- 30 سنة العمر الحقيقي لعُمان في القرن العشرين.
- التقدم السريع أفرز مشكلات يتعين وضع الحلول لمجابهتها.
- وضع خطة للتحول الاقتصادي الشامل وخلق بيئة جاذبة لنمو القطاع الخاص ضرورة ملحة.
- نحتاج إلى تحول جذري في نظامي التعليم والتدريب لإيجاد الكفاءات المتخصصة.
- الاقتصاد النفطي لا يضمن الاستدامة.. ويتسبب في نشوء قطاع خاص “مشوه”.
- تحديات العالم المتغير من حولنا عميقة التأثير ومعقدة الترابط.
- قضية التعليم لا تتعلق بوزارة واحدة.. إنما قضية وطنية تتشارك فيها مؤسسات الدولة.
حوار المسار | علي العجمي – تصوير | مرح القريني
يؤكد الكاتب الكبير مرتضى بن حسن بن علي ضرورة أن تغادر السلطنة حقبة الاقتصاد النفطي “الآن”، والقيام بإصلاحات اقتصادية جذرية وتحول اقتصادي شامل، يضمن تحقيق تنويع اقتصادي فعال، وبناء قطاع خاص قوي.
وفي حوار خاص مع صحيفة المسار الإلكترونية، يقول مرتضى حسن إن التقدم السريع في مسيرة التنمية أفرز مشكلات يتعين وضع الحلول لمجابهتها، مثل ضرورة التحول الجذري في نظامي التعليم والتدريب لإيجاد الكفاءات المتخصصة، ومواكبة متغيرات التعليم وسوق العمل من حولنا.
ويضيف أن قضية التعليم لا تتعلق بوزارة التربية والتعليم وحسب، بل إنها قضية وطنية تتشارك فيها مؤسسات الدولة جميعها، لأن التعليم هو المستقبل.
وفي السطور التالية ننشر الجزء الأول من نص الحوار؛ على أن يتم نشر الجزء الثاني غدا..
# في البداية نود منك تقديم تصور عام لمسيرة التنمية في السلطنة مع قرب اختتام “رؤية عمان 2020” وبدء العد التنازلي للشروع في تنفيذ الرؤية المستقبلية “عمان 2040؟
منذ بزوغ فجر النهضة المباركة شهدت عُمان تغيرًا جذريًا، انتقلت به من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين في غضون 30 سنة فقط، أي أن العمر الحقيقي للقرن العشرين في السلطنة لم يكن 100 سنة كما هو معروف، بل كان عمر القرن العشرين في عمان 30 سنة فقط، لقد كان قرنا قصيرا لعمان.
لكن التقدم السريع الذي تحقق في فترة قصيرة أفرز أيضًا مشاكله ومنغصاته، وعلينا الوقوف أمام تلك المشاكل لإيجاد حلول لها، قبل أن تتراكم المشاكل وتتعقد. وأصبحتِ لدينا أجيال متنوعة تحمل وجهات نظر مختلفة، وتطلعات لا تشبه بعضها البعض، علاوة على الاحتياجات المختلفة. ولذلك نحن بحاجة إلى وضع حلول مختلفة لمشاكل متعددة، علينا أن لا ننسى أن التغييرات من حولنا في العالم تمضي بصورة سريعة جدا، فالثورة الصناعية الرابعة التي نعيش مقدماتها والتي تمثل امتدادا للثورة الصناعية الثالثة، تفرز هي الأخرى تغيرا اجتماعيا سريعا ومتسارعا، فيما يتعلق بالقيم والمعايير والمؤسسات.
ورغم الإنجازات الضخمة التي تحققت على الأرض العمانية منذ فجر النهضة المباركة، إلا أن بعض الصعوبات التي رافقت تنفيذ الخطط الخمسية المتتالية، كانت محور الدراسات العديدة التي أجريت في عام 1994، والتي استنتجت أن الخطط الخمسية المتتالية لم تصل إلى أهدافها الكاملة المعلنة، وخاصة هدف تنويع مصادر الدخل أو تطوير التعليم أو تنمية القطاع الخاص، ليكون هو المحرك للاقتصاد والموفر لفرص العمل للعمانيين.
وظل النفط المحرك الأساس لمعظم الأنشطة الاقتصادية، وترسخت القناعات أكثر فأكثر بأن الاقتصاد المعتمد على النفط يسبب مشاكل عديدة، وهي نفس القناعة التي توصل إليها المجلس الأعلى للتخطيط.
الآن ونحن نتطلع إلى رؤية عمان 2040، علينا البدء فورا بخطة نوعية تُركز بشكل أساسي على تهيئة البلد لتنفيذ هذه الرؤية، إذ يتعين علينا البدء الآن بإعداد خطة طموحة للتحول الحكومي الشامل، كي تتمكن الحكومة من قيادة التغيير المأمول.
إضافة إلى وضع خطة للتحول الاقتصادي الشامل، وإيجاد قطاع خاص منتج ومتنامٍ، عن طريق خلق بيئة جاذبة لتحقيق النماء، كي يتمكن من القيام بواجباته في إقامة مشاريع تعزز الدخل وتوفر فرص عمل منتجة للعمانيين، مع إحداث تغييرات جذرية في هيكل الاقتصاد الوطني، بما يؤدي إلى زيادة ملحوظة ومستمرة في معدل نمو الدخل القومي، بحيث تسهم هذه الزيادة في التغلب على المشاكل التي تواجهها الحكومة، وتساعد على ارتفاع مستوى معيشة الأفراد.
الأمر الثالث الذي يتعين القيام به، يتمثل في إجراء تحولات وإصلاحات جذرية في النظامين التعليمي والتدريبي، من أجل بناء نظام تعليمي قوي ومتماسك، على أساس الكفاءات العلمية المتخصصة.
التنويع الاقتصادي المنشود
# ما هي أبرز التحديات الاقتصادية التي تحول دون تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود؟
إن أهم تحدٍ هو استمرار النفط كمحرك أساسي لمعظم الأنشطة الاقتصادية، والذي نتج عنه عدم الاهتمام النوعي والكافي بتطوير التعليم والتدريب، وعدم بناء قطاع خاص حقيقي منتج، وفي المقابل سيادة فكر محدد في القطاع الحكومي. لكن الآن بدأت القناعات تترسخ تدريجيا بأن الاقتصاد المعتمد على النفط يسبب مشاكل عديدة، لكنها قناعة تحتاج إلى مزيد من الرسوخ للتحول إلى تيار قوي يصعب مقاومته.
وكثير من الدراسات تتفق على أن ضعف أداء القوى البشرية والارتفاع الهائل في العمالة الوافدة وانعدام ثقافة العمل والإنتاجية وضعف أداء الاقتصاد وصعوبات بروز قطاع خاص حقيقي منتج ومتنامٍ، وضعف التنافسية، كل ذلك يرجع إلى ارتباط الاقتصاد بريع النفط الخام، لأن النمو المعتمد عليه لا يضمن متانة الاقتصاد واستدامة النمو أو زيادة الإنتاجية في القطاعات غير النفطية، ويؤدي أيضا إلى نشوء قطاع خاص مشوه، وسوق عمل مشوه، وتعليم وتدريب مشوهان، ويظل القطاع الخاص الناشئ في معظمه قطاعا غير منتج، قائم على إنتاج الخدمات الاستهلاكية غير القابلة للتصدير.
والاعتماد على الإيرادات النفطية فقط يعرقل بروز اقتصاد حقيقي فعّال ومنتج، ويساهم في انتشار الميول الريعية وإنتاج بطالة مقنعة في حالة ارتفاع أسعار النفط، وبطالة حقيقية في حالة انخفاض قيمته، بعد أن تتوقف الوحدات الحكومية عن توظيف المزيد من الموظفين.
والثروة الريعية أيضا تتسبب في تحجيم التحديث الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والتدريبي والإنتاجي، ولا تخلق دورة اقتصادية متكاملة، ولا توفر فرص عمل ذات قيمة مضافة، وتعتمد عادة على عمال من الخارج بأجور متدنية للقيام بأعمال بسيطة، مثل المقاولات والأنشطة الخدمية البسيطة، ومعظمهم من العمالة الوافدة الذين يحولون جزءاً كبيراً من مداخيلهم إلى بلدانهم، بدلا من المساهمة في نمو الاقتصاد المحلي وتنشيط الدورة الاقتصادية، إضافة إلى تسببها في إيجاد ضغوط تضخمية. كل ما سبق يحتم علينا أن نغادر تلك الحقبة الآن.
إعادة هيكلة التعليم جذريا
# أين تقف عمان على مسار التعليم؟ وهل نجحنا بعد نحو 5 عقود من النهضة المباركة في بلوغ مستويات متقدمة من التعليم سواء المدرسي أو الجامعي؟
مع الأسف أن مسار التعليم ما زال بحاجة إلى التصويب وبصورة جذرية، فقد كان هناك اهتمام بالتعليم منذ أول يوم تجلى في العبارة البليغة التي نطق بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- عندما قال: “سوف نعلم أولادنا ولو تحت ظل الشجرة”.
والملاحظ أن التعليم توسع كثيرا، لكن كان توسعا كميا، وجرت مراجعات كثيرة لإجراء تغييرات وإصلاحات شاملة وجذرية دقيقة لمحتوى النظام التعليمي بأنواعه وتشعباته المختلفة، وفي كيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ومن التقنيات الحديثة، وإعادة النظر في المقررات والإدارات والبيئة المدرسية المستقبلية وكيفية الإعداد لمعلمي المستقبل، ورفع كفاءة المدراء والمعلمين الحاليين، إضافة إلى رفع كفاءة جميع العاملين في وزارة التربية والتعليم، لكن من المؤسف القول إن كل هذه المحاولات لم تتقدم.
ربما عدم وضوح الأهداف التعليمية لدى البعض، والأهم غياب الخطط والسياسات والاستراتيجيات المناسبة، وانعدام الرقابة على سير العملية التعليمية، وعدم وجود جهة مستقلة تقوم بالمراقبة والتقويم عن طريق الاعتماد على مقاييس كمية ونوعية، كل ذلك مسؤول إلى حد كبير عن الاخفاق الكبير في المسيرة التعليمية، وكانت تلك عملية محزنة لبلد يعاني من نقص كبير ومزمن ومتفاقم في الكفاءات، وفي عدم وجود أعداد كافية من المؤهلين تأهيلا عاليا في قوة العمل الوطنية.
وأرى أن الخطوات الكمية مثل الزيادة في أعداد المدارس والطلبة الملتحقين بالتعليم أو زيادة أعداد المعلمين والإداريين، مسألة يسهل حسابها، لكنها ليست بالضرورة تشير إلى تغير نوعي في إنجازات الطلبة من حيث الاعتماد على النفس والقدرة على مواصلة التعلم، كما لا تشير إلى زيادة قدرة المجتمع على التعامل بشكل أفضل مع مشاكل التغيرات المتلاحقة في العالم.
والتحديات التي نواجهها مقارنة مع المسار الحالي للتعليم، تتطلب بصورة ملحة إعادة هيكلة التعليم جذريا، من أجل توفير المزيد من المهارات والمعرفة لدى الطلبة، ومنحهم فرصا واختيارات لتفحص فرص العمل المختلفة، سواء تلك المتوفرة حاليا او التي سوف تتوافر مستقبلا، وفي كيفية بناء جسور بين الحياة المدرسية والحياة العملية.
والتحديات الكبيرة التي نواجهها في عالم متغير، عميقة التأثير ومعقدة ومترابطة، بحيث لا نحتاج إلى ما هو أقل من إجراء إصلاحات شاملة وعميقة في أنظمتنا التعليمية والتدربية. أما عكس ذلك، فإن السباق بيننا وبين مواجهة التحديات سوف يزداد ضراوة، وهو سباق تزداد حواجزه ارتفاعا كلما تقدمنا في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.
وإذا كانت قضية التعليم بهذه الأهمية، فإنها تصبح عندئذ قضية لا تتعلق بوزارة التربية والتعليم وحدها، وإنما قضية وطنية تشارك فيها كل الجهات المسؤولة مدعومة في ذلك بخبرات وطنية ودولية مشهودة. فالسياسة التعليمية لابد أن تكون سياسة وطنية عليا، لا ترتبط بوزارة معينة، وإنما ترتبط بالمصالح العليا للوطن، ذلك أن الاستثمار في التعليم تحكمه اعتبارات خلق كفاءة اقتصادية واجتماعية، وليست الاعتبارات التعلمية التقليدية وحسب.