Image Not Found

كارثة سفينة “دارا”

Views: 60

صادق بن محمد سعيد اللواتي

في صبيحة هذا اليوم 8 ابريل 1961م (يوم السبت 22 من شوال 1380 هـ) كان معظم ركاب سفينة “دارا” نائمين. ركاب من عمان ينتظرون فرصة لقاء أحبتهم بعد ظهر غد، سيقفون غدًا على أرض عمان للقاء أحبائهم والذين بدورهم قد لا يعلمون بوصولهم الوشيك إلى البلاد. لم يسمع أحدهم عن الآخر لسنوات عديدة، لا عن طريق الهاتف أو البريد. وهكذا كانت تلك الأيام التي لم تكن فيها هواتف وخدمات بريدية في السلطنة.

عاش العمانيون في ظروف معيشية صعبة للغاية في تلك الحقبة المظلمة، حيث لم تكن هناك فرص عمل، فاضطر معظم الناس للعمل في دول الخليج وخاصة أبناء الولايات. إذا حدث ومات شخص ما هناك فإن أهله وعائلته ما كان يعرفون عنه إلا بعد فترة طويلة من الزمن، عندما يعود أحدهم من قريته ويبلغ عائلته بفقدان ابنهم. حتى أنهم يرسلون الأموال إلى عوائلهم من وقت لآخر بنفس الطريقة، أي يعطون المال لشخص عائد إلى عمان. لا استبعد أن أهالي العديد من ركاب سفينة دارا لم يعلموا بفقدان أحبائهم إلا بعد فترة من الزمن. ذهبوا هؤلاء الركاب إلى الفراش بأحلام، غير مدركين أنها لن تتحقق بالنسبة للكثيرين منهم. ولكن دون أي مقدمات وقع حادث لم يتخيله أي راكب وبحارة على متن السفينة أنه يمكن أن يحدث في بحار الهادئة لم تشهد مثل هذا الحدث المروع من قبل في زمن السلم. اكمل قراءة المقال.


تم تشكيل شركة الملاحة البخارية البريطانية في الهند عام 1856م باسم “كلكتا وبورمة” للملاحة لنقل البريد من كلكتا ورنغون. تغير اسمها إلى “شركة الهند البريطانية – BI” في عام 1862. في ذروتها في عام 1932، كان لدى BI اكثر من 160 سفينة في الأسطول. كانت طرق الملاحة الرئيسية للخط من بريطانيا إلى الهند واستراليا وكينيا وتانكنيكا وسيلان وخليج بنغال وسينغافورة وملايا وجاوا وتايلاند واليابان وشرق وجنوب إفريقيا والخليج الفارسي. (موسوعة ويكليبيديا).


خصصت الشركة خمس سفن للإبحار ذهابًا وايابًا من الهند إلى البصرة، والرحلة كانت تستغرق سبعة أيام من بومباي إلى البصرة، مروراً بكراتشي وجوادر ومسقط ودبي والدوحة والكويت وخرم شهر والبصرة. استمرت الخدمة إلى عام 1980 وتوقفت عندما بدأت شركات الطيران المختلفة تسيير رحلات منتظمة إلى هذه البلدان. كان الوكيل المحلي للشركة في مسقط جراي ماكنزي الذي لاوجود له اليوم. ومن بين السفن، إحداها “دارا” وهي موضوع بحثنا. وتجدر الإشارة إلى أن أسماء جميع السفن تبدأ بالحرف الأول “د” وهي أسماء مدن في الهند، باستثناء آخر سفينة انضمت إلى الإسطول في ستينات القرن الماضي واطلق عليها اسم “سردينا”. تم بناء هذه المجموعة المكونة من 5 سفن في الأريعينات من القرن الماضي وتعتبر حديثة وتعمل على الفحم والديزل. قبل ذلك كانت هناك مجموعة أخرى تعمل فقط على الفحم اسمائها تبدأ بالحرف “ب” مثل “باربيتا” و”برجولا” و”بامورا” وتحمل هي أيضًا اسماء المدن في الهند.


كانت السفن مخصصة للركاب والبضائع. جاءت معظم المواد الاستهلاكية من الهند وباكستان إلى دول الخليج عبر هذه السفن. وبالنسبة للمسافرين هناك نوعان من الإقامة، أحداهما من الدرجة الأولى وهو مكلف للغاية ولا يستطيع الجميع تحمل تكلفة هذه الدرجة. في عام 1971 سافرت لأول مرة إلى كراتشي بالدرجة الأولى، الإقامة عبارة عن مقصورة صغيرة مصممة لأربعة ركاب بأربعة أسرة، وهي عبارة عن سريرين من إطارين، أي سرير واحد فوق الآخر. أما النوع الثاني هو الإقامة على سطح السفينة بدون أسرة وفراش، وكان على الركاب إحضار الفراش، لا يوجد مكان معين، يجب على الركاب الإقامة أينما وجد مكان. بُنيت سفينة “دارا” في اسكوتلاندا عام 1948م.


أبحرت السفينة من دبي في 7 ابريل 1961 في رحلة العودة إلى الهند مروراً بمسقط التي كان متوقعا وصولها إلى ميناء مسقط الساعة الثانية بعد الظهر. في حوالي الساعة 04.30 صباحا من 8 ابريل 1961 (تحل اليوم الذكرى السنوية الواحدة والستون للحادث حسب التقويم الميلادي) وقع انفجار كبير في المحرك وبدأت سلسلة من الحرائق الكبيرة اثرت في كل الأنظمة الكهربائية وأنظمة القيادة وانتشرت النيران بسرعة بمساعدة من رياح العاصفة، أمر القبطان البريطاني اليسن Alison بإخلاء السفينة. شهد إطلاق قوارب النجاة حالة من الفوضى في البحر الهائج حيث وصف أحد الشهود انقلاب أحد قوارب النجاة المكتظة بسبب الأمواج العالية وغرق كل من كان على متنها. من حسن الحظ كان هناك عدة سفن في مكان قريب من الحادث منها ناقلة نفط نرويجية وسفينة شحن بريطانية والمانية ويابانية وكلها قدمت المساعدة للسفينة “دارا” وركابها. كانت نتيجة الكارثة وفاة 238 من أصل 819 شخصا كانوا على متنها بما في ذلك 19 ضابطا و113 بحارا. تم انقاذ 565 شخص. كان هناك عدد كبير من الجرحى مع معاناة الكثيرين من الحروق والتعرض للجروج بسبب تطاير شظايا معدنية، تم نقل الجرحى إلى مستشفى “أل مكتوم” بدبي وفتحت مراكز ميدانية في دائرة الجمارك لمعالجة الجرحى. (نقلاً عن: Fifty Years on the Tragedy of vessel MV Dara (2011), Gulf News). لقد قمت بترجمة المقال إلى اللغة العربية وأعتذر إذا لم تكن الترجمة معادلة تمامًا للغة الأصلية للمقال.


لولا وجود السفن المذكورة التي تطوعت لإنقاذ الركاب، لكان عدد الضحايا أكبر بكثير لأن الشركة الهندية البريطانية كانت غشاشًا تحمل الركاب دون مراعاة ما إذا كانت هناك مساحة كافية على متن السفينة لجميع الركاب حتى قوارب النجاة في كل سفن العاملة على خط الخليج لم تكن كافية لاستيعاب جميع الركاب في حالة الطوارئ، حتى الحكومات الخليجية لم تكن مؤهلة في تلك الفترة لوضع قوانين تتعلق بسلامة الركاب لأن بريطانيا التي كانت صاحبة السفينة مع الهند تدير شؤون معظم تلك الدول، والبريطانيون لم يسافروا على هذا الخط، فلماذا تضع القوانين؟ لا أتحدث عن من كان وراء حادثة كارثة السفينة، لكن الذي تسبب في الكارثة كان إنسانًا ولم يكن حيوانًا بلا عقل أو ضمير، فهل السفينة المدنية هي ساحة الحرب؟
في الأيام التالية ارسلت ثلاث فرقاطات بريطانية ومدمرة أمريكية لإطفاء الحرائق وسحبت السفينة “دارا” من قبل سفينة إنقاذ لكنها غرقت في الساعة 09.20 من يوم 15 أبريل 1961. يقع حطام السفينة على عمق 21 متر (69 قدم). يعتقد أن الانفجار قد يكون ناجما عن عبوة ناسفة وضعت عمدا من قبل مجموعة متمردة عمانية أو متمردين لا ينتمون إلى أي جهة. خلصت المحكمة الأميرية البريطانية بعد أكثر من عام من وقوع الكارثة أن لغم وضع عمدا من قبل شخص أو أشخاص مجهولين ومن شبه المؤكد أنه السبب في الانفجار. من المحتمل أن تفجير السفينة له علاقة بثورة ظفار. ومع ذلك فإن الطب الشرعي لم يثبت بالدليل أن عبوة ناسفة كانت السبب. (موسوعة ويكيبيديا).


تقع السفينة في قاع البحر وهي مأوى للأسماك، لكن بعض العمانيين ما زالوا يحتفظون باسمها، حيث وُلد شخص على ظهر السفينة في إحدى رحلاتها السابقة من البصرة، ومنذ ذلك الحين يُدعى (………. دارا). العمانيون المولودين قبل 1970 ليس لديهم شهادات ميلاد. أنا وحاجي دارا ما عندنا واحدة. لا يستطيع تغيير عمره كما يشاء لأنه مرتبط بالسفينة المنكوبة، بالنسبة لي يمكنني تغيير عمري تبعا للظروف وكل حالة ومزاياها. قالت لي سيدة إنك تبلغ من العمر 40 عامًا، لا استطيع أن أصدق ذلك، الا ترى الأوردة في رقبتك طالعة وهي دلالة على الشيب؟ اتقي الله، الا تصدقيني؟ أرني شهادة ميلادك؟ ما عندي. كانت على حق، كنت في الخامسة والسبعين من عمري.


حاولت جاهدا معرفة ما إذا كان الجرحى وأهالي الضحايا قد حصلوا على تعويضات. من بين الذين خاطبتهم، أحد الناجين، كانت تبلغ من العمر ثمانية اشهر فقط وقت وقوع الحادث وفقدت بعض أفراد عائلتها، فأجابت قائلة: “لا لم يتم تعويض من قبل شركة السفينة”. ورد أحد الكتاب: “فيما يتعلق بالسفينة أعتقد أن الشركة لم تعوض أحداً ولا أعتقد أن أحداً طالب بها، لأن الناس كانوا بسيطين، والشركة الإنجليزية الهندية كانت مخادعة، لكن أهالي الضحايا يمكنهم المطالبة الآن، هذا حقهم الذي لا يزول مع مرور الوقت”. أحد الناجين المرحوم حسن عبد الباقي اللواتي كان يقول أن ضحايا الهند حصلوا على تعويضات وأهل دول الخليج لم ينالوا شيئا، والله أعلم. آمل من خلال هذا المقال أن يغتنم أهالي الضحايا الفرصة للمطالبة بالتعويض، لا ينطبق قانون “السنتين”، أي أنه يجب على المدعي المطالبة بحق خلال عامين. كم عدد الحالات المشابهة لقضية سفينة “دارا”، تم منح التعويض بعد مئات السنين من وقوع الحادث. يوجد اليوم مكاتب محاماة، يجب على عائلات الضحايا التحدث إلى أحد المحامين في هذا الشأن. ولا أشك في أن مالك السفينة قد حصل على تعويض من شركة التأمين عن جميع الجرحى والضحايا. اليوم، إذا طالب ورثة الضحايا بحقهم، فسيحصلون على تعويض من طرفين من مالك السفينة، وهي حكومة الهند، الذي حصل على التعويض من شركة التأمين زايد الفوائد عن جميع السنوات التي لم يدفع تعويضات للمستفيدين. الطرف الثاني هو أيضا مالك السفينة يعتبر “سارق” في القانون وسيطلب منه دفع تعويض عن جريمته. ما أقوله هو الحقيقة الراسخة، لذلك يجب على ورثة الضحايا المطالبة بحقوقهم .


زارت عدة فرق استكشافية من الغواصين الأوروبيين السفينة المنكوبة ومن المرجح أنهم جمعوا العديد من الكنوز. في تلك الأيام، كان التجار يهربون الذهب والمجوهرات والمعادن النفيسة الأخرى من دبي لبيعها في كراتشي وبومباي، والتي ربما وقع معظمها في أيدي هؤلاء الغواصين الذين كان هدفهم من استكشاف السفينة المنكوبة هو البحث عن الثروة، ومن المعروف أنهم يستولون على ثروات المظلومين بهذه الطريقة.

نقطة أخيرة جديرة بالذكر. في عام 1962 كانت السفينة “دواركا” في طريقها من مسقط إلى جوادر. عادت السفينة في منتصف طريقها إلى مسقط بعد أن تلقى القبطان اتصالاً هاتفيا من وكيله في مسقط يبلغة بوجود قنبلة على السفينة. رست “دواركا” في ميناء مسقط مساءا. تم إنزال جميع الركاب. تم تفتيش السفينة بالكامل ولم يعثر على متفجرات. أبحرت السفينة إلى وجهتها في صباح اليوم التالي.
إلى كل ضحايا السفينة، الرحمة والمغفرة. إنا لله وإنا إليه راجعون.

صادق بن محمد سعيد اللواتي
ولاية مطرح – سلطنة عمان
6 من رمضان 1443هـ –
الموافق 8 ابريل 2022م