تحرير المرأة قضية جدلية (33) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (9)
عندما تقوم دولة هنا و هناك فإن ممارسة الدولة لسيادتها من أهم مقومات الدولة القومية ، و لكن هذا المفهوم لم نجده عند النبي الخاتم (ص) عندما أرسل رسائل إلى قيصر الروم و ملوك آخرين و دعاهم إلى الإسلام و هددهم بزوال ملكهم إذا لم يؤمنوا به و بدينه.
و هو (ص) يعتبر أول نبي من أنبياء الله يهدد و ينذر الملوك الأرض في تاريخ الأنبياء و هذا دليل على ثقته بعقيدته و دينه ، لأن الحاكم لا يهدد أحدا ولا يجبر أحدا على اعتناق عقيدة معينة بل يتودد في عباراته ، ولكن هنا وجدنا التأكيد والعزة للعقيدة الإسلامية وان لها الحاكمية العليا في الأرض .
و قد فهم قيصر الروم شفرة رسالته (ص) كما جاء في تاريخ اليعقوبي جزء 2 ص 77 بقوله (إن عيسى بشرنا بك و إني دعوت الروم أن يؤمنوا بك فأبوا و لو أطاعوني لكان خيرا لهم لوددت أني عندك أخدمك و أغسل قدميك ،فقال النبي الخاتم (ص) يبقى ملكهم ما بقي كتابي عندهم)
و بقيت النصرانية إلى اليوم كدين و معتقد يمارس أتباعه كل ما جاء عندهم من الأحكام و الشرائع التي جاء بها عيسى النبي ، هنا يرد لدينا هذا السؤال مع عالمية رسالة الإسلام ، و هي جامعة لكل الشرائع باعتبار أن كل الأديان تندرج تحت مسمى واحد وهو الإسلام ، المسيحية هي الإسلام و اليهودية هي الإسلام و الشريعة المحمدية هي خاتمة رسالة الإسلام
فلو أردنا أن نتحدث في قضية المرأة هل توجد منظومة قانونية تنظم قضايا المرأة في الإسلام أم لا ؟ إذا قلنا غير موجودة فنحن نطعن في قابلية رسالة الإسلام في مواجهة التطورات و المتغيرات الزمانية سواء في عهد موسى كليم الله أو عيسى روح الله ، أو النبي الخاتم (ص) و هذا لا واقع ملموس له ، فإذن سيكون جوابنا نعم موجودة هذه المنظومة .
و لكن السؤال أين هي هذه المنظومة ؟ قد يقول قائل من سيرة النبي الخاتم (ص) و الأئمة الطاهرين و سيرة الصحابة و اجتهادات الفقهاء عبر العصور تكونت هذه المنظومة حتى وصلنا في حل قضايا المرأة إلى ما وصلنا إليه في عصرنا الراهن . واقعيا لا يمكن قبول هذه الأقوال خاصة في جزئية اجتهادات الفقهاء لأننا وجدنا أن منطق الفقه منطق ذكوري.
هنا يمكن القول أن التداخل مع أمم أخرى بحاجة إلى منظومة قانونية حسب مبادئ علم الاجتماع في حل بعض القضايا بحيث تتفق عليه جميع القوميات يكون لها صفة العالمية مثل حقوق الإنسان ، و التراث الإنساني ، و لا يقتصر على حفظ السلم فقط ، بل يتعدى ذلك إلى حماية الإنسان ، و مكافحة الفساد ، و تحرير المرأة من قبضة الأحكام التي لا تمت إلى منهج القرآن و السنة النبوية الشريفة بصلة ، مما يمثل ملامح العولمة العالمية.
و هذا التحرير تمثل في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بإسم اتفاقية (سيداو )، ما هي اتفاقية سيداو؟ و متى نشأت ؟ و لماذا ؟ الجواب هي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979م ، صدقت في 3 سبتمبر عام 1981م ، و بلغ عدد الأعضاء المنضمين للإتفاقية 189 دولة من بينها 54 دولة إسلامية و20 دولة عربية ما عد (السودان و إيران و الصومال)
أما السودان فقد انضمت إلى الاتفاقية مؤخرا و تحفظت العديد من الدول على بنود الاتفاقية حيث رفضت تطبيق البند 28 من الاتفاقية المتعلقة بتسوية الخلافات المتعقلة بفهم الاتفاقية و الذي ينص في فقرة (ب) (لا يجوز أبداً أي تحفظ يكون منافيا لموضوع هذه الاتفاقية و غرضها)
و إيران حيث اعتبرت نائبة رئيس الجمهورية في شؤون المرأة والأسرة والأمينة العامة لصيانة حقوق المرأة في حكومة الشيخ حسن الروحاني شهين دخت مو لا وردي لمراسل أخبار قناة الأن الفضائية بتاريخ 17-10-2015م ( تحقيق المساواة بين الجنسين فنحن نعتقد يجب تحقيقه بنسبة للمرأة في جميع الجوانب والأدوار التي تؤديها في الأسرة والمجتمع فيجب الحفاظ على التوازن في هذه الأدوار يجب الحفاظ عليه في السوق ويجب تطبيق هذا الأمر لكي نتمكن من توريد موارد بشرية النسائية بشكل مناسب)
و مع هذه السجالات القانونية في تفسير بنود اتفاقية (سيداو ) بين مؤيد و متحفظ لبعض بنودها ،توجهت هذه الدول إلى تعديل بعض قوانينها الداخلية للتتماشى الاتفاقية مع دساتيرها و عدم معارضتها مع قيم الأسرة ، وبموجب القرارين للأمم المتحدة 1325 و 1820 وافقت جميع دول العالم ،و وقعت على هذين القرارين و آخر من وقع عليها هي دولة قطر ، و دخلت اتفاقية سيداو حيز التنفيذ.
و هذا يعطينا دلالة واضحة أن اتفاقية سيداو لا يوجد تعارض دولي عليها إجمالا ، إضافة إلى إنها أصبحت المرجعية القانونية في تنظيم أحوال المرأة ، و قد كشفت هذه الاتفاقية عمق العزلة و القيود التي كانت المرأة تعيشها على أساس الموروث الديني والثقافي
السؤال: في ضؤ اتفاقية سيداو ما هي الأنظمة التي تمارس التمييز في حياة المرأة ؟ هناك اتجاهات معاصرة تعمل ضمن فئات متحفظة تارة و مناهضة تارة أخرى ماذا يعني ذلك ؟ ركزوا معي رجاء ، تركيبة اتفاقية سيداو هي على النحو التالي :
المادة -1 تعريف التميز ضد المرأة و هذا التعريف يشكل القاعدة الأولى للقضاء على أشكال التمييز ، قل لي من المنظور الديني ما هو تعريف التمييز مثلا أنت اسأل أهل الدين ما هو تعريف التمييز في الشرع الإسلامي ؟ الجواب اختلاف في معاملة شخص أو مجموعة بسبب ما يؤمنون به من معتقدات دينية (موسوعة ويكبيديا)
هل أنتم متفقون على هذا التعريف دينيا ؟ لنسأل النحويين ، ما هو التمييز ؟ الجواب : هو اسم نكرة يذكر تفسيرا للمبهم من ذات أو نسبة يزيل الإبهام عن المميز ، جيد جدا
هل هذا التعريف للتمييز سواء عند النحويين أو أهل الدين مطابق لما جاء في اتفاقية سيداو في البند -1 أم لا ؟ الجواب : التمييز ضد المرأة أي التفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس و يكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة على أساس تساوي الرجل و المرأة في حقوق الإنسان (الأمم المتحدة)
إذن هذا التعاريف بتحليلاتها تساعدنا على إدراك أن المنظومة الاجتماعية أو الهيكلية الاجتماعية للاختلاف بين الجنسين الرجل و المرأة تشكل الأساس الذي تقوم عليه عملية توزيع أو تخصيص القواعد ، و المسؤوليات و السلطات و الحقوق بين الرجل و المرأة ، يؤدي إلى التمييز بينهما ، إلى هذا الحد اتضحت لكم الصورة عن التمييز ، أعتقد الصورة واضحة . ممتاز
نكمل بحثنا في الحلقة (34) ان شاء الله تعالى….. الى اللقاء
تحرير المرأة قضية جدلية (34) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (10)
اتفاقية سيداو في اعتقادي ليس مشروعا غربيا حتى نقول أن البنود التي صيغت في الاتفاقية تناسب البيئة الغربية ، لا أبدا ، لأن قضية المرأة هي قضية إنسان يعيش على الأرض هنا و هناك ، و بنى عليها مجتمعه و عاداته و تقاليده ، فكل مجتمع يوجد فيه الرجل مثلما توجد فيه المرأة ، و كل مجتمع يختلف في تعامله مع المرأة عن المجتمع الآخر
لا يقول لي قائل أن جميع المجتمعات الإسلامية في أصقاع الأرض تسير على النهج القرآني و النهج النبوي الشريف في التعامل مع المرأة ، لو كان كذلك لما وجدنا الموروث الديني يتحدث عن المرأة بمنطق الذكوري ، فالإسلام له عينان عين للخارج ينظر إلى الغرب بعين متأمل و متفحص و ناقد ، و عين للداخل الإسلامي يرى الجمود و التقليد الذي أعاق التطور و تقدم الذات.
و مناقشتنا لاتفاقية سيداو بعيد كليا عن الشحن العاطفي ، و الرفض القاطع و المبدئي الذي لم يتح أي فرصة للتأمل و فحص و نقد مكامن هذه الاتفاقية ، فبدل البحث عن أصل الحقيقة نبحث عن الفرع ، و هذا الذي أصاب الأمة بمرض التقليد ، و الأصوات النكرة التي تحاول دائما تحويل الأنظار عن حقيقة واقع المرأة الاجتماعي، و كأن الذي أيد هذه الاتفاقية و وافق على بنودها مع بعض التحفظات ، هم بقالين ، و ليسوا أصحاب دين و فكر و عقيدة ، لهذا سلكنا طريق التأمل و التفكير النقدي العلمي حتى نكون مسؤولين عن أحكام نطلقها هنا و هناك.
و هذا الذي وجدناه أن ما يميز هذه الاتفاقية عن غيرها في معالجة قضايا المرأة بأن جعلت كلمة التمييز كأول بند من بنود الاتفاقية ، لأن إلغاء التمييز يعني فك القيود عن المرأة ، التمييز مركب اجتماعي يرتكز على معايير اجتماعية و نمط اجتماعي يكتسب مع مرور الوقت الشرعية الاجتماعية
و هذا المركب الاجتماعي قائم بين الهوية و الأدوار الجندرية لأن هناك أربع مؤسسات تجتمع معا في ترسيخ التركيب الاجتماعي – يرجى من القارئ الكريم أن يضع هذه التركيبات الأربعة نصب عينية لأنني سأرجع إليها عندما نناقش النظرية الجندرية الآن نركز من أين بدأ التمييز ضد المراة ! التركيبات الأربعة هي الأسرة ، السوق ، المجتمع المحلي ، الدولة
أما بنسبة للأسرة فإن التمييز بدأ منذ أن وضع الرجل القاعدة الاجتماعية أن المرأة مكانها في البيت ، لأنه هو المعيل و القوة الاقتصادية للأسرة بيده ، و لم تكن المرأة تحظى بأي من الموارد من أي من المؤسسات و هذا النوع الاجتماعي لم يكن يلائم المرأة ، فيؤدي إلى حرمانها من التعليم ، و إبعادها عن الأنظار ، لا تعرف ما يحصل في الخارج فكل ما تسمعه من الأخبار سواء عن عائلتها أو جيرانها ممن ؟
من الرجل فإذا جاء الرجل و قال لها إن ابن عمك شتمني و أهان كرامتي أمام الناس ماذا ستفعل هذه المرأة ؟ ستقطع صلة الرحم مع ابن عمها ، و لكن إذا ناقشت الرجل لتتقصى الحقيقة ماذا سيحدث ؟ ما هي إلا دقيقة و إذا بكف الرجل ينزل على خدها بسرعة البرق تجعلها تدور حول نفسها دور الرحى حول المحور ، هذا واقعنا أم لا ؟
لا تخجلوا كونوا منصفين و واقعيين هذا بالله عليكم مبدأ قرآني الذي يقول في سورة آل عمران آية 159 ( و لو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك) شتان بين المنهج الرباني و بين التركيبة الاجتماعية التي وضعها الرجل ، و بهذه التركيبة هل تستطيع المرأة أن تبحث عن بدائل لها لمهمة البيت في السوق لتنافس الآخرين ؟
أبدا لن تستطيع لأنها مقيدة بالموروث الديني ، مثل رواية عن السيدة فاطمة الزهراء (خير للمرأة أن لا ترى رجلا و لا يراها رجل ) بينما السيدة فاطمة كانت تخرج إلى جبهات القتال لتضميد الجرحى مع أبيها النبي الخاتم (ص) ، وكانت تتحدث مع الصحابة مثل ابوذر الغفاري وسلمان المحمدي ، لا أعرف هذه الرواية التي لا أصل لها من أين جاؤوا بها ! وهذا أسلوب واضح لترسيخ مبدأ التمييز ضد المرأة بشتى الطرق .
هؤلاء البعض منهم مستعدون للترويج الأكاذيب بإسم السيدة فاطمة ، و لكنهم غير مستعدين للقبول بفكر عدم التمييز ضد المرأة لأن هذا الفكر مؤامرة غربية على الفكر الإسلامي ، و بسبب هذه القرارات تجد المرأة نفسها عاجزة عن التأثير في الدولة كفئات قادرة على العطاء ،و هكذا يتشكل مبدأ التمييز ضد المرأة، ، بررها الرجل على أساس أن الإسلام يتوقع منها ذلك بأن تكون بعيدة عن منافسة الرجال .
هناك نقطة مهمة أود الإشارة إليها قبل الانتقال إلى الجانب الثاني من اتفاقية سيداو و هي المجتمعات الإسلامية بكافة شرائحها عرفت عن اتفاقية سيداو أليس كذلك فأغلبكم سمع بها إن لم يكن جميعكم فالآن عمر الاتفاقية 40 سنة.
السؤال : هذا الخطيب أو ذاك عندما يريد التحدث عن نظرية الجندر أو النظرية الليبرالية أو نظرية الديموقراطية هل يعرف أن هذه النظريات انبثقت من القوانين و المواثيق الدولية و هذه القوانين و المواثيق تم ماقشتها في أروقة الدوائر القانونية و الشرعية كل حسب مذهبة أم لا يعرف ؟
الجواب لا يعرف ، أنا خلال دراستي لعلوم القرآن و الحديث قال لي معلمي نقلا عن الشيخ جواد الأملي رحمة الله عليه ، أنه كان يقول لتلامذته دائما ( إذا وصلتكم نظرية من الغرب أو من الشرق عليكم بدراستها و التمعن فيها و تحليلها لعلكم تجدون فيها مقاصد الشريعة و أنتم غافلون)
و هذا بالفعل يدعونا إلى التفكر لنصل إلى منطق سليم و واضح يعطي الحقوق لأصحابها و يلزم الأفراد على القيام بالواجبات ، لأننا أمام فكر جديد و نمط جديد في معالجة قضايا المجتمع ، مثلا مبدأ المساواة في المادة 3 من اتفاقية سيدوا
( تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية كل التدابير بما في ذلك التشريعي منها كفالة تطور المرأة و تقدمها الكاملين و ذلك لتضمن ممارسة حقوق الإنسان و الحريات الأساسية و التمتع بها على أساس المساواة مع الرجل)
سأختصر لكم مقصد هذه المادة ، أنت تصور أن هناك قرية بها نساء في منقطة ( أ ) و هناك منطقة (ب) بها نساء أيضا السؤال هل طلبات المرأة في هاتين القريتين واحدة أم متعددة ضمن قوانين كل القرية ؟ الجواب: متعددة بلا أدني شك ،لأن المراة قد تريد ممارسة الرياضة مثل الرجل في منطقة (الف)
ولكن في منطقة (الباء) لا تريد ماذا ستفعل لتفعيل مبدأ المساواة ؟ ستوجد تشريعات مختلفة لهذه القرية في الرياضة النسائية بحيث تستطيع هذه المراة ممارسة نشاطها الرياضي
ولسماح المراة لممارسة هذا النشاط بحاجة إلى تأييد فقهي اليس كذلك ، لنقل أن الفقه لم يوافق عليه بسبب اختلاط الجنسين وهذا حرج للمراة ، ما هو الحل ؟ هل نمنع نساء في قرية (الف) من ممارسة الأنشطة الرياضية بسبب عدم رغبة النساء في قرية (الباء) في ممارسة نفس النشاط ؟ الجواب كلا ، بل يجب أن يقنن الفقه لملائمة التطورات الزمانية وهذا ما حصل في إيران
انخرطت المرأة الإيرانية في الرياضة ولكن بلباس محتشم ماذا حدث ؟ تاهل المنتخب الإيراني للسيدات وللمرة الأولى في تاريخه لأمم أسيا بكرة القدم في 25-9-2021م. هذا التشريع ماذا تسميه ؟ هو تشريع شمولي وضع للمساواة بين الرجل والمراة في الحقوق والواجبات والحريات
نكمل بحثنا في الحلقة (35) ان شاء الله تعالى…. الى اللقاء
تحرير المرأة قضية جدلية (35) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (11)
لن نقف كثيرا عند اتفاقية سيداو فكما عرفنا أن هذه الاتفاقية هي في إطار المقاربة بين المفاهيم الشاملة لتمكين المرأة من حيث المساواة في الفرص و المساواة بالنتائج ، و من أجل القضاء على التمييز فإن المواد من 5 إلى 16 تتعلق بالأدوار الجندرية بحسب النوع الاجتماعي
و أنا أقول و بكل ثقة إن هذه الأبحاث التي نطرحها لن تسمعها عبر المنابر ، و لا يتم دراستها في الحوزات العلمية أو في الدراسات الدينية ، لأن الدراسات الجندرية لم تتبلور بشكلها الحقيقي في المجتمعات الإسلامية ، جل ما نجده هي الحركات النسوية المطالبة بحقوقها ، و التي اعتبرتها بعض المجاميع الفقهيه خلخلة للمجتمعات الإسلامية ، واقعا هذه قراءة فقيه و بعض الاتجاهات المنبرية .
لأن كثير من أنشطتنا الاجتماعية تقوم خارج إطار ما يحدث في العالم و مع الآخرين ، فدراسة كيفية القدرة على التفاعل مع الآخرين و دراسة ما يحدث و يتفاعل ، من شأنها أن تكون أحد الاهتمامات الجوهرية لأي فرد منا بالحياة الإنسانية .
و قد يغدوا غريبا أنه منذ حوالي 6 إلى 7 قرون مضت لم تهتم مجتمعاتنا العربية و الإسلامية اجتماعيا للوجود الإنساني ، و حسب دراستي لعلم النفس و علم الاجتماع تبين أن كل الحديث الذي سمعناه ، كان نسبيا و مألوفا و بعيدا كل البعد عن دراسة السلوك الإنساني ، و التفسيرات الفردية لهذا السلوك ، و بدل ذلك توجهت الأنظار إلى صفات الفرد الذي أخذ اتجاهين في هذه التفسيرات
فتارة ركزت الدراسات على صفات الفرد النفسية التي تمتنع أو ترفض الانقياد لقواعد عريضة في المجتمع ، و تارة تفترض التفسيرات الطبيعية المتأصلة داخل الفرد كالصفات الحيوانية ، فأصبح هذا الفرد مبرمج بيولوجيا من قبل الطبيعة.
و هذا نقيض نظريات علم الاجتماع التي تبحث عن مكامن الخطأ في الفرد اجتماعيا مثلا أنت اسأل أي فرد تخرج من الجامعة ما هي طموحاتك المستقبلية ؟ الجواب أن أعمل و أتزوج و أسكن في منزل و يكون عندي أبناء هذه الأسرة النووية الأب يعمل و الأم تطبخ و تغسل البيت و الأبناء يكملون دراستهم ثم يتخرجون من الجامعة و يتركون العش الأبوي و يشقون طريقهم في الحياة.
و في طرف آخر من المجتمع هناك من الذكور من لا يريد أن يتزوج و لا يريد تكوين أسرة ، و كذا الحال عند بعض النساء لا يريدن أن يقضين حياتهم على شكل زوجات و أمهات ، و هذا نابع من ماذا ؟ من البرمجة الوراثية ، ماذا يعني ذلك ؟ ركزوا معي رجاء
أنت انظر عندما يحضر الطلبة طابور الصباح المدرسي ما هو نمط سلوكهم بعد الطابور ؟ الكل يسير بامتداد الطرقات إلى أعلى و أسفل السلالم و داخل و خارج الفصول الدراسية و لكنهم لن يحاولو حفر الأرضيات أو كسر النوافذ لماذا ؟ لأن سلوكهم مقيد بالبناء المدرسي.
أنت انظر أيضا إلى الطلبة الذين يسافرون للدراسة إلى بلد أوروبي لنقل بريطانيا كم عدد المواطنين البريطانيين يتواصل معهم يوميا في محلات التسوق أو موقف الباصات أو في المطاعم ؟
الجواب : لا أحد ، والسبب، لأنهم في مواجهات مستمرة مع الناس لا يلتفت أحد منهم إليهم حتى لو سأموا منهم ، فإنهم قلما يفكروا من هم هؤلاء و لكن إذا تصرفوا بخلاف عاداتهم فإنهم سيتساءلون من هؤلاء ؟
القواعد الاجتماعية تغيرت إلى تفسيرات للسلوك البشري ، على أنه سلوك مكتسب بعبارة أخرى سلوك ملقن ، و هذا السلوك هو الذي يحدد التنشئة الاجتماعية و هي الطريقة التي يتعلم البشر أنواع السلوك المتوقع منهم في المواقف الاجتماعية التي يجدون أنفسهم فيها
و هذا السلوك نجده في ضابط الشرطة أو الطبيب عندما لا يكون في الزي الرسمي فإن القواعد الوظيفية التي يمارسها في الواجب الوظيفي لا يمكن تطبيقها و هو في زي غير رسمي ، على الرغم من وجود قواعد أخرى يمكن التعامل معها كآباء و أزواج ، بالنتيجة النظرية الاجتماعية لها قواعدها الثقافية لكل وضع اجتماعي ، تختلف في التطبيق حسب الوضع الذي يتواجد فيه الإنسان.
فإذن هناك أدوار تسمى القواعد التي تشكل السلوك و هناك معايير تحتل السلوك ضمن ثقافة معينة ، و هناك ترجمة لهذا السلوك لجلب استحسان الآخرين و يسمى بالقيم ، من هنا نستنتج أن أي سلوك بشري يقوم على ثلاثية اتفاق بناء اجتماعي (الأدوار ، المعايير ، القيم).
و هذه القيم و المعايير تتنافس مع بعضها البعض قد يعتقد البعض أن المرأة من الخطأ أن تذهب إلى العمل و تختلط بالرجال ، و البعض الآخر يعتقد أن تقييد حرية المرأة داخل البيت انتهاك لحقوقها الاجتماعية و الثقافية و العلمية و الاقتصادية ، لذلك فإن الاختلاف في الحقوق يكون ذا أهمية للمجتمع تماما مثل الاتفاق على القواعد و القيم ،فإن نظرية الصراع الاجتماعي ، و نظرية التوافق الاجتماعي كلها لها أدوار معينة.
فأصحاب نظرية التوافق يقولون إن السلوك الإنساني مرتبط مع القواعد الثقافية و تكون النتيجة هو وجود توافق حول كيفية التصرف و السلوك الذي يوضع في شكل أنماط سلوكية ، و أصحاب نظرية الصراع الاجتماعي يقولون إن المحددات الفعلية للسلوك هي المنح و المزايا التي تمتلكها الجماعات بشكل غير متساوي
و بشكل واضح هناك صراع على الحقوق بين الرجال و النساء ، و لا يتنافس النساء على حقوق الرجال في المجتمعات العربية و الإسلامية ، و قد أثبتت الدراسات أن أكثر التخصصات التي تميل إليها المرأة هي تخصصات الفنون الجميلة و لا يفضلن تخصصات علمية الإتصالات و الهندسة ،
و السبب حسب نظرية الصراع الاجتماعي أن النساء قد يجبرن على قبول دور الخاضع لسيطرة الرجل ، و هذا انعكس على دخل المرأة في مجال العمل و استقلاليتها الاقتصادية و المالية ، مثلا تخصص الاتصالات فإن العائد المالي للمرأة هو 21 الف دولار سنويا أما الذكور بنفس التخصص فالعائد هو 29 ألف دولار سنويا
و في الهندسة التكنلوجية فإن العائد المالي للنساء هو 28 ألف دولار سنويا و للذكور 38 ألف دولار سنويا هذه الأرقام مستندة على دراسة قام بها معهد الدراسات الضريبية في بريطانيا و لو جئنا إلى الوطن العربي فإن العوائد المالية ستكون أقل.
لذا فإن نظرية التوافق الاجتماعي و نظرية الصراع الاجتماعي تركز على أنواع مختلفة من المؤثرات على الفكر و السلوك ، فإذا فهمنا هذه النظريات الاجتماعية و قواعدها و أنواعها سيكون سهلا علينا مناقشة النظريات الاجتماعية كالجندر و الليبرالية القديمة و الجديدة من أجل القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة.
. نكمل بحثنا في الحلقة (36) ان شاء الله تعالى… الى اللقاء