د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
هل سيؤدي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بفرض رسوم إضافية بنسبة 10% على بضائع صينية بقيمة 300 مليار دولار اعتبارا من شهر سبتمبر المقبل إلى تحقيق إي أمر إيجابي للاقتصاد الأمريكي والعالم خلال الفترة المقبلة أم أن مثل هذه القرارات تؤدي إلى إيجاد بلبلة في النمو الاقتصادي العالمي وتراجعه بعد أن كان يأخذ منحى تصاعديا خلال السنوات الماضية؟ الرئيس ترامب يَتخذُ القرارات ثم يُنددُ بما تقوم به الدول الأخرى من خطوات لحماية اقتصاداتها. والعالم يرى أن النتائج السلبية لمثل هذه القرارات تتحملها اقتصادات الدول الأخرى وأسواق المال العالمية، وأسعار النفط اليومية والتجار والمستثمرين في العديد من دول العالم، ناهيك عن ضياع فرص العمل وإقفال بعض المؤسسات التجارية من جراء هذه الحرب القائمة بين أكبر اقتصادين في العالم.
هذه الحرب التجارية المشتعلة هي التي أدت إلى بدء الصين حرب العملات مؤخرا لتعلن عن خفض عملتها الوطنية إلى أقل مستوى لها منذ 11 عاما، الأمر الذي سيزيد من المخاوف والحروب التجارية، وفي تذبذب أسعار عملات الدول الأخرى. فقد تخطت العملة الصينية بشكل مفاجئ حاجز الـ 7 يوان للدولار في بداية العمل بخفضها، وهو مستوى يعتبره بعض المتعاملين في السوق مستوى الحاجز النفسي، مما دفع إلى حصول تذبذبات في أسعار العملات العالمية. وهناك من يرى أيضا بأن التلاعب بالعملة سواء من قبل الصين أو غيرها من الدول الأخرى هو انتهاك لقواعد التجارة العالمية عبر منح امتيازات تنافسية غير عادلة للدول المصدرة للمنتجات والسلع، ويؤدي إلى التضخم وتراجع تدفقات رؤوس الأموال، وله تبعات خطيرة على السوق العالمية، كما يؤدي إلى ضياع ملايين الوظائف في بعض الدول المستوردة لتلك السلع. وبالنسبة للصين فمن المتوقع أن يشهد عملتها مزيدا من التراجع مع نهاية العام الحالي.
لقد تبادلت الدولتان فرض الرسوم الجمركية خلال الفترة الماضية، إلا أنهما اتفقتا عند انعقاد اجتماعات الدول العشرين بأوساكا اليابان في مطلع يوليو على التهدئة واستئناف المفاوضات التجارية، ولكن يبدو أن هذا المحادثات أصبحت في مهب الريح بعد أن غاب الحل الجذري عن معالجة هذه القضية، لتقوم الصين باتخاذ قرار خطير في هذه الظروف العصيبة بشأن عملتها الوطنية إذ سمحت بكين لـ «اليوان» -العملة الوطنية لها- بتخطي مستوى رئيسي عند 7 يوان مقابل الدولار لأول مرة في أكثر من عشر سنوات، فيما وصف ترامب ذلك بأنه «انتهاك كبير» مشيرا إلى أنه يسمى «تلاعبا بالعملة»، ومحذرا البنك الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) من هذا القرار الصيني.
لقد سبق للصين أن انتقدت منذ مدة مضت إعلان واشنطن عزمها على فرض رسوم جمركية جديدة على الصادرات الصينية اعتبارا من الشهر المقبل، قائلة أنها سترد بتدابير مضادة إذا تم فرض هذه الرسوم فعلا، ووصفت ذلك بأنها خطوة غير بناءة، مؤكدة أنها لا تريد حربا تجارية، لكنها لا تخشى خوضها، في إشارة لها إلى أن بكين مستعدة لتصعيد الحرب التجارية التي ألقت بظلالها على نمو الاقتصاد العالمي. أما أمريكا فقد أعاد الرئيس ترامب إلى الأذهان، بأن الصين لم تنفذ وعودها بالبدء بشراء المنتجات الزراعية من أمريكا ولم تتوقف ببيع بعض الأدوية مثل الفينتانيل المخدرة التي تتسبب الجرعات الزائدة منها، بوفاة الآلاف من سكان أمريكا سنويا، مرجحا بأن الصينيين يريدون كسب الوقت إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة لأمريكا العام المقبل 2020، بحيث يأتي الرئيس الجديد من الحزب الديمقراطي لإبرام صفقة تجارية جديدة مع الصين. ويرى الخبراء أنه إذا لم تتوقف هذه الحرب وتتخلى الدولتان عن أوهامهما وتحمل مسؤولياتهما تجاه العالم فإن الحرب التجارية وحرب العملات سوف تستمر بينهما خلال الفترة المقبلة وستترك صورة سوداء قاتمة على الاقتصاد العالمي. وإزاء هذه الحرب الاقتصادية فإن ملايين الأشخاص معرضون الآن بفقدان وظائفهم من جراء ذلك.
بكين في الماضي كانت تحرص على الحيلولة دون انخفاض قيمة عملتها عن المستوى الرمزي، إلا أن تغيير سياستها اليوم وتصعيد الحرب التجارية تعزى في رأي الخبراء إلى تهديدات أمريكا برفع التعريفة الجمركية مرة أخرى على الصادرات الصينية. فهذه الصادرات تتعرض منذ سنتين لأكبر انخفاض نتيجة للرسوم الجمركية التي تتبناها أمريكا. ولذلك سيكون له تبعاته على كافة الصادرات الصينية إلى أمريكا. فالصين كما هو معروف عنها لن تسمح بتداول «اليوان» بحريّة، حيث إن الحكومة الصينية تقيّد حركته ضد الدولار الأمريكي في الأسواق، كما أن بنك الصين الشعبي وبخلاف البنوك المركزية الأخرى لا يُعدّ مستقلا نتيجة للإشراف ومتابعة الحكومة له وتدخلاتها عند حدوث تغيرات كبرى في قيمة الفائدة.
ويرى بعض كبار خبراء الاقتصاد الصيني، أن الخفض الأخير لقيمة «اليوان» مرتبط بآخر التهديدات الخاصة بالتعريفات الأمريكية تجاه الصادرات الصينية، إذ إن ذلك يُحصّن سعر الصرف بشكل فعال. فخفض قيمة العملة «اليوان» يؤدي إلى زيادة تنافسية الصادرات الصينية، بما يخفض قيمة شرائها بالعملات الأجنبية. أما من حيث المنظور الأمريكي، فإن هذه الخطوة تعني أنها محاولة لتعويض أثر رفع التعريفات على الصادرات الصينية إلى أمريكا، إلا أنها في صالح المستهلكين حول العالم لكي لا يشعروا بغلاء المنتجات الصينية ومن ضمنهم الأمريكيين الذين بدأوا يتأثرون من الغلاء للمنتج الصيني. ولكن تبقى هناك مخاطر أخرى تحمل في طياتها قرار خفض العملة الوطنية. فخفض قيمة اليوان سيؤدي إلى رفع قيمة الواردات الأجنبية إلى الصين أيضا، مما يهدد بزيادة معدلات التضخم في هذا البلد، ومواجهة اقتصادها مشاكل أخرى خاصة في هذا الوقت الذي يعاني منه الاقتصاد بسبب البطء في النمو الاقتصادي، الأمر الذي سيدفع بالمستثمرين في العملة إلى البحث عن وجهات أخرى للاستثمار.
لقد سبق للبنك المركزي الصيني في عام 2015 أن أعلن عن خفض قيمة عملته إلى أدنى مستوياتها في ثلاث سنوات مقابل الدولار الأمريكي. وعزا البنك تلك الخطوة إلى سياسة الحكومة الصينية في إجراء إصلاحات في السوق، فيما كانت المرة الأخيرة التي تداول فيها اليوان عند المستوى الحالي للدولار الأمريكي (7 يوان مقابل الدولار الواحد) إبان الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة. فهذه السياسة التي تتبعها الصين بتعزيز قدرات البضائع والمنتجات الصينية بهذه التنافسية الكبيرة تضرب في صميم قلب الاقتصاد الأمريكي وفي مواجهة الحرب التجارية التي يشنها ترامب ضد بكين. بينما ترى الصين أن خفض قيمة عملتها لا يدخل في إطار الحرب التجارية، وهي لن تستهدف سعر الصرف لأغراض تنافسية.
لقد كان من جراء استمرار هذه الحرب التجارية أن تعرض الاقتصاد الصيني الذي يمثّل ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى مزيد من الضعف، وإلى انخفاض أسواق الأسهم الآسيوية والعالمية التي يصل آثاره الاقتصادية إلى الكثير من المستثمرين في العالم. وعموما فإن نجاح الصين في بيع منتجاتها إلى الدول الأخرى وبكل حرية يؤدي إلى نشوب هذا الصراع التجاري، وغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ مجيئه للبيت الأبيض، وبدئه حربا تجارية مع بكين بهدف الحدّ من صادراتها، الأمر الذي يؤثر الآن على الكثير من الدول الأخرى نتيجة لتراجع أسواق المال وأسعار النفط والمنتجات الأخرى بجانب تراجع التوظيف وتشغيل العاطلين عن العمل في العالم.