيرها من السلع الضرورية الأخرى.
ورغم أن الحياة مستمرة في هذه الأوضاع الكئيبة، إلا أن القادم مجهول للكثير من الدول وخاصة في الغرب بسبب الأوضاع المتردية من استمرار الحرب وما يتلو ذلك من الهجرة والبطالة وزيادة عدد اللاجئين في العالم، بجانب تراجع الناتج المحلي لعدد من الدول التي ستشملها الحرب وأولها روسيا وأوكرانيا المتصارعتين، بجانب المخاطر الأخرى الناجمة عن استمرارها خلال الفترة القادمة، كإلغاء العقود وحصول التصفيات والتوقف من التعامل مع بعض الشركات وخاصة الروسية منها في ظل العقوبات التي ستتعرض لها موسكو خلال الفترة القادمة. كما من المتوقع أن يتعرض التجار والمستثمرون إلى خسائر كبيرة نتيجة لهذه الحرب بجانب قلق المشترين وشركات الشحن البحري من التعامل مع الإمدادات الروسية من النفط والسلع الأخرى. وقد بدأت مؤخراً آثار هذه الحرب على أسواق المال العالمية التي تراجعت بصورة ملحوظة، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الغاز والنفط للمستهلك لتمتد آثارها على كل بقعة أوروبية. وهذا يعزى إلى العلاقات الاقتصادية الكبيرة التي تجمع بين الروس والأوروبيين الذين يحصلون على أكثر من 40% من الغاز الطبيعي و25% من النفط الروسي، وبقيمة مليارات الدولارات سنويًا.
في مقابل ذلك، تمثّل أوكرانيا مركزًا خصبًا للكثير من المنتجات الغذائية للعالم بحيث تأتي في مرتبة متقدمة في توفير القمح والذرة وبعض المواد الغذائية الأخرى، في الوقت الذي يجهل الكثير من القادة فترة هذه الحرب إن كانت ستتوقف بصورة نهائية، أم أنها سوف تستمر في لهيبها لأشهر أخرى لتجر خلفها دول قريبة وبعيدة لتستعر بنيرانها أيضًا. وفي جميع هذه الحالات فإنها سوف تسفر عن نتائج سلبية على الاقتصادات العالمية التي أنهكتها الجائحة خلال السنتين الماضيتين بصورة كبيرة، والتي تسعى جاهدة للتعافي من آثار فيروس كورونا.
وفي خضم ذلك سيواجه العالم مشكلة أخرى تتعلق بنتائج العقوبات التي تفرضها بعض الدول على روسيا، الأمر الذي سيدفعها للانتقام من هذه العقوبات الأوروبية الأمريكية بطرق عديدة من خلال الاستثمارات وأصول الشركات وعمالتها الأوروبية المتواجدة في روسيا، وسيؤثر مباشرة على تلك الدول في عقر دارها، بجانب التضخم الذي في يحصل في أسعار السلع في تلك الدول. فروسيا تعتبر ثالث أكبر شريك تجاري لواردات أوروبا، ورابع أكبر شريك لصادرات الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة والمواد الخام والحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى، وبقيمة مليارات الدولارات سنوياً.
إننا مقبلون على حرب اقتصادية مالية شاملة في أوروبا في أعقاب الحرب العسكرية الدائرة على أوكرانيا حاليًا، الأمر الذي سيؤدي إلى نشوب حروب مستمرة في المنطقة الأوروبية وستكون لها نتائج سلبية على الكثير من تلك الدول، وستشمل الأضرار كل الأطراف في العالم، الأمر الذي سوف يؤثر على عمليات الاستثمار والنمو في الاقتصادات العالمية.