وجه جلالة السلطان- أعزه الله- في اجتماعه الأخير مع مجلس الوزراء لمجموعة من القضايا تتمحور حول الشباب والعمل، وكان ضمن ما وجه به جلالته: «ضرورة الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحليل الاحتياجات والمتطلبات الضرورية لتطبيق التعليم التقني والمهني في التعليم ما بعد الأساسي بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته المستقبلية والمهارات الأساسية للوظائف والمهن المختلفة، وأهمية تبني منهجية ووضع خطة متكاملة لآلية تطبيق ذلك وتحديد الخبرات والموارد البشرية اللازمة في هذا الشأن».
إن وزارة التربية والتعليم عملت في بداية الألفية على إعداد وثيقة متكاملة للمسارات المتعددة للتعليم الثانوي، وذلك خلال فترة العمل لتطوير التعليم ما بعد الأساسي للصفين الحادي والثاني عشر، ودراسة الأفضل لتطوير هذه المرحلة الدراسية بعد الاطلاع على العديد من تجارب الدول. لكن خفتت الجهود وتوقفت في هذا المجال بعد أحداث عام ٢٠١١، والتغيرات التي طالت الوزارة.
واقعا لا ندري سبب توقف الوزارة في المجال رغم أهميته الكبيرة، ورغم إنشاء المركز الوطني للتوجيه المهني، والذي كان من أهداف إقامته الدفع في هذا الاتجاه للطلبة الذين يرغبون في العمل المهني والتقني بعد إنهاء التعليم ما بعد الأساسي، أو إكمال الدراسة في الكليات المهنية أو جامعة التقنية والعلوم التطبيقية.
إن البلد بحاجة إلى مخرجات ما بعد الأساسي ذات مسارات مهنية وتقنية واضحة ومحددة تلائم كافة الرغبات والقدرات، مما يسهل من عمل المؤسسات التعليمية العليا بعد ذلك، ويكسب طلابها المزيد من التعلم والتأهيل لتجويد مساراتهم.
إن التعليم ما بعد الأساسي متعدد المسارات هو ما تعمل به أكثر الدول الآسيوية أو الغربية التي تفوقت في نظامها التعليمي، وحققت تكيف وتكامل المخرجات بين أنظمتها التعليمية وسوق العمل، بل عملت على توسعة سوق العمل بشكل مدروس ومنظم. وساعدت على توفير نفقات التدريب على رأس العمل، أو النفقات التي تدفعها الدولة لمعاهد التدريب، وتغلبت على العديد من مشاكل التجسير واستكمال الكفايات الناقصة.
إن توجيه جلالته -حفظه الله- سيشكل دافعا كبيرا للوزارة للعودة للعمل على هذا الجانب، وإعطائه الأهمية القصوى. إن مواءمة وتكامل الأنظمة التعليمية في بلد ما مع سياسات وأنظمة سوق العمل يصب في صالح زيادة واستقرار العمالة الوطنية، وفي صالح الأهداف الكبرى للاقتصاد الوطني لتنويع العمل ما بين المهني والفني والتقني والأكاديمي، وامتصاص واستيعاب كافة الكفايات والقدرات الوطنية في سوق عمل متنوع ينمو باستمرار، وكذلك سيعمل على زيادة الاستثمار في قطاعات التجارة والحرف والصناعات والتقنيات.