عُمان: كتبت – مُزنة الفهدية
- التكنولوجيا ضرورة يجب أن نتحكم بها لا أن تدمر مستقبل أبنائنا
- ضرورة ابتكار أساليب تربوية تتناسب مع عصرنا الحالي
- إشراك الأبناء في دورات تعليمية ورياضية لاستغلال أوقاتهم
- عشوائية الاستشارات لها أضرار كبيرة على الأسر
تسعى الجهات المختصة والمسؤولة عن تربية الأبناء بالشراكة مع أولياء الأمور إلى وضع التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- حول تربية الأبناء، موضع التنفيذ، التي وجه فيها جلالته أثناء لقائه بشيوخ ولايات محافظتي الداخلية والوسطى بحصن الشموخ في الرابع من يناير الماضي، بأن تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل هي جزء من أصل المجتمع العماني، خاصة بعد أن فرضت التقنيات الحديثة تحديات كبيرة على الآباء والأمهات ومراكز التربية والتعليم المسؤولة عن التنشئة الصحيحة لأبناء الوطن.
وأحدثت المتغيرات المتسارعة في ظل وجود التكنولوجيا تحولا قد يهدد كيان المجتمع التي زاحمت الآباء والأمهات في تربية أبنائهم، ولم تعد التربية قاصرة على دور الوالدين بل دخلت كثير من المؤثرات الأخرى التي بدورها شكلت جزءا رئيسيا في تنشئة الأبناء.
وكشف المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن آخر الإحصائيات، حيث بلغت عدد الجرائم المسجلة لعام 2020م 3.810 منها 1.376 جريمة مخدرات في عام 2020م، و324 جريمة مخلة بالعرض والأخلاق العامة تم ارتكابها، 123 جريمة تحرش جنسي بطفل، وجريمتان الشروع في الانتحار، و74 جريمة التعدي على حرمة الحياة الخاصة، 37 جريمة ممارسة العنف على طفل، و247 جريمة انتهاك حرمة المساكن، و6 غسل الأموال، 1.447 جريمة سرقة والشروع فيها، 885 جريمة احتيال، بالإضافة إلى تسجيل 5 جرائم خطف أشخاص، و311 جريمة تهديد، و6 جرائم الشروع في القتل، وتسجيل 18 جريمة ابتزاز الكتروني، و136 التزوير 7 الرشوة ، و12 جريمة اعتداء على الموظف.
عشوائية الاستشارات
وقال الدكتور جمال بن مطر السالمي أستاذ مساعد قسم نظم المعلومات ومدير مكتبة جامعة نزوى “إن العشوائية في تقديم الاستشارات موجودة ويغديها انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي يستطيع أي شخص التعريف بنفسه بما يشاء ويدعي امتلاكه الشهادات والخبرات ويضع أمام اسمه الألقاب والمسميات الرنانة التي تغري الكثيرين للتواصل معهم ومتابعتهم” مؤكدًا أن الشهادات والدورات عوامل مهمة لأي عمل نسعى للتميز فيه، وبحاجة إلى صقل وتدريب وتجارب حتى نستطيع أن نخدم المجتمع ونقدم استشارات أسرية.
وأوضح السالمي أن لقب مستشار أو خبير أو غيرها من الألقاب كلها مصطلحات مطاطة لا نستطيع أن نحدد من يستحق هذا اللقب ومن لا يستحقه إلا من خلال تقييم أعمالهم ومدى رضى الناس عن جودة الاستشارات التي يقدمونها، وبكل تأكيد عشوائية الاستشارات لها أضرار كبيرة على الأسر وخصوصًا أن بعض الاستشارات قد تطلب من الأسرة التعامل مع قضية سلوكية أو مع مراهق أو طفل، وقد ينتج عن هذا التعامل نفور أو نتيجة عكسية أو غيرها من الآثار، مشيرًا في حديثه إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت الكثير من التعاملات والثقافة العامة إلا أنه ينبغي أن نكون حذرين مع من نتعامل معهم وألا نفشي أسرار العائلة لحسابات قد تكون منتحلة أو لأشخاص غير أمينين وبالتالي تحصل قضايا أخلاقية.
وتحدث الدكتور جمال عن مقومات ومهارات المستشار، حيث يمكن أن يكون لديه التأهيل المناسب والاهتمام والشغف بالمجال، بالإضافة إلى الإلمام الواسع بثقافة المنطقة والمجتمع الذي يخدمه، فكما نعلم فكل مجتمع له خصوصية وثقافة مختلفة.
واختتم السالمي حديثه قائلا: “جميع وسائل التواصل الاجتماعي لها جوانب إيجابية وسلبية، وعلينا أن نعزز الاستخدام الايجابي لهذه المنصات، غير أن بعض هذه الوسائل كالتيك توك مثلاً يغلب عليها المحتوى السلبي بشكل كبير جدًا، فحتى لو حاولت الاستفادة من المحتوى الإيجابي الذي يبث من خلالها وهو ضئيل جدًا فإنك بلا شك ستواجه طوفانًا هائلًا من المحتوى المخل والمنافي للأخلاق والقيم والعادات، وأعتقد أن مسألة حظر التطبيقات غير مجدٍ؛ لأنه توجد طرق كثيرة للالتفاف حول هذا الحظر، الأجدى هو مسألة توعية المجتمع وسن التشريعات التي تجرم نشر المحتوى غير الأخلاقي والمنافي للقيم والعادات الإسلامية. “
الرقابة الذاتية
قال السيد الدكتور أحمد بن سعيد البوسعيدي خبير الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية – عضو مجلس الإدارة بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم: “ضرورة العناية بغرس مخافة الله في قلوب الأبناء، والتدريب على ممارسة الرقابة الذاتية في نفوسهم، وهذا جانب في غاية الأهمية في وقتنا الراهن؛ لكونه صمام الأمان بالنسبة للأبناء، فالأب لا يستطيع أن يبقى سحابة نهاره متابعًا ومراقبًا لابنه أو ابنته، كما أن الأم مرتبطة بأعمال كثيرة؛ فكل لديه من الأعمال والمهام التي قد تضطره للابتعاد عن أبنائه لأوقات طويلة، فمن يقوم بمهمة متابعة الأبناء؟ لذا كان من المهم أن يربي الآباء الأبناء على مراقبتهم الله في أعمالهم وفي تصرفاتهم، وأن الله ليس مطلعًا على ظاهرهم فقط، بل ومطلع أيضًا على سرائهم وما تكنه صدورهم إضافة إلى ما يعلنونه، فعندما يختلي الشاب أو الفتاة بأحد الأجهزة التي تنقله إلى العالم الافتراضي، بعيدًا عن واقع الحياة، يدخل في بحر متلاطم من الظلام الدامس”.
وأضاف البوسعيدي: “التربية بالحوار الهادف أصبحت ضرورة فهذا الجيل وغيره بالطبع يحتاج إلى توجيه باللطف واللين، وبالمحبة والمودة، لا بالعنف والشدة، فالحوار الهادئ المتزن مع الأبناء في إطار الأسرة، والحوار المتعقل المتفتح لهموم الشباب ومشكلاتهم من قبل الآباء في البيت، ومن قبل المعلمين والمربين في المدارس والجامعات، وهو مهم جدًا في غرس القناعات لديهم، وتأسيسهم بالإقناع والتفهم؛ ليكون ذلك تحصينًا لهم في المواجهات التي تعترضهم في معترك هذه الحياة”.
دورات تربوية
وأوضح الدكتور أحمد أهمية المشاركة في دورات تربوية مغلقة فالناشئة يحتاجون إلى توفير البديل المناسب لهم عن البيئات الصاخبة التي تشتت عقولهم وتدمر أخلاقهم وقيمهم، ومنها المراكز الصيفية المغلقة، أو حتى المفتوحة أي بشكل جزئي، حيث تكون هذه المراكز وسيلة مهمة لتربيتهم وتوجيههم وغرس القيم والمبادئ في نفوسهم، وبمثابة مشاف ومحطات تقوية وتحصين لهؤلاء الفتية، يتلقون فيها جرعات علاجية ووقائية ضد أمراض العصر وأوبئته المختلفة، وحث على أهمية معاهدة تذكير الأبناء بالله وبأهمية التمسك بأخلاقيات الإسلام وتوجيهاته ففورة الشباب والانغماس في الملهيات والمشتتات المتنوعة قد تصرف الشباب عن الدين وتعاليمه، وتوقعهم في حبائل الشهوات وسوء التصرفات، لذا فإن تذكيرهم بين الفينة والأخرى، بأساليب تربوية مختلفة، توقظهم من غفلتهم.
وأكد أن هناك وسائل وأساليب كثيرة ومتنوعة للأبناء توظف التقنية الحديثة للنافع والمفيد، منها الأجهزة التعليمية، والتطبيقات التعليمية، والمواقع والمنصات التعليمية، والمسابقات والأنشطة الشبابية، وتفعيل وسائل الرقابة الأبوية للأجهزة الإلكترونية.
واختتم البوسعيدي حديثه بالقول: “التيك توك من التطبيقات الإلكترونية التي تفتح بابًا من الأبواب الواسعة للولوج إلى هذا الفضاء الإلكتروني المفتوح، ولا نستطيع القول بالحظر الكلي لهذا التطبيق بشكل كامل، إلا أننا نوصي بضرورة الحظر الجزئي أو استخدام وسائل التقنين والفلترة لأمثال هذه المواقع والتطبيقات، فغالب الشباب للأسف لا يمتلكون أدوات الفرز والتصفية لهذه المواقع، الأمر الذي يؤدي بهم إلى اختلاط الحابل بالنابل والخير بالشر، والأولى منع الأطفال الصغار من الدخول فيه؛ لئلا يقعوا في شيء من المفاسد أو المنهيات، وندعو أصحاب المحتويات الهادفة والحسابات المفيدة أن يشغلوا هذه الفراغات في وسائل التواصل بالفوائد والمحاسن، وأن يغرسوا المبادئ والقيم الإسلامية الصافية من خلال المقاطع التي يقدمونها والمحتوى الذي يعدونه، وهكذا يكون الحال في بقية وسائل التواصل.
وحذّر متخصّصون من مخاطر التطبيقات على سلامة الأطفال والمراهقين الأخلاقية؛ لاحتوائها على مقاطع تسبق أعمارهم، وانعدام المعايير الأخلاقية والرقابية عليها، مشددين على ضرورة مراقبة أبنائهم عند اختيار أية تطبيقات واستخدامها.
حلول تربوية
وقالت نقاء بنت جمعة اللواتية – استشارية أسرية: “هناك حلول تربوية كالحوار والجلسات الحوارية والجلسات الحميمية، ورفع معدل الجلسات الحوارية من أجل أن يتحدث الابن عن نفسه، ويكون الأب والأم قدوة، ويجب إشباع الحاجات النفسية لدى الطفل؛ لأن الطفل يمتلك في مرحلة عمرية معينة حب الاطلاع، ويجب أن يحاط بالأمان، والحب، والتقدير، والتفهم، والقبول، وهي خمسة أمور نفسية ضرورية إذا بنيت في الطفل بناء حقيقيًا فلا خوف عليه، وأهمية بناء العلاقات مع الأبناء بجسر متين، ويكون الأب والمربي قريبا من أبنائه لإيجاد حوار فعّال حقيقي؛ لذا يسهل عليه إدارة البرامج التي يستخدمها الأبناء بالجلوس معهم، ويمكن أن نتعامل مع المشاهد التي لا نرغب بأن يراها الطفل دون ارتباك، ومناقشة المحتويات وخطورتها”.
ودعت اللواتية إلى أهمية تنظيم أوقات الأبناء بحيث لا يكون لديهم وقت لمتابعة أي شيء لا فائدة منه، فمن المدرسة إلى تحضير واجباته وحفظ دروسه، ومن ثم إلى النوم بعد عمل وجهد شاق، وعدم ترك الهواتف النقالة والآيباد واللاب توب في يد الأبناء دون مراقبة، وضرورة ضبط الإنترنت بحيث لا يمكنه الدخول إلا على المواقع التي تفيد موضوعه المطلوب. مؤكدة أن الأطفال يتأثرون بالقدوة الحسنة ويحاولون تقليده بالسلوك والأفعال فلابد أن يتم تقييم سلوك الطفل، ومنحه الاهتمام والحب وضرورة أن يمدحه الآباء لتحقيق الانضباط النفسي وتعزيز سلوكهم، بالإضافة إلى ضرورة الابتعاد عن استخدام العنف في التعامل مع الطفل، واستخدام مبدأ العقاب لفترة أو حرمانه من أي لعبة يفضلها وأن يتم مدح الطفل عن طريق الثناء عليه عند قيامه بسلوك حسن.
مبادرات مجتمعية
وقالت نقاء: “نحتاج إلى تكاتف جميع المؤسسات الحكومية والخاصة ذات العلاقة لتبنّي ودعم المبادرات المجتمعية؛ حتى نرفع من مستوى الوعي اللازم في كيفية تعامل أبنائنا مع وسائل التواصل وآلية استخدامها لما فيه تطوير وتنمية لمعارفهم وذكائهم، وزيادة الوعي في الأخطار الناتجة عن سوء استخدام هذا الوسائل.” وحثت الآباء والأمهات بأهمية إشراك أبنائهم لدورات تعليمية ورياضية لاستغلال أوقاتهم والتخفيف من استخدامهم للتكنولوجيا؛ لأن الاستخدام الطويل لها يؤثر على ذاكرة الطفل ويصيبها بالكسل.
ابتكار أساليب تربوية
من جهتها، قالت الدكتورة منى الشكيلية: “أرى من الضروري توعية الأهل أن هذا الزمان مختلف عن زمانهم السابق فينبغي التعامل مع الأولاد بحذر وحكمة، وفق تغير المعطيات في عصرنا الراهن، وعلى أولياء الأمور تكثيف ابتكار أساليب تربوية جديدة تتناسب مع عصرنا الحالي؛ لأن الأساليب القديمة لم تعد تجد نفعًا في زماننا،” موضحة أن التربية تأتي بالحوار والتواصل المباشر مع الأبناء وإزالة كل المسافات والحدود بينهم وبين الأبناء وضرورة معاملة الأبناء كأصدقاء حتى لا يترددون في استشارة آبائهم وأمهاتهم عن أي شيء وإخبارهم بكل ما يواجههم، بالإضافة إلى أهمية تحديد المسموح وغيره بطريقة واضحة.” مؤكدة على أهمية احتواء الأبناء ومنحهم الاهتمام.
ودعت الدكتورة منى أولياء الأمور إلى ضرورة الاطلاع على كل ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، ومعرفة آخر المستجدات لمتابعة ومراقبة أبنائهم، وعادة يقتدي الأبناء بوالديهم فضرورة انتباه الآباء والأمهات إلى تصرفاتهم.
واختتمت الشكيلية حديثها قائلة: “التيك توك تطبيق خطير وجديد، ولكن لديه إيجابيات كثيرة يمكن الاستفادة منها بغض النظر عن المحتويات السلبية الأخرى فهو سلاح ذو حدين، وحظر استخدامه ليس مجديًا، ولا ننكر أن التكنولوجيا أصبحت ضرورة يجب أن نتحكم بها، لا أن تتحكم هي بمستقبل أبنائنا وأجيالنا القادمة”.