في مقال نشر للكاتب البريطاني سموئيل مكلهاجا عن الاقتصاد البريطاني في مجلة بلاديوم في أبريل ٢٠٢٣م يقول: «تحكم المملكةَ المتحدة شراكةٌ بين الأرستقراطيّة والبرجوازيّة، لكن هذه الأرستقراطية ليست أرستقراطيّة، وهذه البرجوازيّة ليست إنتاجيّة، إذ لم تعد الطبقة العُليا الإدارية القديمة تُمارس سلطتها عن طريق الأرض أو المحسوبية، ولا تُنتج الطبقة الوسطى التجاريّة شيئًا يذكر من القيمة الابتكارية، فأضحى أكثر قطاعاتها رقيًا هو خدمة فائض أموال الدول الأخرى من خلال الشركات العائليّة والمصارف التجاريّة في لندن».
ويرى الكاتب الذي عنون مقاله بعنوان صادم وقاس «بريطانيا الميتة» بأنه: «وبالرّغم من أنّ بريطانيا كانت البلد المهيمن في الحقبة الصناعيّة، غير أنّها لم تطوّر قطّ الآليات التي أتاحت للولايات المتحدة وألمانيا تخطيها أواخر القرن التاسع عشر في مجال الكيمياء والنقل وإنتاجيّة العمال والمناهج التنظيميّة».
ويرى أن تأخر بريطانيا طوال المائة عام الأخيرة في قطاع الصناعة جعل اقتصادها من أضعف اقتصادات دول أوروبا الغربية، وأكثرها عرضة للهشاشة والانهيار التدريجي.
ويقول: «وكشعبٍ خارج من السباق، لم تواكب جامعاتنا الحقبة الجديدة، وكانت طبقاتنا الحاكمة، المحصّنة بمزاياها مرتاحة البال وكسولة إلى حدّ عميق، أمّا (الكفاءة) فسادَ شعورٌ بأنّها شكل من أشكال التزمّت».
ويصل إلى نتيجة مفادها: «لم تُنتج بريطانيا نخبةً ترتكزُ في ثروتها وسلطتها على الإنتاج الصناعيّ، على نحو يجعل لها مصلحة كبيرة في تطوير المجتمع الصناعيّ وإصلاحه».
ويذهب الكاتب إلى الأسباب، فيعرج على التعليم البريطاني الجامعي وضعفه عن مواكبة هذه التطلعات الصناعية المهمة. ويذهب إلى ضعف قطاع الخدمة المدنية، حيث لم يعد جاذبا بسبب ضعف رواتبه وإضعاف برستيجه، فلم يعد فعالا كجهاز تكنوقراط. ويرى أن نظام إدارة المعلومات عبر الرقمنة لم يؤدِّ الغرض منه بل ساعد بشكل من الأشكال على الفوضى المعلوماتية وعدم انتظامها.
ويخلص إلى نتيجة مفادها: «إنّ الدولةَ البريطانيّة ليست فعّالة للغاية. لقد ضُعضعت إلى حدّ كبير مقارنةً بنظيراتها من الدول الأوروبيّة…» ويرى أن المملكة المتحدة، بالمستويات الحالية لمؤشراتها الاقتصادية والإنمائية ستكون أفقر من بولندا في غضون عقدٍ من الزمان، وسيكون متوسّط الدخل الفعليّ للأفراد فيها أقلّ من سلوفينيا مع عام 2024. ويختم مقاله بكثير من المرارة قائلا: «وفي نهاية المطاف، ستجد بريطانيا نفسها مجرد جزيرة تابعة أخرى وسط محيط رمادي بارد..».
إن القراءة التحليلية لهذا المقال المطول الذي أوردت نُبَذا منه يؤدي بنا إلى الإقرار بأن الإنتاج الصناعي هو الذي يصنع اقتصادا قويا وكبيرا، وأن الخدمة المدنية والتعليم وبقية العوامل التي ذكرها هي أساس صعود الدول الوطنية وقوتها.