Image Not Found

تحديات تنمية التفكير الناقد

Views: 11

أ. د. حيدر أحمد اللواتي – الرؤية
كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

تعد مهارة “التفكير الناقد” من أهم المهارات التي ينادي بها أغلب المهتمين بالتعليم، ولأهميتها فلقد قامت بعض دول الجوار بإضافتها إلى المقررات الدراسية في مراحل دراسية مُعينة.

لكن هناك تحد كبير يواجه من يرغب في تنمية الفكر الناقد لدى الطلبة؛ إذ إنَّ أحد الأمور الملازمة لعملية تنمية التفكير الناقد هو تدريب الطالب على ممارستها فالتفكير الناقد ليس منهجاً علمياً نقوم بطرحه وعلى الطالب أن يفهمه ويحفظ خطواته؛ بل هو ممارسة عملية وفق أسس عقلية يقوم بها الطالب بصورة تلقائية بعد أن يتمرس عليها من خلال الممارسة المستمرة لها. ولكي يقوم بذلك فلا بُد من تدريبه، ولذا فمن المهم أن تكون الأفكار التي تتم مناقشتها خلال تدريب الطالب محط اهتمامه، لكي تجعله يعمل فكره في مناقشتها، فلو تم طرح موضوع ما حول مستقبل الطاقة على سبيل المثال فلاشك أن هذا الموضوع له أهمية بالغة ولكنه ربما لا يثير ذهن الطالب ولا يجعله يعمل عقله فيه، وبالتالي سيناقشه مناقشة سطحية ودون أن يبذل جهدا كبيرا في إعمال عقله، ولهذا فتنمية التفكير الناقد عادة تتطلب مناقشة بعض الأفكار التي تعد مثار اهتمام الطالب بل وأحيانا قناعات تربى عليها. وقد يكون التساؤل حولها يشكل خطوطا حمر في عرفه أو في عرف الأسر والمجتمعات فهي مخالفة ربما للعادات والتقاليد التي تربى عليها.

من هنا ربما من المهم أن تكون هناك خطوطٌ عريضة لما يسمح بتناوله من مواضيع في المقررات الدراسية، وهذا ما تقوم به جميع الدول دون استثناء فعادة تقوم الدول بوضع ضوابط لحرية الأفكار التي يسمح بتداولها، ولكن علينا أن ندرك أن نجاحنا في تنمية مهارة التفكير الناقد يعتمد على مدى الحرية المتاحة لأنَّ هناك علاقة عكسية بين تنمية الفكر الناقد وبين مساحة الحرية الفكرية المتاحة.

فلو مثلنا الأفكار بمنحنى فإنَّ مدى المنحنى سيكون ضيقًا وحادًا كلما كان مدى الحرية الفكرية ضيقًا، وستكون الأفكار الناتجة عادة متشابهة وعادية لا إبداع فيها ولكنها بالمقابل ربما لا انحراف فيها.

أما إذا كان مدى الحرية الفكرية واسعا، فإن مدى المنحنى سيكون عريضًا والأفكار كثيرة ومتشعبة وتختلف عن بعضها اختلافًا حادًا فمنها ما يكون فكراً إبداعياً وفي قمة الإبداع الفكري وبالمقابل سيكون هناك فكر يعد في تقييمنا فكرا غاية في الشذوذ.

كما إن واحدة من النقاط المُهمة والتي يجدر الانتباه إليها أنه من غير الضروري أن يصل جميع الطلبة إلى قناعات مشتركة، بل ربما يعد ذلك مخالفاً في الأصل لعملية التفكير الناقد، ومن هنا فإنَّ المطالبة بتدريب الطالب على الفكر الناقد لها ثمنها والتي علينا أن نكون مهيئين لها سلفا ومستعدين لتقبل نتائجها.

إنَّ تنمية التفكير الناقد تتطلب أن نفتح مجالاً معقولاً من الحرية الفكرية لطرح الأفكار ومناقشتها وربما ستؤدي إلى انتشار بعض الأفكار التي نعتبرها خاطئة ومن جهة أخرى ستطرح لنا أفكارا إبداعية رائعة لأننا فتحنا باباً للعقل أن يعمل ويحلل بشكل أقرب إلى المنطق والصحة، ومن هنا فان منحنى الأفكار سيكون واسعًا ومداه متشعبا فكأنه للإبداع ثمن وهو وجود أفكار معينة نؤمن بخطاها تقابل تلك الأفكار الإبداعية، ولا توجد آلية رياضية حادة تفصل وتوضح لنا طريقا يسمح للأفكار الإبداعية فقط بالانتشار ونمنع الأفكار التي نعتقد بخطاها.

لكننا يجب ألا نقع في خطأ منهجي وهو إيجاد تلازم وهمي بين طرح الأفكار الخاطئة في مجتمع ما وبين ضرورة تبني تلك الأفكار من قبل فئات كبيرة في المجتمع بحيث تصبح ظاهرة في المجتمع وتؤثر عليه سلبًا.

إن فرض وجود تلازم بين طرح أفكار خاطئة وبين تبنيها من قبل فئات كبيرة في المجتمع بحيث تخل بالتوازن وبالقيم التي نؤمن بها، هي التي تجعل البعض يتخوف من السماح بمدى واسع للحريات الفكرية، لكننا نظن أن هذا التلازم لا دليل على صحته، ولا سبيل إلى فرض وجوده، إلا من خلال دراسة تجارب المجتمعات البشرية بعناية ودقة فائقة، ومن ثم مقارنة الفوائد بالسلبيات والوصول إلى قناعات فكرية رصينة قائمة على هذه الدراسات العملية.