يبدو أن أكثر الدول امتعاضا اليوم من توقيع الاتفاقية الإستراتيجية بين الصين وإيران مؤخراً أمريكا ودول الغرب، لأنها ستؤدي إلى حصول تعاون اقتصادي وسياسي وثقافي واستخباراتي كبير بين البلدين، في الوقت الذي تعطي فيه الاتفاقية فرصة كبيرة لإيران ببيع نفطها وغازها إلى دولة صناعية كبيرة في أمسِّ الحاجة إلى هذا المصدر الطبيعي خلال السنوات الـ 25 المقبلة، وبأسعار مخفضة خلال المدة التي تنص عليها الاتفاقية. وبذلك تقلل من أثر العقوبات القصوى التي نفذتها الإدارة الأمريكية السابقة، وتعجّل من تعزيز العمل الدبلوماسي بين طهران وواشنطن فيما يتعلق بالاتفاقية النووية مستقبلاً.
الاتفاقية الأخيرة بين البلدين لم يعلن عن تفاصيلها النهائية حتى الآن، حيث هناك بنود سرية وفق ما أعلن عنها بعض المسؤولين الإيرانيين، إلا أن هذه الاتفاقية تهدف إلى تدفق المزيد من الاستثمارات الصينية المقبلة في قطاعي الطاقة والبنية التحتية الإيرانية. فهذه الوثيقة عبارة عن خارطة طريق كاملة تهدف إلى تعزيز العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية سواء بين المؤسسات الحكومية أو مع مؤسسات القطاع الخاص، والعمل في المشاريع التي تعزِّز المبادرة الصينية في إطار مشروع الحزام + الطريق لإحياء الطريق القديم للتجارة الدولية، وتحقيق الخطة الصينية الضخمة التي رسمتها للتواجد في جميع القارات السبع في العالم، لا سيما في قطاعات النقل والموانئ والطاقة والصناعة والمصارف والخدمات وغيرها من القطاعات المهمة الأخرى. ولقد نوقشت هذه القضايا قبل عدة سنوات في إطار زيارة الرئيس الإيراني روحاني إلى بكين عام 2016، والتي استهدفت تعزيز التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 600 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
الاتفاقية تشمل أيضا تطوير التعاون في المجالات الاستخباراتية والعسكرية منها إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة كيش الواقعة في الطريق البحري الخليجي وفق بيانات مجلة «بتروليوم إيكونيميست» التي نشرتها عام 2019، بالإضافة إلى اعتزام الصين استثمار 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز الإيراني و120 مليار دولار في قطاع النقل والمواصلات، على أن تعطي الأولوية للشركات الصينية في تنفيذ تلك المشاريع الضخمة. كما تتضمن الاتفاقية بنوداً تتعلق بقيام الصين بتشييد البنية التحتية لشبكة اتصالات بتقنية الجيل الخامس، الأمر الذي سيعمل على دخول إيران في مجالات علمية وتقنيات حديثة.
ويبدو أن الاتفاقية الصينية الإيرانية سوف تعزز من نفوذ بكين في المنطقة الخليجية، وتمدِّد أذرعها بمنطقة الشرق الأوسط، بجانب تقويض الجهود الأمريكية لإبقاء إيران في عزلة المقاطعة الاقتصادية، وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن يعبِّر عن قلقه حيال هذه الاتفاقية الإستراتيجية التي كان يتابعها منذ سنوات مضت على حد قوله.
وأخيراً فإن هذه الاتفاقية تأتي نتيجة لحملة العقوبات القصوى المتكررة من جانب الإدارة الأمريكية السابقة التي أدت إلى ضعف المشاريع النفطية بإيران، وتراجع صادراتها النفطية، بجانب ضعف عملتها المحلية. فالاتفاقية بالدرجة الأولى تعتبر بادرة صداقة بين بلدين حضاريين يتمتعان بالعديد من المقومات الاقتصادية والحضارية الكبيرة، وهي شبيهة بالاتفاقيات التي وقعتها الصين مع عدة دول في العالم. كما أن هذه الاتفاقية الإستراتيجية ستكون ذات طابع محافظ من الناحية الإستراتيجية، وتهدف إلى الحفاظ على موقف متوازن بين مختلف التكتلات والأطراف الإقليمية في المنطقة.