حينما رحل عن بيروت إلى مسقط عام 1955 لم تكن في أجندات رحلته حسابات مطرح المدينة التي سوف يلقي فيها عصاه ويستقر به النوى.
وطوال أيام رحلته الماراثونية المضنية التي أستغرقت عشرة أيام وهو ينتقل مع عائلته من مرفأ بيروت إلى دمشق ومنها إلى بغداد بالحافلة إلى البصرة بالقطار إلى عابدان عبر ” دواركا” السفينة التي قطعت مئات الألاف من الأميال البحرية خدمة لمصالح شركة الهند البريطانية The British India Navigation company limited
وهي تجوب عباب البحر من أقصاه لإقصاه مع أخواتٍ لها من قبيل ” دارا” و ” دمرا ” و ” ونجا بورا” و ” جايا لكشمي ” وعشرات السفن الأخرى وهو يرمق إلى زرقة البحر بأمواجه المتلاطمة عبر ” دواركا” لتصل به المحطة إلى فرضة مسقط في ” مغب” ليستعيد شريط رحلته وقد مرت لتتزود بالوقود في موانئ الكويت والبحرين ودبي فمسقط.
لم تكن مسقط بكل جمالها الآسر كباقي المدن من قبيل البصرة والكويت والبحرين و الدوحة و دبي فهذه المدن بحكم انفتاحها على العالم قد خطت خطوات نحو المدنية مع تدفق النفط ومسقط لم تزل وفي تلك المرحلة الزمنية تسكن هواجس الإنفتاح الذي تأخر ردحا من الزمن ففصول تنميتها إرتبطت بالصراعات وتدفق شرايين نفطها لم يكن قد كتب له التوفيق وقتئذ ليبدأ مع 1967 ومابين 1955 العام الذي حط رمزي رحاله في ” ولجات” في مسقط وسنة سريان النفط من سيح المالح إلى العالم الخارجي وفي مستوى الإنتاج التجاري فإن الفارق بين مسقط وبين عواصم تلك البلدان في مستوى النمو كان قياسيا.
وها قد بدأ مشواره مع الأستاذ علي القاضي مدير سعيدية مسقط الذي جاء قبله بعام واحد وبدأ مدرسا لمادة اللغة الإنجليزية ابتداءً حتى أمضى في التعليم خمس سنوات متواصلة سُنحت له فرصة أخرى بترقيته إلى ناظر ” مدير سعيدية مطرح” فقد إختاره الوالي إسماعيل الرصاصي بصفته مديرا للمعارف بالإضافة إلى مهامه.
جاء دور رمزي محمود مصطفى في إدارة سعيدية مطرح خلفا لمديرها المستقيل قاسم شاهين ” فلسطيني” وقد بدأت سعيدية مطرح عام 1959 من موقعها الأول في حارة الشمال وفي مبنى تحت مسمى بيت المنذري وعلى مبنى مقام على أرض تابعة للحاج علي عبداللطيف فاضل.
بدأ رمزي مهامه في نفس مدرسة السعيدية اليوم وقد أعيد بناؤها مع بدايات العهد الميمون للسلطان الراحل طيب الله ثراه.
ومن هذه المدرسة تخرجت أجيال من متعلمين كان للأستاذ رمزي أكبر الأثر في تنمية وصقل مواهبها.
لنتخيل بأن خريجي مدرسته ومع التحاقهم في المؤسسات التعليمية في الدول المجاورة كم كانوا متفوقين على أقرانهم.
وكم من خريجي مدرسته قد تبوؤا مواقع وظيفية عند تخرجهم مع دور المدارس الأهلية في مطرح في رفد قدراتهم فكلا التعليمين
لعبا دورا مكملا للآخر في آخر عشر سنوات من عمر التعليم في مطرح ماقبل العهد الميمون وفيما سبق فإن التعليم الأهلي قد أدى أعظم أدواره في التنمية البشرية على مستوى التعليم.
ظل الأستاذ رمزي أحد رواد التعليم ومشرفيه وأكمل دوره الريادي التعليمي عند تعيينه مديرا للشؤون الثقافية واليونسكو في وزارة التربية والتعليم وذلك في 1973.
مارس دوره في خدمة التعليم وهذه المرة عبر خدمته للجيل الملتحق بالتعليم العالي ” البعثات” فقد أرسى قواعد التعليم العالي من النافذة المطلة على فتح الفرص التعليمية لأبناء عمان في الخارج حيث التعليم الجامعي الذي تحتاجه عمان بإلحاح مع تلك الفترة الزمنية وقبل خطواتها في إرساء مشاريع تعليمية نشهد واقعها الملموس في حاضرنا.
عاش الأستاذ رمزي وعائلته في بيت ملاصق لمدرسته.
عاش بين أهالي مطرح كأحدهم.
وبقيت علاقته مع أبنائها كعلاقته مع أقرب مقربيه من الأساتذة الذين جاؤوا إلى مسقط ومطرح ليدرسوا في السعيديتين.
ومع عام 1976 رحل إلى الدوحة وعمل في إدارة تلفزيون قطر حتى عام 1993.
رجع إلى بلده ومسقط رأسه لبنان بعد قرابة أربعين سنة ليعيش أواخر أيامه في ربوع وطنه الذي تركه مبكرا وقد وجد مكان صباه وقد مزقته الحرب الأهلية وتقسم إلى ولاءات وأحزاب.
كان موعده مع ربه قد حان فسلم للباري روحه عام 1995 وهو بين أهله وعشيرته وأقربائه ، تركهم مبكرا وعاد إليهم شيخا أمضى سني شبابه خارج أسرته الكبيرة.
تلك هي شذرات من قصة معلم أفنى عمره في التعليم ومن أجل التعليم.