Image Not Found

نابغة عمان: الأستاذ جواد بن جعفر بن ابراهيم الخابوري اللواتي

الجزء الأول

نابغة عمان: الأستاذ جواد بن جعفر بن ابراهيم الخابوري اللواتي (الجزء الأول)
من كتاب: الأدوار العمانية في القارة الهندية، دور بني سامة بن لؤي – اللواتية للأستاذ جواد الخابوري اللواتي.
تقديم المؤلف بقلم: محسن بن جمعة بن محمد اللواتي.

الولادة

في الخارج مطر مطر… فالسماء استجابت لدعوة العباد بالعطاء المدرار، والذي سيتحول بقدرة الاله المقتدر، تمرا وبرا وقطنا ونماء عاما… وفي ذلك اليوم، الجمعة، التاسع من ذي الحجة سنة 1330 هجرية حيث كان الفصل شتاء والناس يكسوهم التفاؤل والحبور لاحتفالهم بيوم الحج الأكبر، طرق باب الحياة في مدينة مطرح وليد ذكر لجعفر بن ابراهيم بن حبيب الخابوري وزوجته فاطمة بنت يوسف بن علي بن داود وهم من قبيلة اللواتية: تحير الأب، بعد أدائه الشعائر الدينية من تكبير واقامة في أذني الطفل، فأي اسم يجب أن يعطيه؟.

دلته سجيته الفطرية، فما دام الوقت ماطرا واليوم هو يوم الحج الأكبر، فليسمه (الحاج مطر)… لا… لا… ان الحاج مطر اسم مركب، وربما ثقيل، فليعطه من الأسماء الشريفة اذ أن اليوم هو يوم جمعة فليكن هو اسمه (جمعة) وهنا تدخلت أم جعفر أي جدة الوليد، زهرة بنت سلطان، بكل اصرار وجموح فارضة اسما منبعه حب آل بيت الرسول وبتأثير من بيئتها التي ولدت فيها بميناو، حيث كان الناس ينتقلون بين بلاد المسلمين من غير جوازات سفر، وسمت الوليد جوادا تيمنا باسم الامام محمد الجواد حفيد الامام جعفر بن محمد الصادق (مؤسس الفقه الجعفري) والذي ينتهي نسبه الى منبع البيت العلوي – علي وفاطمة.

في الأيام الخوالي، كان لكل مناسبة نكهة مميزة، خاصة مناسبات الولادة، فترى السرور والحبور مخيما على المنزل، فالأطفال ممتنعون عن الذهاب الى الكتاب والأقارب، النسوة، مجتمعات حول الوالدة، كل يؤدي وظيفة معينة تجاهها، فمنهن من تهيىء المبخرة وأخرى تخدم الوليد وهكذا. امتنعت شريفة أو (شرفية) كما كانت تنادى، وهي الجدة الكبرى للوليد جواد، أي (جدة والدة جعفر) بمناسبة ذلك الميلاد، عن العمل التجاري الذي كانت تتعاطاه في بيع الثياب والادوات الفاخرة المستوردة من الهند على بيوت السراة، ومنها بيت الحاكم المرحوم السلطان السيد تيمور بن فيصل، مما خلق صداقة وطيدة بين شريفة والسيدة فاطمة بنت علي بن سالم بن ثويني بن سعيد بن سلطان آل سعيد، زوجة السلطان، والتي كانت قد رزقت بمولود قبل تسعة أشهر، سمي بـ (سعيد) وهو والد جلالة السلطان قابوس المعظم سلطان عمان الحالي.

افتقدت السيدة فاطمة صديقتها شريفة فأرسلت وراءها من يبحث عنها، فلما وافتها الأخيرة وأخبرتها بنبأ المولود الجديد، والذي كان السبب في انقطاعها مؤقتا عن المجيء اليها، سرت السيدة فاطمة وطلبت منها أن تاخذ سعيدا الى أم جواد لترضعه لشح حليبها هي، فكانت أم جواد تأتي أحيانا الى القصر لترضع سعيدا وأحيانا أخرى يرسل سعيد الى سور اللواتية ليرضع هناك مما خلق صداقة وترابطا ووضعا خاصا لجواد الخابوري لدى السلطان سعيد الذي أصبح سلطانا للبلاد فيما بعد. ومما يذكره الأستاذ جواد الآن، فان السيد سعيد بن تيمور في طفولته كان يقضي أوقاتا وأياما مقيما في سور اللواتية، كذلك كان هو يذهب الى القصر ويقضي أياما هناك، وكثيرا ما كانت السيدة فاطمة، عند خياطتها الثياب لابنها سعيد تحسب حسابها لجواد من نفس النوع.

التعليم

ترعرع الطفل جواد وتغير حال والده، فانتقل الى الخابورة، حيث كان منها أصلا، ثم أخذه أبوه الى نفعة حيث دخل الكتاب يتعلم القرآن ويتمرن على الكتابة على لوح كتف الجمل، ثم رجع الى الخابورة وتعلم العربية هناك، ثم يمم وجهه شطر العاصمة مسقط ومطرح وتتلمذ على الأستاذ عبدالرسول بن غلام بن حسين بن جعفر اللواتي والملقب بـ (محاق) وهو شاعر وأديب ومنجم عصامي، فتعلم منه اللغات والشعر الجاهلي ثم على الشيخ موسى العصامي، وهو شيخ من رجالات الدين الذين كانت النجف الأشرف في العراق توفدهم للتوعية الدينية، فتعلم النحو والصرف وأصول الدين من كتاب الباب الحادي عشر للشيخ الصدوق، بعدها بدأ يوثق تعليمه، خاصة فيما يتعلق بأصول الدين والنحو فتتلمذ على يد المؤرخ والشاعر الكبير الشيخ محمد بن عبدالله اللواتي الملقب بـ (الطويل) ألفية ابن مالك، وفي هذه الأثناء وفد الى البلاد عالم آخر من النجف وهو الشيخ صادق الحكامي النجفي فتعلم عليه الأدب من المعاني والبيان والبديع. عند هذه الحصيلة من المعارف دخل جواد الخابوري مرحلة التثقيف الذاتي لعدم وجود معلم يمكنه أن يرتفع به الى العلوم الرفيعة، كل ماذكر كان مابين سنة 1337 هجري الى سنة 1350 هجري. بعدها وفد الى البلاد عالم جليل تقي ورع، صوفي عرفاني وهو السيد حسن أسد الله الموسوي فكان ذلك بمثابة حظ نزل بساحة جواد الخابوري، فمال كل منهما الى الآخر ميل الأحبة وأصدقاء الفكر والمباديء، فتتلمذ عليه وتعلم المنطق والفلسفة والتصوف وركز على كتاب الميزان للغزالي ومنظومة السبزواري والاشارات في الالهيات لابن سينا وغيرها من كتب المعرفة الرفيعة والفكر المجرد. لكون الله سبحانه وتعالى قد حبا جوادا عقلا وقادا وبصيرة نافذة وحبا جما للاستطلاع وعشقا لسبر أعماق الفكر بحثا عن الحقيقة، وأمام تلك المحصلة من المعرفة أخذ عقله يتساءل في العديد من القضايا الفكرية ممتطيا جواد الشك والمؤدي الى اليقين، فبدأ يدرس دراسة العقائد المقارنة التي قادته الى اللاأدرية (1).

وكان العلامة السيد حسن يراقبه لاخوفا عليه لأنه كان متيقنا بأن من سلك طريقا سلكه جواد الخابوري لابد أن يصل الى الحقيقة الناصعة فطلب منه أن يجاري الشاعر ايليا أبو ماضي في طلاسمه (لست أدري) فنظم جواد قصيدة منها هذه الأبيات:

ها هو الكون الى أين يسير *** جاء من أين الى ماذا يصير
يدهش العقل وذا الداعي خطير *** حق من قال بأني لست أدري
بلبل الوهم وطير الفلسفة *** بين أدواح الهدى والوسوسة
كم بك السير انتهى في المعرفة *** هل بلغت الأيك أبدا لست أدري
***
أترى ماذا لرسطو خطرا *** حين في الكون أجال البصرا
أترى الحق له قد ظهرا *** أم ترى قال الهدى في لست أدري
***
ولأفلاط الذي قد جادلا *** وقضى العمر يحل المشكلا
أي شيء بان مما جهلا *** غير حق القول أني لست أدري
… الى آخره….. .

في هذه الأثناء ومع افتقار ساحة المجتمع الى المؤسسات العلمية رأى جواد وجوب عمل شيء لتعليم الناشئة فأنشأ مدرسته الأولى لتعليم مريدي اللغة العربية والانجليزية ومباديء العلوم التي أتت عليه بموجة عارمة من الغضب والاستنكار من اولياء أمور الطلبة خاصة تلك المباديء التي قلبت مفاهيمهم المتوارثة عن الثور الذي يحمل الأرض وتتبادل قرنيه حملها سنة بعد سنة يوم 21 مارس (النوروز) وغيرها من مفاهيم عصر الانحطاط العربية فحملوا عليه مستهجنين مستنكرين رامينه بالالحاد والكفر والدهرية والزندقة، ولكنه لم يستكن لايمانه بقضيته التغييرية وما لهذا التغيير من سعادة مادية ورفعة معنوية، فصمد مدافعا عن العلوم معلما الناشئة بها، وعندما وصل الأمر بمعارضيه الى حد لايطاق، ينبري لهم بهجائه المر الحارق فيسكت خصمه من استهجائه وجها لوجه، فهجاؤه لايقل وخزا وضراوة عن هجاء الفرزدق أو جرير ان لم يكن أكثر تأثيرا، وذلك دفاعا عن النفس.

في هذه المعمعة الآتية من مقاومة المجتمع للجديد الذي أخذ جواد الخابوري ينشره نصحه السيد حسن الموسوي أن يذهب للنجف ويقعد لأداء الامتحان في العلوم التي أكتسبها، خاصة الفلسفة، وهيأ له ذلك بمعهد الشيخ العلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء المعروف، ولكنه لآرائه اللاأدرية، لم يقدر أن يستمر الى امد طويل فاصطدم فكره هذا بالفكر الديني التسليمي مع بعض رجال الدين، فهرب منها الى البصرة ثم الى البلاد، أي عمان، وفي البصرة أرسل اليه الشيخ آل كاشف الغطاء شهادته بدرجة (فاضل الفلسفة).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اللاأدرية مذهب فلسفي معروف، وقد ذهب اليه هكسلي بأنه مذهب يحدد قدرات العقل في الحكم على الأمور حيث يتعذر عليه الحكم على المطلق والغيب المطلق. وينحو أصحابه منحى عدم التوريط في الأحكام الا بعد التاكد، لذا يغلب على أبحاثهم واحاديثهم التعبير اللاأدري فسموا بلاأدرية.

(الجزء الثاني)

العودة

عاد جواد بن جعفر الخابوري في سنة 1935م الى أرض الوطن ليواجه مقاطعة محكمة وغضبا عارما من المجتمع لآرائه وماسبقته من اخباره عن عدم اتفاقه مع بعض رجالات الدين التقليديين وطرق تدريسهم واستسلامهم القدري لكل ما هو قديم ومعارضتهم للجديد، فكان لتلك المقاطعة والغضب أثر عليه، اذ رفض حتى الحلاقون حلاقة رأسه فطال شعره وعشش القمل فيه، ولكن هذا المنظر من أستاذ المدرسة والذي ما انفك عن التدريس السري ليلا بالزبادية، وهي ضاحية من ضواحي مطرح، أهوت تلاميذه باطالة شعرهم والتشبه بأستاذهم، مما جلب عليه محاكمة مجلس مشيخة اللواتية.

الانعطاف

ضاق بجواد الخابوري الخناق من كل نواحي الحياة وكان شعره الكثيف المملوء قملا مصدر ازعاج له، فنزل الى السوق يجرب حظه ثانية ولربما للمرة العاشرة عسى أن يلقى حلاقا جديدا وافدا على البلاد لايعرف عن مقاطعة المجتمع له، فيعطف عليه ويحلق شعره، ولكنه مع هذا لم يجد ذلك فحاول استعطاف أحد الحلاقين المتواجدين عسى أن يحلق له الشعر.

وفي هذه الأثناء كان هناك (آغاخانيا) يراقب الموقف، فتقدم من الحلاق وأغراه بمضاعفة أجرة الحلاقة ان هو لبى طلب جواد. وبعد تردد قبل الحلاق ذلك وتمت حلاقة رأس جواد الخابوري.

تقدم جواد الى (الآغاخاني) مستفسرا عن دوافع عطفه، وفهم منه أن اسمه محمد مال الله وهو كبير جماعة الآغاخانية وزعيمهم الروحي وانه يراقب مايحدث له من مقاطعة ومضايقات ودعاه الى الدخول في ملتهم كي يتخلص من البؤس الذي وضع فيه، فضحك جواد وقال انت تعرف أنني ممن غمسوا في اللاأدرية وملة آغاخان ليس فيها مايشبع نهمي الفكري فكيف تتوقع مني أن أكون أغاخانيا؟ فرد عليه اننا نعرف أن الآغاخانية لن تستهويك ولكننا نريدك أن تعلم أولادنا وتؤسس مدرستنا على أساس منظم، فقبل جواد ذلك تخلصا من الضيم.

قابلت جماعة الآغاخانية بارتياح وتكريم انضمام جواد الخابوري اليهم وترجموا ذلك الانضمام ومايتفق وأهواءهم ولكن الرجل ظل مخلصا لفكره غائرا في عمق القضايا الفلسفية المعقدة.

وأخيرا أخذوه الى الهند ليلتقي بآغاخان ولكن كل ذلك لم يفتر الأمل للرجوع الى البلاد عسى أن تكون الأمور قد تغيرت والمقاومة قد انخفض تأججها، فعاد الى عمان، ولكن لم ير الا امتهانا وصدا.

دعي ليعلم في المدرسة السعيدية فعلم فيها ولكن تضييق الخناق والوسط الثقافي المحدود في المجتمع، دفعاه الى السفر ثانية.

الغربة

سافر الغريب ثانية الى الهند واستقر فيها وكانت جماعة الأغاخانية قد هيأت له سبل العيش الكريم فبدأ يعمل معهم في الحقل الثقافي حيث وضعوا تحت تصرفه كل الوسائل بما فيها المترجم من العربية الى الانجليزية لأن لغته الانجليزية في بدء مرحلة الغربة لم تكن قد ارتفعت الى مستوى التأليف.

ظل جواد في بومبي يعمل مع جماعة الأغاخانية من غير أن يبيع لهم نفسه الى درجة أنه عندما أحس بأنهم يحاولون الاستفادة من عمله معهم لأغراضهم الدعائية المذهبية، نشر بيانا في جريدة كجرات المسائية يعلن فيها بالحرف الواحد بأنه لاينتمي الى هذه الجماعة كمذهب.

تابع جواد الخابوري حياته في بومبي، المدينة الحضارية، واحتك بثقافات عديدة ونضج فكرا بحصوله على طريق اليقين من خلال طريق الشك ولكن كان أهم منعطف فكري في حياته اكتشافه انه مهما عظمت طاقة العقل فانها مرتبطة بخط بياني ادناه سلم المحسوسات وأعلاه التجريد ثم تتوقف، أما فوق ذلك فيقف العقل مستسلما لايعي جوابا فكان ذلك بداية تحوله الى التصوف كسلوك.

استمر الغريب الباحث في حياته، وكانت الأقدار قد هيأت له كل روافد العلم والمعرفة عن طريق المكتبة الضخمة لجماعة الآغاخانية وقويت لغته الانجليزية الى درجة التأليف والكتابة، شارك في العديد من الصحف والجمعيات العلمية، احتك بالكثير من رجالات الفكر الاسلاميين والهندوس والمسيحيين وغيرهم، استهوته الطريقة الهندوسية للتصوف، فمارس طرقها وهنا أرجو أن أقف لأوضح كي لاتختلط الأمور على القاريء فأقول بأن التعبد الوثني الهندوسي شيء لا يقبله عقل جواد ولكن جواد نظر الى طرق التصوف باعتبارها طرقا موصلة للحقيقة الحسية بالتكامل الكوني، ولكن تلك الطريقة لم تكن هي الوحيدة التي تأملها جواد بل انضم الى العديد من المنتديات الفكرية في القارة الهندية والأوروبية ولكنه في النهاية رجع الى التصوف الاسلامي بكل ماتحوي هذه الكلمة من معنى، وليس فقط في تأملاته الصوفية بل في تطبيقه العبادي الذي سنته الشريعة الاسلامية، أما أكثر المتصوفين الاسلاميين الذين يتفاعل مع آرائهم فهو الشيخ محيي الدين بن العربي عليه الرحمة.

قضى جواد الخابوري في بومبي قسما من عمره حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما ظهرت الدولة الجديدة الى الوجود عن طريق تقسيم القارة الهندية الى الهند وباكستان، سافر الى باكستان وأخذها مقرا له فكان نشاطه العلمي يشتمل ضمن مايشتمل:

1 – تدريس اللغة العربية بالكلية الاسلامية التابعة لجامعة كراتشي من سنة 1954-1971م.

2 – رئاسة مؤسسة البحوث الفلسفية والتاريخية التابعة لجماعة الآغاخانية (المشهورة بالجمعية الاسماعيلية الباكستانية بكراتشي) لغاية عام 1968م.

مع السلطان سعيد بن تيمور

في سنة 1935م عند رجوع جواد الخابوري الى البلاد من العراق عن طريق البحر بسفينة باندرا، عرجت السفينة الى ميناء صحار حيث ركب منها السلطان المرحوم سعيد بن تيمور. فكر جواد كي يعظ السلطان وينصحه فأرسل اليه الأبيات التالية في رقعة سلمها لخادمه:

على رغم الرقي وعصر نور *** ودور الكهرباء ودور فكر

أناخ ببلدتي جهل مميت *** ففيها نحن في أدوار صخر

يعاقب حيها البيئات فيها *** فتسميها عواملها بقسر

أترضى أن تكون مليك شعب *** بدرو الطفل يحيا طول عمر

فما أن سلم الخادم تلك الرقعة للسلطان حتى خرج السيد هلال بن بدر الشاعر العماني المعروف على عجل متجها نحو جواد الخابوري محاورا اياه: ألا تخاف يا خابوري من أن ترسل مثل تلك الأبيات للسلطان فيغضب عليك ويأمر خدامه أن يرموك في البحر حيث تأكلك الأسماك؟ فرد جواد عليه: اذا هو غضب علي ورماني خدامه الى البحر وأكلتني الأسماك فان ذلك سوف يجلب عليه سوء السمعة وهو لايرضاها. ويتذكر الأستاذ جواد أنه التقى بالسيد سعيد عن البعد بعد سويعات من هذه الحادثة فنظر اليه السلطان سعيد نظرة من عرف معنى أبياته ممزوجة بالعطف على جواد وكانت نظرات العطف بينهم متبادلة كأنها تذكرهم بأيام الطفولة وأخوة الرضاعة فهل انتبه السلطان سعيد لذلك؟

لما كان اعتلاء السلطان الراحل على العرش يحمل بارقة أمل لعمان لانتشالها من ازمنة التخلف وعبودية الجهل وعجلة التقهقر لاتصال السلطان سعيد بحضارات الأمم الأخرى وثقافتها ولالمامه بالعربية الماما واسعا، خاصة فيما يتعلق بتطورات الأمم وتخلفها من خلال الاطلاع على الوقائع التاريخية المعلمة لأي دارس لبيب عن مسار الأحداث فان الأستاذ جواد كان من أولئك المتفائلين بمقدم الحاكم الجديد وبهذه المناسبة فقد ألف القصيدة المهنئة وهذه بعض أبياتها:

صباح اليمن بالعيدين وافا *** وفجر المجد بالآفاق لاحا

وطير السعد هلل في غصون *** وصدر الدهر منشوح انشراحا

بتتويج السعيد غدت عمان *** تناطح جبهة الجوزا نطاحا

ولكنه لما رأى ما حل ببلاده من جهل مميت غير رأيه فيه والأبيات الأولى التي أرسلها له بالمركب (باندرا) هي شاهدة على موقفه لأنها لاحقة لهذه الأبيات من حيث الزمان.

مع آغاخان

كان آغاخان الثالث معجبا بجواد الخابوري ولكنه كان حذرا ملاطفا له وعلى معرفة بالقيمة العلمية ومكانتها في شخص جواد، وفي احدى لقاءاته عرض عليه بأن يضطلع بمسؤولية مساعد رئيس المعهد الاسلامي (الآغاخاني) والذي كان يرأسه آنذاك البروفيسور أوفانو الروسي وذلك في مدينة بومبي وقد اضطلع جواد بتلك المسؤولية فعلا، ومن نصائح آغاخان لجماعته هو هذا القول:
“ان جواد الخابوري حر التفكير ولايلتزم بمذهبكم ولكنكم يجب أن تستفيدوا منه ومن مقدرته العلمية في تنظيم شؤونكم لأنه خال من التعصب ويفيدكم في الكثير من الأمور”، ونفس هذا الكلام كرره كريم خان الآغاخان الحالي لجماعته عن جواد.

انتهى!