مرتضى بن حسن بن علي – الرؤية
خطة 1976- 1980، كانت أول خطة خمسية في تاريخ عمان الحديث، ومن ضمن أهم أهدافها كانت تنمية مصادر جديدة للدخل القومي تقف إلى جوار الإيرادات النفطية وتحل محلها في المستقبل والاهتمام بتنمية الموارد البشرية المحلية حتى تتمكن من القيام بدورها كاملا في الاقتصاد العماني وغيرها.
وقد تكررت نفس الأهداف ولكن بصورة أكثر تفصيلا في كل الخطط الخمسية التالية، كما كانت محور نقاشات عميقة ومكثفة خلال عامي 1994-1995، قبل الإعلان عن الرؤية المستقبلية لعمان -عمان -2020.
ومن متابعة النقاشات الجارية فإن السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار: ما سبب عدم قدرتنا على تحقيق تلك الأهداف بصورة كاملة؟ في الحقيقة جرت محاولات عديدة، لتحقيقها وتطويرها، لتكون الاهداف متناغمة ومنسجمة مع التحديات الكبيرة التي نواجها ومنسجمة مع ما يجري في العالم من تطورات مستمرة ومذهلة وسريعة، وذلك من خلال دراسات وتقارير محلية ودولية ومؤتمرات وندوات وتوصيات وقرارات ومقالات، التي انطلقت بصوره تصاعدية منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، أي على مدى أكثر من العقود الثلاثة الماضية، وما زالت مستمرة، دون أن تُحدث تأثيرا مطلوبا وملموسا، كما أن قضية تحقيق تلك الأهداف، احتلت وما زالت تحتل جزءًا كبيرًا ومتقدمًا من اهتمامات المثقفين ورجال الأعمال، إضافة إلى أنها كانت تُذكر بطريقة واضحة، عند الإعداد لكل الخطط الخمسية اللاحقة.
وحينما نطالع الصحف ونستمع إلى ما يطرح في اللقاءات عبر الإعلام المرئي والمسموع، وما يتداول الآن في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فإنّ الحديث ينساب بمرارة عن واقع ما تحقق في الجانب النوعي على الأقل من الأهداف وأسباب عدم قدرتنا على تنويع مصادر الدخل وبقائنا معتمدين على النفط، وهو حديث ينتهي بالأغلب الأعم، إلى إعادة التأكيد على أنّ الطريقة التي اتبعناها وما زلنا، غير قادرة على وضع الاستراتيجيات والسياسات والخطط للتنفيذ، لكي نكون قادرين على مواجهة التحديات المتعددة التي نواجهها، أو قدرتنا على المنافسة بصورة فعّالة في سوق العمل، أو المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو تنويع مصادر الدخل.
كل ذلك يشير- وربما يؤكد- أنّ الخطط والقرارات والمناقشات والتقارير والندوات، لم تصل في عمقها إلى جذور مشاكل عدم قدرتنا على الوصول إلى تلك الأهداف، وهي جذور متراكمة، كما لم تحاول دراسة ومن ثم مواجهة العوامل الهيكلية والمؤسسية والتنظيمية والثقافية والبيئية والإدارية التي تعيق تطوير المشاريع. إنّ الاتفاق على ضرورة تطوير الاقتصاد أو التعليم أو تنويع مصادر الدخل أو إيجاد قوة بشرية مؤهلة، لا تتبعه -عادة-نقاشات جدية، من خلال طرح الأسئلة الجوهرية لتشخيص مواطن الخلل وتحديد أسباب تعثر مشاريع التطوير، إضافة إلى عدم التطرق إلى أسباب وقوف الجهات المسؤولة عن تنفيذ الخطط، مكتوفة الأيدي في مواجهتها، وعدم نجاحها على إحلال أنظمة اقتصادية وتعليمية وتدريبية واجتماعية متطورة، ومنسجمة مع روح العصر، وقادرة على إحداث النهضة الحقيقية في مناحي الحياة بمستوياتها المختلفة.
هل صحيح أن بعض الإدارات لم تكن مدركة لعمق المشاكل التي تواجه عمان؟ أو لم تطلع على الدراسات الدولية والمحلية المختلفة عن الموضوع؟ أم أنّها كانت تواجه صعوبات في تنفيذ القرارات والتوصيات لسبب ما، ومنها تلك التي قد تكون كامنة في داخل النظام الإداري للدولة؟ أم أن الإطارات اللازمة للتنفيذ لم تكن متوفرة أو غير مهيأة؟ أم أن الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة الخلل والقصور غير واضحة المعالم أو صعبة التنفيذ؟ أو لاعتقادها بوجود حواجز عديدة من الصعب عبورها لسبب ما؟ هل يتعلق الأمر بالإدارات وآلياتها أو القوانين أو لعدم الرغبة أو لانعدام القدرة على حسم توجهات الحل؟ أم أن الأمر متعلق بعدم وجود سياسة وطنية متفق عليها وتتمتع بالإجماع؟ أو أنّ الإخفاق مرتبط بالتفكير من داخل الصندوق في الوقت الذي تقتضي الظروف التفكير من خارجه، والاعتماد على حلول ابتكارية جريئة والتفكير بشكل غير تقليدي؟ هل المشكلة تكمن في الرغبة أن يكون التطور تدريجيا في الوقت الذي كانت تقتضي الظروف أن يكون التطوير حاسما وسريعا بشكل تصاعدي وشامل؟ أم أنّ المشكلة تكمن بكبر حجم الجهاز البيروقراطي وتداخل وربما تعارض صلاحيته والصعوبات التي تواجهه في حسم توجهات الحل؟ أو أن المشكلة متعلقة بتفضيل الكم على النوع لكون الكم سهل حسابه؟ هل الصعوبات متعلقة بضعف الإدارات الحكومية وكثرتها وعدم انسجامها أو عدم وجود جيل جديد من التنفيذيين ليقوموا بدورهم بشكل أفضل أو بعدم وجود الرغبة لخلق آليات مستقلة للمراقبة أو وجود مقاومة ما للتنفيذ؟ أو أنّ عدم النجاح يكمن في تشتت القرار وعدم وجود مراقبة أو محاسبة؟ أو أننا لم نرغب بتشخيص المشكلة؟ أم هناك أسباب أخرى يستوجب تشخيصها بصورة دقيقة، تمهيدا لوضع الحلول الجذرية لتجاوزها؟ أو أنّ المشكلة تكمن في وجود كل هذه الصعوبات التي أشرنا إليها مجتمعة وأكثر؟
لا شك أنّ القيادة الرشيدة يهمها جدا تحقيق التنمية الشاملة وتحقيق الأهداف المعلنة ولديها وعي وإدراك عميقين، على ضرورة مواجهة التحديات التنموية التي تواجهها عمان.
وكيف نتمكن من تحقيق عمان 2040؟ يقال في الطب أن تشخيص الأمراض نصف الطريق إلى علاجها. نفس القول ينطبق على “الأمراض التنموية”. في العلل العضوية كان الفحص في البداية بالنظر، ثم تلاه الفحص باليد. ثم ظننا أنّ الكشف بلغ دقته باستعمال ميزان الحرارة وجهاز قياس الضغط. والآن نعرف أنّ الفحص ما لا أول له ولا له آخر. فهناك التحاليل المعملية كيمياوية ومناعية وجينية، وهناك الوسائل التصويرية بالأشعة تنفذ إلى كل موقع في الجسم، وهناك الدراسات الفسيولوجية والكهربية تختبر كل جزئية، وهناك المناظير الداخلية تخترق أعماق الجسم، وهناك تحاليل ودراسة الأنسجة تفك طلاسم التركيب البشري ذاته. والأمل أن نعاود التشخيص وإعادة الفحص باستعمال كل الوسائل المتاحة للتوصل إلى التشخيص السليم لكثير من مشاكلنا المتراكمة والمزمنة وألا نكون أسري للماضي ومتخندقين في سالف أفكارنا. وكذلك فإن الجميع يأمل بعد وصولنا إلى حالة استيفاء الفحص والتحليل والإحاطة والنفاذ، أن تسنح الفرصة لأحسن الأطباء المتوفرين، المحليين منهم والدوليين لمباشرة العلاج مهما كان صعبا ومؤلمًا وتحت رقابة مستقلة صارمة.
الحقيقة الآن تتبدى جلية، وتتمثل في إدراك الكثيرين أنّ عمان تستحق الأفضل والأحسن وتبحث في المستقبل وليس في الماضي، وليست مستسلمة لحالة من اليأس. وأملي أنّ التشخيص السليم، والاستعانة بتجارب بلدان سبقتنا في تجاربها التنموية الناجحة، وخطت خطوات كبيرة إلى الأمام، مضافة إلى وسائل العصر، مضافة إلى شحنة القلق، مضافة إلى رصيد إنساني غني، مضافة إلى قيادة رشيدة لصاحب الجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه- قادرة كلها في مستقبل غير البعيد على أن تتحول إلى طاقة إيجابية تصرع اليأس بالأمل ولا تصرع الأمل باليأس.
لقد حان وقت التحول الكبير والعمل من أجله، يقول الله تعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.