تفتقر الساحة المصرفية إلى المصادر العلمية التي تتناول أهمية القطاع المصرفي العُماني، والذي يعتبر من القطاعات الاقتصادية الحيوية والمهمة التي تعتمد عليها الدول في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. كما أن القطاع المصرفي يعتمد عليه كل فرد في المجتمع نظراً لأهميته في عالم المال والمصارف والائتمان والتحويلات والادخارات والإيداعات والعمليات المصرفية اليومية.
وصدور أي كتاب علمي بشأن القطاع المصرفي يعتبر إضافة جديدة للمجتمع وللمصرفيين العاملين، وللطلبة والباحثين في هذا الشأن، خاصة وأنه يُمكّن الطلبة من الحصول على مصدر علمي حديث، ومعلومات قيمة، تؤرخ الأحداث السابقة، وتتضمن المعلومات والإحصاءات والبيانات القديمة والحديثة، الأمر الذي يمكّن للباحثين من إجراء دراسات وبحوث علمية في مختلف المجالات التي تهم هذا القطاع.
ومن هنا جاء صدرو كتاب “48 عامًا في خدمة القطاع المصرفي العماني” لسعادة الأستاذ حمود بن سنجور الزدجالي الرئيس التنفيذي السابق للبنك المركزي العماني في هذا الشأن، والذي عاصر الكثير من الأحداث المصرفية وبما شهده هذا القطاع من تجارب شخصية للكاتب، وللتطورات والمستجدات في مراحله المختلفة.
الكتاب صادر عن مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، والإهداء موجه إلى جميع العاملين بالقطاع المصرفي العماني في الماضي والحاضر والمستقبل؛ حيث يؤكد الكاتب في عبارة الإهداء أنه “موجّه إلى جميع حماة المدخرات والثروات الوطنية وعماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد”. وقد استعرض الكاتب تجربته الطويلة في هذا المجال عند تدشينه الكتاب افتراضياً بمجلس الخنجي مؤخراً بوجود عدد من رجال الأعمال والمصارف والمال والأكاديميين، حيث استمرت جلسة الطرح والتساولات والنقاش لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، ركزت على العديد من القضايا التي تقوم بها البنوك المركزية في العالم، مع تسليط الضوء على القضايا المصرفية المحلية.
الكتاب يتضمن 4 فصول، ويؤرخ في البداية السيرة والمسيرة لتطور العملة العمانية الحديثة والبنك المركزي العماني من خلال التركيز على عصر النقود الأجنبية التي تم تداولها في عُمان من “البيسة السوداء”، إلى الريال النقدي الورقي.
ويشير الباحث إلى أنَّ التاريخ النقدي للسلطنة فيه الكثير من الأحداث خاصة قبل فترة السبعينيات، إذ لم يكن للبلاد عملة وطنية خاصة بها، وإنما مجموعة من عملات ورقية ومعدنية تكونت من القطع النقدية المحلية، وعملة الروبية الهندية المعدنية، ودولار ماريا تيريزا ومجموعة خاصة من الروبية الهندية الخليجية، بجانب الجنية الإسترليني كعملة التدخل للروبية الهندية والتي ظلت متداولة في عُمان حتى العام 1970. كما تشير الأحداث أن عملة “البيسة السوداء” النحاسية تعتبر أول عملة معدنية وطنية تم إصدارها في عهد السلطان فيصل بن تركي في عام 1311 هجرية، وقد تم سكها في دار سك العملة بمدينة مسقط. وخلال العقود الماضية شهدت مسيرة السلطنة الكثير من التطورات في هذا الشأن من تأسيس بعض البنوك الأجنبية في عمان، الأمر الذي دعا إلى إنشاء سلطة نقد مسقط في أبريل عام 1970، وبدء تداول الريال السعيدي، ثم إنشاء مجلس النقد العماني عام 1972 وصدور الريال العماني، وأخيراً إنشاء البنك المركزي العماني في أبريل عام 1975 بعد صدور القانون المصرفي العماني في الأول من ديسمبر عام 1974؛ الأمر الذي عزّز جهود الحكومة في الاستقرار النقدي.
أما الفصل الثاني للكتاب، فيتناول أهداف تأسيس البنك المركزي العماني ووظائفه والصلاحيات التي منحت له، وكذلك نهجه وفلسفته، بجانب التحديات التي واجهها البنك المركزي خلال السنوات الماضية. ويركز الفصل الثالث للكتاب على إسهامات البنك المركزي العماني في مسيرة التنمية وتعاملاته مع البنوك والمؤسسات التمويلية، والسياسات التي طبقها بشأن التراخيص لمواكبة التطورات التي يشهدها القطاع المصرفي كالامتثال للمعايير الدولية واتباع أفضل الممارسات، والاكتفاء بسلامة البنوك، والعمل بنسبة كفاية رأس المال، بالإضافة إلى متابعة قضايا السيولة والتمويل، والرقابة في البنوك ومعرفة مخاطر التعرض للقطاع المالي الداخلي، وأمور التوزيع القطاعي للائتمان وجودة الأصول، وكذلك السرية المصرفية، والامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والمحاسبة والتدقيق والمراجعات والمسؤولية الاجتماعية للمصارف والعملية الاستشارية. أما الفصل الرابع والأخير فهو يتناول تطبيق سياسة التعمين في القطاع المصرفي، والأنظمة والبرامج والمدخلات المحققة للتعمين في القطاع المصرفي بالإضافة إلى الاستنتاجات من خلال العمل المصرفي بشكل عام.
وظل الكاتب رئيسًا تنفيذيًا للبنك المركزي العماني لمدة 26 عامًا اعتبارًا من يونيو 1991 ولغاية سبتمبر 2017؛ كثاني أطول فترة رئيس تنفيذي لبنك مركزي، في حين بدأ عمله في هذا القطاع عام 1969، مؤكدًا- في كتابه- أنَّ القطاع المصرفي يعد عصب الاقتصاد الوطني في أي بلد، فيما تعتبر البنوك المركزية مؤسسات رائدة تتطلب إدارتها بشكل احترافي لتقوم بدورها المحفّز التنموي للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي للدول. ويشير في حديثه أيضاً بأن القطاع المصرفي في السلطنة تطور من أصوله المتواضعة إلى صناعة قوية وحديثة مكتبساً مكانة مرموقة في المنطقة والعالم، حيث نجح هذا القطاع ليشكّل قاعدة مؤهلة من الكوادر الوطنية التي باتت تدير وتقوم على 95% من مفاصل هذا القطاع الواعد.
ويشير الكاتب إلى أنَّه من يمن الطالع أن يتزامن صدور هذا الكتاب ومسيرة البلاد تزدان أملاً متجدداً وفق أهداف وأولويات وطنية، حيث حظيت بالمباركة السامية من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- باعتماد الرؤية الوطنية المستقبلية “عمان 2040” مدعوما باهتمام ورعاية سامية وبالغة لأهمية القطاع المصرفي ودوره الكبير في المرحلة المقبلة.
ويختتم الكاتب استنتاجاته في نهاية الكتاب مؤكداً قناعته التامة بأنَّ القطاع المصرفي العماني سيواصل إنجازاته وتحقيق مستويات أعلى من النجاح في إعداد موظفيه لخدمة هذا الوطن العظيم بأيديهم وعقولهم وقلوبهم، وتوصيل السلطنة إلى المكانة المرموقة بين دول العالم بفضل تمكين الإنسان العماني في كافة المواقع القيادية والإدارية والفنية والتنفيذية بالدولة.