جذبني بقوة كتاب “اللياقة البدنية بعد سن الأربعين.. جسمك القوي في سن 40 و50 و60 وما بعده”، فهو من الكُتب النادرة المتخصصة في اللياقة البدنية بعد سن الأربعين، وما شدني إليه أكثر أنَّه من تأليف الدكتورة ڨوندا رايت، وهي طبيبة إخصائية في الطب الرياضي لمختلف الفئات العمرية، ولها خبرة واسعة في هذا المجال تزيد عن العشرين سنة، إضافة إلى كونها أم لستة أطفال وتجاوز عمرها الخمسين، وهي مع كل ذلك تتمتع بلياقة بدنية عالية، ولذا فهي تجمع بين الخبرة الشخصية وبين المعرفة العلمية.
في الفصل الأول من الكتاب، توضح الكاتبة بعض الأبحاث العلمية التي تتناول أثر تقدم العمر على اللياقة البدنية؛ حيث تُشير إلى أنَّ اللياقة البدنية للرياضيين تقل بشكل بطيء جدًا إلى سن 75، فمن سن الخمسين إلى الخامسة والسبعين تقل بأقل من 2% سنويًا، أما بعد سن الخامسة والسبعين فإن اللياقة البدنية تقل بنسبة أكبر تصل إلى ما دون 8% سنويًا، لكن الكاتبة نبهت إلى أنَّ ذلك يعتمد أيضًا على نوع الرياضة التي يمارسها الإنسان، والدراسات السابقة قائمة على من يمارسون رياضة الجري.
أما بخصوص من يمارسون رياضة حمل الأثقال، فإنَّ قدراتهم الرياضية تقل بنسبة لا تزيد عن 1.5% حتى سن السبعين، كما إن هؤلاء يتمتعون بلياقة عالية نسبياً حتى وهم في منتصف الثمانينات؛ إذ إنها تُعادل لياقة غيرهم وهم في منتصف الستينات من العمر. وفي الفصول الأخرى تنبه الكاتبة إلى أهمية اللياقة البدنية على الصحة الجسدية والعقلية وعلى الشعور بالسعادة والثقة بالنفس، وتؤكد أن الحياة الخاملة هي التي تُؤثر بشكل كبير على لياقتنا البدنية.
وتطرح الكاتبة نظامًا رياضيًا للحفاظ على اللياقة البدنية، وهذا النظام قائم على مُمارسة 4 أنواع من التمارين الرياضية للحفاظ على اللياقة البدنية، والوقاية من الإصابات والتي تُعد السبب الرئيسي الذي يمنع الكثيرين من ممارسة التمارين والركون إلى حياة خاملة نسبياً.
أول هذه التمارين ما أسمته بتمارين المرونة؛ وهي تمارين مرتبطة بشد العضلات والتسخين؛ لأنَّ العضلات والأوتار المتصلة بها تصبح أكثر تيبسًا وتصلبًا مع تقدم العمر، لذا فالكاتبة تنصح بمُمارسة هذا النوع من التمارين يوميًا.
ثم تأتي التمارين الرياضية المعتادة كالجري أو المشي السريع الذي يقترب من الهرولة أو السباحة؛ وذلك لتقوية عضلات القلب والأوعية الدموية، وتقدر المدة الزمنية لمدة تصل إلى 30 دقيقة يوميًا. وتُشير الكاتبة إلى أهمية ممارسة رياضة حمل الأوزان، وذلك لتقوية العضلات الرئيسية؛ لأنَّ العضلات تضمُر بشكل ملحوظ بعد سن الخمسين، ولذا فمن الأهمية التركيز على هذا النوع من التمارين. وتنوه الكاتبة إلى أنها لا تعني بهذا النوع من التمارين حمل أثقال بالأسلوب الذي يمارسه المحترفون، وإنما المقصود استخدام العضلات الرئيسية باستمرار والاكتفاء بحمل بعض الأثقال الخفيفة مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع.
وأخيرًا تُشير الكاتبة إلى أهمية مُمارسة تمارين مرتبطة بالتنسيق بين العضلات المختلفة، كالوقوف على قدم واحدة لعدد من الثواني، وهذه التمارين لها أهمية فائقة، وذلك؛ لأن القدرة على التنسيق بين العضلات تقل مع تقدم العمر، وقد أشارت الدراسات إلى أن خطر السقوط عند كبار السن يقل بنسبة تصل إلى 45% لدى الذين يمارسون هذا النوع من الرياضات.
الكتاب ممتع ومفيد للغاية، ولا بُد من التنبيه إلى أننا- في هذا المقام- نُشير إلى جزء بسيط منه؛ إذ لا يمكن اختصاره في مقال واحد؛ فالكاتبة تطرح فيه برنامجًا متكاملًا لكل من يرغب في الحفاظ على لياقته البدنية وكيف يبدأ بذلك، كما إنها تناقش مواضيع مرتبطة بالغذاء الصحي والمكملات الغذائية، لكن من الضروري أن تستشير طبيبك قبل أن يأخذك الحماس، وخاصة إذا لم تكن من ممارسي الرياضة.
أختمُ مقالتي بقصة ذكرتها الكاتبة في بداية الكتاب ضمن عدد من القصص عن رجل يُدعى “كليف” ويبلغ من العمر 78 عامًا، يذكر قصته فيقول: “في سن 61 قررتُ أن أبدأ بممارسة الرياضة (ربما بعد أن تقاعد من وظيفته) وواظبتُ على ذلك، وعند بلوغي 68 سنة كنت أكبر مُشارك في مسابقة الرجل الحديدي”. وهذه المسابقة تتكون من ثلاث مراحل متتالية الأولى قطع مسافة 2.4 ميلًا سباحة، ثم يقطع المُتسابق 112 ميلًا باستخدام الدراجة الهوائية، وأخيرًا الجري لمدة 26.2 ميلًا.
في طيات الكتاب عبارات مؤثرة من أجملها: “النجاح هو مجموع جهود صغيرة تتكرر يومًا بعد يوم”، و”كثير من الأصحاء يقضون أوقاتهم في كسب ثروتهم ثم يضطرون إلى إنفاق ما اكتسبوه لاستعادتها”.
**العنوان تُرجم إلى اللغة العربية من اللغة الإنجليزية: “Fitness After 40, Your Strong Body at 40, 50, 60, and Beyond”.