Image Not Found

عندما تساءل سالمٌ يومًا؟

محمد بن رضا اللواتي – الرؤية
[email protected]

الساعة تُشير إلى السادسة صباحًا، حيث يقف سالم أمام المدرج الثاني من المدارج الخمسة لمحطة “شناص” للقطارات، ومعه ولداه وابنته، هذا في إحدى صباحات الأحد. فعلاً كانت فكرة زيادة عدد أيام الإجازة الأسبوعية إلى ثلاثة مذهلة، وما رافقها من تغيير نوعي حقيقي في أنماط المناهج التعليمية وأساليب مُمارسة التعليم في السلطنة. لقد بات الطالب اليوم يتلقى في أربعة أيام فقط ما كان يتلقاه في خمسة أيام، بعد أن تمَّ التخلص مما يُعرف “بجراثيم التعليم” وهي (تكثيف المواد، كثرة الاختبارات، الدراسة الطويلة في المنزل، إطالة أوقات المدرسة، والدروس الخصوصية).

لقد تحولت الواجبات المنزلية إلى مشاريع علمية، وأضحت الأسر العُمانية تستمثر الإجازة الأسبوعية في السياحة الداخلية التي ازدهرت بشكل كبير، وزادت الأوقات التي تقضيها الأسر في التسوق أيضاً، مما أدى إلى مزيد من الانتعاش لمراكز التسوق والأسواق المحلية.

قطع القطار محطة تلو أخرى بسرعة 300 كم في الساعة، وعندما أضاءت مُؤشرات بلوغها محطة المصنعة، هبَّ واقفاً ومعه عائلته الصغيرة، إذ بلغ وجهته في قرابة 30 دقيقة، فوجهته هذه المرة المدينة الترفيهية التي أنشأتها وزارة السياحة على مساحة تُقدر بسبعة هكتارات، وما لا يعرفه سالم هو أن ابنته روان قد حجزت مبيتاً لهم في الفندق التابع لمدينة الملاهي لقضاء الليلة فيها.

إنِّها تريد أن تفاجئ والدها، الذي ظل يحاول أن يحجز غرفة فيها خلال فترة إجازة منتصف العام الدراسي ولكن دون جدوى لشدة الطلب على الإقامة. لقد كان التوجه السابق هو إنشاء الفنادق فحسب، في حين لم يكن عامل جذب السائح متوفرًا لضعف البُنى التحتية السياحية العامة، ولكن وما إن بدأ الاهتمام بإنشاء مُدن ترفيهية في مختلف الولايات، تحقق استهداف العائلات بشكل مذهل، وقلَّت ظاهرة المروق عبر الحدود في كل إجازة قصيرة، وأضحت الكراسي المُعلقة على سهل “آتين” والتي تقود راكبها في رحلة لحوالي 30 دقيقة، لا تجد شاغرًا في مختلف المواسم.

لقد قلَّت الحوادث المميتة، وقل نزيف الاقتراض لأجل شراء السيارات، وقل تكدس المركبات في الشوارع، خصوصًا بعد أن أضحى الحصول على سيارة أجرة عبر التطبيقات الإلكترونية غاية في السهولة وبأسعار تنافسية.

حالما يصل سالم بعائلته الصغيرة “المصنعة”، سيستقل سيارة الأجرة لتنزله على أعتاب المدينة الترفيهية، وهكذا يفعل الموظفون القاطنون في المناطق؛ إذ يستقلون القطار في الصباح الباكر ليقلهم إلى مواقع أعمالهم مهما كانت بعيدة.

لم تتمكن زوجته من مشاركة عائلتها في هذه الرحلة، لأنها استقلت قطارًا مع والدتها متوجها إلى “صحم” لمراجعة مشفى العظام المرجعي للولاية، فبعد أن نشطت برامج تطوير المحافظات، ظهرت المستشفيات المرجعية فيها، فقلَّ الطلب على مستشفيات مسقط، فضلاً عن السفر لأجل العلاج، وانبثقت مدارس حديثة، وحطت الجامعات الكبيرة ثقل أفرعها في بعض المناطق.

رغبت عائلة سالم الصغيرة قُبيل العودة إلى “شناص” في قضاء بعض الوقت على كورنيش “مطرح” بعد أن تمَّ تطويره فبات من أروع المواقع السياحية، فلقد تمَّ تزويده بممشى بطول عدة كيلومترات إضافية، ومجموعة من الاستراحات بين كل 500 متر، إضافة إلى العديد من المطاعم، مع وفرة الأنشطة العائلية المتنوعة. وعندما أطلت الكراسي المعلقة بهم فوق منتجع “عينت” الترفيهي بشارعه الحديث، والذي ظل لسنين مهملا، قررت الأسرة الصغيرة أن يكون هذا المنتجع هدف زيارتها القادمة.

يتساءل سالم في نفسه وهو في قطار العودة: “هل فعلا أضحت مُغادرة “شناص” صباح الأحد والوصول إلى “المصنعة” خلال 30 دقيقة مُمكنًا؟ ومنها ظهر الإثنين إلى كورنيش “مطرح” ومنها إلى “شناص” بحيث إن الوصول كان في التاسعة مساءً وقد تعشت عائلته الصغيرة على متن القطار؟ كل هذا أصبح متاحًا؟”

ما الذي كان وراء هذا التغيير تحديدا؟ تذكر سالم بندا ضمن وثيقة رؤية “عُمان 2040” تحت عنوان “حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع” يقول: “جهاز إداري مبتكر وصانع للمستقبل قائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة”.

لقد كانت هذه الرحلة ثمرة من ثمار تدشين نظام الرقابة على الأداء والمساءلة والتغيير إن لزم الأمر.

فعلاً لقد ولىّ “المنفى الوظيفي” إلى الأبد فما أضحى الكرسي اليوم بمثابة عقد لمدى العمر.