Image Not Found

لماذا نرغب في تناول الأطعمة الدسمة؟

أ.د. حيدر أحمد اللواتي – الرؤية
كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

الكثير منِّا، ومنهم كاتب المقال يجدون صعوبة بالغة في الصمود أمام الطعام الدسم والذي يحمل سعرات حرارية كبيرة، فصور الحلويات والأكلات الدسمة الأخرى والمنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي المُختلفة تسيل اللعاب وتمني النفس بوجبات شهية، تجعل الكثير منِّا يقضي وقتاً لا بأس به ليختار ألذَّ الأكلات والأطعمة المُتوفرة، بل أصبح لدينا خبراء في تذوق الطعام وتقييم الوجبات الغذائية المختلفة.

تُرى لماذا نشتهي الطعام الدَّسم والذي يحتوي على سعرات حرارية عالية على الرغم من علمنا بأنَّ هذا النوع من الأطعمة يضر بصحتنا؟ وبالمُقابل فإنَّ أغلبنا يجد صعوبة بالغة في تناول الغذاء الصحي والذي عادة يكون ذا سعرات حرارية منخفضة؟ بل يكاد الجميع يتفق أن الإنسان عندما يشعر بجوع شديد ويمر بجانب فاكهة من الفواكه ويشم رائحتها ويمر بقرب مخبز تفوح منه رائحة الخبز فإنَّ شهيته تتجه لالتهام الخبز دون الفاكهة.

إحدى المحاولات الجميلة لتفسير هذه الظاهرة تربط هذا السلوك بتاريخنا البشري، فلقد كان أجدادنا الأوائل ومنذ آلاف السنين يواجهون تحديات كبيرة جدا للحصول على الطاقة اللازمة للعيش فلقد كانوا يبذلون طاقة كبيرة يومياً لأداء الأنشطة المختلفة بل إنَّ الطاقة التي يبذلونها في الحصول على الطعام والإعداد له كانت تعادل أو تقل قليلاً عن الطاقة الناتجة من تناول للطعام، فبعد أن يصطادوا الفريسة عليهم أن يحملوها إلى مقر سكنهم حيث يقومون بسلخها ومن ثم يقومون بجمع الحطب وإعداد النار وطبخها وأخيراً يتم تناولها.

ومن هنا فإنَّ الدماغ البشري ومن خلال تراكم خبراته من أكل الأطعمة الغذائية المُختلفة كان يحسب ويقدر الطاقة الناتجة من الطعام الذي سيحصل عليه مُقابل الطاقة التي سيستهلكها للحصول على هذا الطعام، فإذا كان الفارق إيجابياً بمعنى أن الطاقة التي سيحصل عليها تفوق تلك التي سيبذلها فإنَّ الدماغ يُرسل إشارات تحفيزية للإنسان ويُشجعه للحصول على هذا الغذاء وذلك من خلال إفراز مادة كيميائية معينة تعرف بهرمون الدوبامين، وبالمقابل فإنَّ الدماغ يثبط الإنسان ولا يدفعه للحصول على الطعام إذا كانت النتيجة معاكسة وهكذا أصبح الغذاء الذي ينتج طاقة عالية يحفز الدماغ على إفراز الدوبامين بينما لا يحدث الأثر نفسه عندما تكون الطاقة الناتجة من الطعام منخفضة وهذا هو السبب الذي يجعل الكثيرين منِّا يشتهون الطعام الدسم الذي يحتوي على كميات كبيرة من الدهون والكربوهيدرات والسكريات، بل يصل الأمر عند الكثيرين بأنهم يشعرون بشعور غريب فهم من جهة يرون أنَّ معدتهم مليئة نتيجة لإقدامهم على أكل كميات كبيرة من المأكولات الصحية ولكنهم يشعرون في الوقت ذاته بشهية كبيرة لتناول بعض المأكولات الدسمة.

إنَّ السبب في ذلك أن الأكل الصحي والذي يحتوي على سعرات حرارية منخفضة لا يفرز الدوبامين لدى الإنسان ولهذا فدماغ الإنسان يبحث عن الغذاء الذي يؤدي إلى إفراز هذا الهرمون، ومن هنا فإنَّ الدماغ البشري يحث الإنسان ويدفعه إلى تناول طعام يحتوي على سكريات أو دهون أو كربوهيدرات، وكثيراً ما ينتابنا شعور بالرضا بعد تناول وجبة دسمة على الرغم من شعورنا أحيانًا بعد مدة وجيزة بالنَّدم بل إن التفكير عندما يكون الإنسان جائعًا في وجبة دسمة أمر كاف لشعوره بالرضا.

إنَّ الرائحة المرتبطة بالسكريات والكربوهيدرات (كرائحة الخبز الساخن) والبروتينات (كرائحة اللحوم المشوية على الفحم) تحفز الإنسان على الإقدام على أكلها بينما لا نجد هذا التحفيز موجودا عندما نشتم رائحة الخضار مثلاً لأنَّ الخضار لا يحتوي على طاقة عالية لذلك لا يفرز الدماغ الدوبامين ليحفزك على تناوله وتدرك الشركات المنتجة للأطعمة ذلك بصورة جلية وواضحة ولهذا فكلما زاد تعلقك وإقبالك على وجبة مُعينة في مطعم ما تحقق من كمية الدهون والسكر فيها فهناك علاقة طردية بين تراكيز هاتين المادتين وإقبال الإنسان على تلك الوجبة.
إذا كنت من عشاق الطعام الدسم فما عليك إلا أن تخصص وقتاً كافياً من يومك لحرق السعرات الحرارية التي حصلت عليها وأبذل جهدك في التقليل منها…
أتمنى لك كل النجاح في مُهمتك الشاقة…

المصادر الرئيسية:
1- The Hungry Brain, Outsmarting the Instincts That Make Us Overeat – Stephan Guyenet
2- Habits of a Happy Brain, Retrain Your Brain to Boost Your Serotonin, Dopamine, Oxytocin, & Endorphin Levels – Loretta Graziano Breuning