Image Not Found

التنوع اللغوي ودوره في تشكيل الهوية الثقافية العمانية

محمد الشحري – عُمان

قدمت الأسبوع الماضي ضمن فعاليات معرض مسقط للكتاب، مداخلة في إطار التراث الثقافي العماني غير المادي الواقع والمتطلبات، حملت مداخلتي عنوان «التنوع اللغوي ودوره في تشكيل الهوية الثقافية العمانية»، بمعية الباحثة في اللغة الكمزارية مكية الكمزارية، ورعاية من المديرية العامة للمعرفة والتنمية الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب.

يتمظهر التراث الثقافي اللامادي في كافة أشكال التعبير الشفوية المرتبطة بالأنشطة البشرية التي تمارسها جماعة بشرية معينة في أي مكان.

وقد سعت سلطنة عمان إلى صون التراث الشفوي وحمايته، نظرًا للتنوع الثقافي على الأرض العُمانية، ولفت ذلك الاهتمام أنظار الكتاب والأدباء العرب فعلى سبيل الذكر يكتب الروائي المصري صنع الله إبراهيم في روايته (وردة) «لحسن الحظ أن السلطان قابوس -طيب الله ثراه- فكّر في جمع وتسجيل هذا التراث قبل أن يندثر أمام زحف الفيديو والتلفزيون»، صنع الله نفسه الذي يقول في موضع آخر في الرواية ذاتها «خالجني انطباع بأن الخطوة الأولى للحضارة بدأت هنا وأن عُمان ربما كانت البوابة الأولى التي عبر منها الإنسان الأول».

اهتمت سلطنة عمان بالتراث الثقافي اللامادي عبر الممارسة والتشريعات، فانضمت السلطنة إلى اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في عام 2003، وبعد سنتين من صدر المرسوم السلطاني رقم 56/ 2005 بالتصديق على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، وبالتصديق تكون الدولة ملزمة بالاتفاقية، وفي العام 2019 صدر قانون التراث الثقافي.

وأهم المجالات التي يتناولها التراث غير المادي (العادات والتقاليد والأعراف وأشكال التعبير الشفوي، والفنون الموسيقية والفنون الشعبية، والممارسات الاجتماعية والطقوس الشعبية في الأفراح والأحزان والمناسبات الأخرى، الممارسات الاجتماعية والطقوس الشعبية في الأفراح والأحزان والمناسبات الأخرى، والمهارات المرتبطة بالحرف اليدوية، والمهارات والممارسات التي توارثتها الأجيال حول مفهومها عن الطبيعة والكون).

وقد نجحت سلطنة عمان في إدراج عدة عناصر ثقافية في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) وهي كالتالي (فن البرعة، فن العازي، فن التغرود -ملف مشترك مع دولة الإمارات-، وفن العيالة -ملف مشترك مع دولة الإمارات- وفن الرزفة، والفضاءات الثقافية للمجالس، والقهوة العربية، وماء الورد، والخنجر).

إن التنوع اللغوي في سلطنة عمان فريد من نوعه في العالم العربي، فهي الدولة العربية الوحيدة التي يُنطق فيها حوالي إحدى عشرة لغة ولهجة، وحتى اللهجة العُمانية تنفرد عن بقية لهجات شبه الجزيرة العربية (لهجات شمال الجزيرة العربية، اللهجة الحجازية، لهجة الجنوب الغربي) مثلما ذكر المستشرق البريطاني ت.م.جونستون في كتابه (دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية، ترجمة أحمد الضبيب)، أما اللغات الوطنية العُمانية فهي لغات سامية عربية جنوبية حديثة مثل «الشحرية والمهرية وما تفرع عنهما من لهجات أو لغات فرعية كالهبيوتية والحرسوسية والبطحرية، واللغة الكمزارية واللهجة الشحية، واللغة السواحيلية، واللغة البلوشية، واللهجة اللواتية، واللهجة الزدجالية».

وقد ساهمت هذه اللغات في تشكيل الهوية الثقافية العمانية ويظهر ذلك في أشكال مادية كالأزياء أو الأطعمة، أو في التعبير الشفوي المتمثل في لغة التواصل وفي الفنون والأشعار والميثولوجيا وغيرها.

أوجد التنوع اللغوي العماني في الشخصية العُمانية روح التسامح وقبول الآخر والتفاهم معه سواء في الداخل أو الغربة، فالفرد الذي ينتمي إلى مجموعات تتحدث بألسن مختلفة، واعتاد على سماع مفردات الآخر، يستطيع العيش بانسجام مع الآخر المختلف عنه في اللغة الأم، ويستطيع التفاهم معه باللسان الجامع -اللغة العربية، اللغة الرسمية للدولة.

إن التنوع اللغوي مصدر ثراء من الممكن استثماره في العديد من المجالات الفنية كالفنون الغنائية والأدائية، أو توظيف القصص والحكايات المنطوقة في الأدب والمسرح، مما يضمن استمرار التراث الشفوي وانتقاله عبر الأجيال، وهذه مسؤولية الناطقون بهذه اللغات للحفاظ عليها من الاندثار والنسيان، وكذلك استيعاب اللغات واللهجات لتحولات العصر وتطور أدواته، كما يمكن توظيف التقنية الحديثة في التسجيل والتوثيق، لحفظ اللغات المهددة بالانقراض، وتسجيل أصوات كبار السن، الذين لم يتأثروا بلغات أخرى.


  • محمد الشحري – كاتب وروائي عماني