Image Not Found

“لو يعود العمر”..مقال للشيخ السيابي عن وفاة الشاعر هلال العامري

Visits: 14

رصد-أثير

نشر الشيخ حمود بن سالم السيابي مقالا عن الشاعر الفقيد الشيخ هلال العامري الذي وافته المنية اليوم السبت.

وترصد “أثير” المقال للقارئ الكريم وتنشره بنصّه:

“لو يعود العمر” ليست أمنية لسنواتنا التي ذابتْ كأدمع الشّمع بل عنوان قصيدة جميلة لشاعر سمائلي يضفِّر المروج بالقصائد وينْحت الخيول على حصيات الوادي ويشعل في ليلنا القناديل الخضراء.

ولعل تنهيدة “لو يعود العمر” تليق بنا نحن الذين تفلت منا كل الأشياء الجميلة فتبارحنا مهما ذبحنا الشوق.

وتخذلنا المشاوير مهما استمتنا للعودة إليها وتتباعد المسافات الطويلة للوصول.

ولعل تعويبة “لو يعود العمر” في حساباتنا هي زفرات نقارع بها سيْف العمر ومع ذلك حتى التعويبات ستهزمنا ، وحتى الزفرات ستنتصر على الأمنيات.

أما الشعراء فلهم مع “لو يعود العمر” الكثير من الحقول والبيادر والمواسم والأعياد والبشارات.

عرفتُ صاحب قصيدة “لو يعود العمر” الشاعر الشيخ هلال بن محمد العامري في الصبا السمائلي لتقارب الأعمار.

وكبرنا معا ولكن القصائد كبرتْ معه وحده ، فكان شعر هلال العامري ضمن موسيقى بلدتي سمائل التي تحنِّكُ أطفالها بالقوافي وتهدهد مناماتهم ببحور الشعر ، فيندر أن يخلو بيت سمائلي من شاعر ينساب الوادي في قصائده وتتعرج السواقي إلى المقاصير.

ويندر أن لا تتعطر “روزنة” في البيت السمائلي من الدواوين فالشعر رحم بين السمائليين.

وكبرْنا فابتعدتُ عن الفيحاء إلى مطرح حيث قصائد أبي تشرق مع الشمس ، ونحملها للسطوح قناديل لليل “البندر” المشبع برطوبة البحر ، وأسرج الشيخ هلال العامري “الأميركان أير لاينز” إلى “دنفر” في “كولورادو”.

وكلما اشتاق العامري للوادي السمائلي حمل كشكول الجامعة إلى ضفاف نهر “نورث بلات”.

وإذا حنّ للشامخ السمائلي سرحت أيائله في جبال “روكي” الجنوبية لتتعانق القمم.

وإذا ظمأ لشعر جده لبيد بن ربيعة العامري أو تذكَّر نونية أبي مسلم البهلاني أو تعشّق الترنم بقصائد والدي وأمير البيان الخليلي وأخي هلال السيابي وأبي سرور وحبراس وقصائد البكريين أصاخ هلال العامري السمع إلى قصائد الكولوراديين “لورانس هارت” و”بيل تورنبول” و”ليليان وايت سبنسر” و”ليندا هوغن” وغيرهم وغيرهن من سنديانات “دنفر وصفصاف “أسبن فورت كولينز” وشجر تنُّوب “كولوارادو سبنغز”.

وكبرْنا فساقتنا الأقدار إلى وزارة الإعلام فكان التلفزيون هو المنبر الأليق بالشاعر الشيخ هلال العامري القادم من زلال الماء السمائلي والمعمد بماء “نورث بلات” أحد روافد نهر “ميسوري” الزاحف إلى “المسيسبي” فسكب العامري في التلفزيون ثقافته وأناقته وعذوبة قصائده.

ثم بعثرتْنا الحياة إلى وزارات ومؤسسات معظمها تليق به ، فكان في كل قطاع يدخله يضيف إليه لا يضيف له.

وكلما تجولت الكاميرا في قاعات الاجتماعات التي يحضرها كان لا بدَّ للعدسات من أن تطيل التوقف عنده بعد أن تنهي التطواف في قسمات علية القوم فتستريح مع كاريزما حضوره الباذخ.

وكانت الثقافة آخر محطات العمل وأطولها وأجملها ، ولعلها الأحب لديه سواء في المركز الثقافي أو النادي الأدبي أو المديرية العامة للثقافة إذ اتخذها حواضن لعشاق الحرف ، وبسطها جلسات سمر لقنديل الشعر ، فنَشْر الثقافة رسالة أملتها الفيحاء وأنضجتها “دنفر” و”مانشستر” و”ديوك”.

وظلَّتْ ضاحية القرم بمنطقة مسقط هي الحارة التي تجاورنا فيها ، فجمعنا المسجد ، وتكررنا في الدروب وثرثرنا ونحن ننتظر دورنا في صوالين الحلاقين وحفظنا وجوه الباعة في البقالات ، فكان الشيخ العامري بيرقاً للفرح وعطرا تتناوشه الزوايا والحنايا وقصيدة تشتهيها الدروب.

وكما كان هلال العامري لافتاً في الصبا السمائلي كان حاضرا وبقوة في الفعل الثقافي.

وكان من أخلص الخلصاء للشعر ، ولأجله ينتزع نفسه من الوجع ليحضر أمسية شعرية فيأخذ مكانه في المناسبة وهو ينزف.

ولأجل عيون القصائد يلتهم الدواء حتى لا يتسلط الأنين فيحرمه من ديمة تمطر في ليل مسقط.

وكان بين القلائل الذين لا يحضرون بكمة في المجالس الثقافية فهو على الدوام يتأنق بـ”مصارِّه” وحرير “دشاديشه” فيتخذ كامل زينته وكأنه على موعد مع رمز من رموز البلد فذلك استحقاق الشعراء.

وحين تختار المنظمة العربية للثقافة والعلوم “الألسكو” الشاعر الشيخ هلال العامري للاحتفاء به وتكريمه إنما تكرّم شاعرا عمانيا كبيراً وسادناً مخلصا في محراب الشعر وأباً لجيل من الكتاب وراعيا للثقافة.
وإذا ما مررتُ بعنوان قصيدته “لو يعود العمر” فإن لدي مبرراتي لأتحسَّر بينما الشاعر الشيخ هلال العامري يطل على زمنه بنفس الشموخ.

ولو عاد العمر بأبي ذي يزن العامري لكانتْ قافيته خضراء كشجر الموز الذي يطرّز ضفاف الوادي السمائلي ، وكاخضرار شجر التََنُّوب في كولورادو ، و”كالكتابة على جدار الصمت وكهودج الغربة وكقطرة في زمن العطش وكاستراحة في زمن القلق”وككل الروائع التي لم تزهر بعد بين دفتي كتاب.
“قصدنا الشواطئ وقت المواسم

وعدتَ الرجوع بمركب “جفني” و”لنش القواسم”
وقلتَ ستحضر كيس قرنفل
مقابل كل “جراب”
وعاد الجميع وصرت سراب
وخلفت طفلاً
وكل العذاب
وغبتَ كثيراً
وهذا زمان الإياب.