تكثر التحليلات الاقتصادية فيما يتعلق بنظام “السويفت” SWIFT المالي العالمي، وعزل روسيا منه بسبب قرار غزوها لأوكرانيا. هذه القضية ليست جديدة على الساحة العالمية، خصوصا وأنها ما زالت تُمارس ضد بعض الدول المخالفة مع أمريكا والغرب. فهل يمكن أن يؤثر قرار عزل روسيا من نظام سويفت على علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول العالم؟.
الأمر ليس سهلاً، ولكن يبدو أن الحكومة الروسية قد أعدت نفسها لمثل هذا القرار، بل إنها عملت مع الصين لإنهاء نظام البترودولار منذ أكثر من عقدين من خلال وضع استراتيجية لمواجهة العقوبات وإخراج أي منهما من نظام سويفت. فهذا النظام يعني اختصاراً “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (The Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications)، حيث تعمل على تقديم خدمة المراسلات الخاصة بالمدفوعات المالية على مستوى عالٍ من الكفاءة بين المؤسسات المصرفية والمالية في العالم، وربط تبادل رسائلها وتقديم احتياجات العملاء الأجانب والمحليين. وقد تم تأسيسها في عام 1973 ببلجيكا وبدأت في تدشين خدماتها عام 1977. والنظام يتلقى أوامر العملاء من مختلف الجهات للتصديق عليها في حالات التسويات المالية والتحويلات النقدية بين العملاء تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات وعبر استجابة رسائل يومية بالمليارات.
الوضع في روسيا يختلف عنه في الدول التي تُحرّم من هذه الخاصية، حيث إنها تمتلك بنية تحتية مالية محلية للتحويلات خاصة بها بمسمى SPFS، الأمر الذي يقلل من التحديات والمخاطر التي ربما تتعرض لها في هذا الشأن. وباعتبار أن روسيا تعّدُ من الدول الرئيسة في إنتاج النفط والغاز للأسواق العالمية، فإنها سوف تعمل على تسريع التشغيل وتطوير نظامها المالي الخاص بها، في الوقت الذي نرى اليوم هناك انقساما أوروبياً حول اتخاذ الخطوة المضادة ضد البنوك الروسية في عملية التحويلات والمدفوعات المالية وإبعادها من نظام سويفت. والمعلومات التي ترد اليوم تؤكد أن روسيا سوف يكون لها رد فعل معاكس تجاه أوروبا من خلال اتخاذ قرار بإغلاق خطوط أنابيب النفط والغاز إلى أوروبا، في الوقت الذي تمكنت في الفترة الماضية من تكوين احتياطيات ضخمة من اليوان والذهب والسلع لمواجهة هذه المخاطر. فأي قرار مثل هذا سيؤدي إلى حصول اضطرابات كبيرة في الأسعار والإمدادات على مستوى الأسواق العالمية وخاصة الغربية منها. فروسيا منذ أمد بعيد تبحث وبالتنسيق مع الصين الطرق البديلة لمواجهة أية معضلة يمكن أن تنشأ من إخراجهما من نظام سويفت العالمي. فإذا تمكنت من اعادة تشغيل خطوط أنابيب النفط والغاز من جديد، فان التعامل سيكون بعملتها المحلية ومن خلال نظامها المالي الجديد. ونفس هذا الحال سينطبق على المتعاملين معها في شراء القمح والذهب والعملات وغيرها.
فالغرب يعلم جيداً مدى حاجته للغاز وأي نقص في ذلك يعني زيادة أسعار تلك المنتجات في الوقت الذي يمكن لروسيا أن تتصرف في تسويق ما لديها من المنتجات النفطية والزراعية مع دول صديقة لها من خلال التعامل بعملتها المحلية. وبذلك تؤدي هذه الخطوات إلى إضعاف النظام النقدي العالمي تدريجياً. ويتوقع بعض المحللين أن يكون منع روسيا من سويفت ضربة مؤلمة في بداية الأمر، ولكنها قادرة على التكيّف وتعزيز مصالحها لاحقاً مع عملها في إسقاط نظام البترودولار.