Image Not Found

د.سعيد العدوي: سلطنة عمان تمتلك كنوزا حرفية وتطويرها يوفر آلاف الوظائف

عمان: أجرى الحوار: خميس بن علي الخوالدي

تعلمت الأساليب الحديثة لصناعة الفخار في أمريكا.. ومركز الحرف اليدوية يقدّم دورات للمبتدئين والمتخصصين

قلة الاكتراث بالحرفيين الناشئين وتعدد جهات منح موافقات إقامة مشروعات حرفية أبرز التحديات

تولي الحكومة اهتماما كبيرا بالصناعات الفخارية وغيرها من الصناعات الحرفية وهذا الاهتمام له انعكاساته على ثقافة المجتمع العماني الذي ما زال متمسكا بهذه الصناعات ويتوارثها الأجيال جيلا بعد آخر وأصبحت أحد أهم الروافد التراثية المستوحاة من واقع البيئة العمانية إضافة إلى الرافد الاقتصادي… تساؤلات عديدة تدور في أذهان الكثير من المهتمين عن مكونات هذه الصناعة وأنواعها وزخارفها وتعدد أحجامها والخامات التي دخلت في تصنيعها وتاريخها والمعدات التي أدخلت لتسهيل وتطوير صناعاتها ونقل المعرفة والتكنولوجيا من مختلف بقاع العالم وتوطينها داخل سلطنة عمان وتأثير المنتجات الفخارية التي تصنع في الخارج على الصناعات المحلية… للرد على هذه الأسئلة حاورت (عمان) الدكتور سعيد بن عبدالله العدوي رئيس مركز الحرف اليدوية بمسقط، وفيما يلي نص الحوار:

ولاية بهلا من أشهر المدن العمانية في صناعة الفخار والتساؤل الذي يطرح نفسه لماذا نقلت مصنعك إلى محافظة مسقط؟

صناعة الفخار هي من الحرف التي اهتم بها أهالي ولاية بهلا منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وما زالت في تطور مستمر بفضل الحفاظ على هذه الصناعة من قِبل القائمين عليها وعنايتهم لناقلها من جيل إلى آخر، ومن هذا المنطلق كان لدي شغف بصناعة الفخار وتعلمت الأساليب الجديدة في صناعة الفخار في جامعة بورتلاند بالولايات المتحدة الأمريكية وتعاقدت مع العديد من الشركات في كل من بريطانيا وإيران وباكستان والهند والصين لجلب المواد والمعدات والتكنولوجيا التي تخدم في تطوير صناعة الفخار بسلطنة عمان، وبما أنني كنت أعمل بوزارة التربية والتعليم فقد تم نقل خدماتي من ولاية بهلا إلى محافظة مسقط عام 1994م وكذلك نقلت المعدات والأفران الكهربائية وأدوات صناعة الفخار معي لتأسيس مقر جديد في شارع النور بروي بولاية مطرح الكبرى، وتم تسجيل هذا النشاط لدى الجهات المعنية ليكون تحت مسمى «مركز الحرف اليدوية»، ويعتبر هذا المركز أول مؤسسة تزاول صناعة وتسويق صناعة الفخار بمحافظة مسقط، وفي عام 1996م تم التعاون مع وزارة التراث القومي (آنذاك) لتسويق منتجات الوزارة وأصبح مركز الحرف اليدوية أول مؤسسة خاصة تعنى بتسويق الأعمال اليدوية مع المنتجات الفخارية بسلطنة عمان.

مواد تصنيع الفخار

لقد ذكرت أن معظم مواد التصنيع التي تُستخدم من قِبل مركز الحرف اليدوية يتم استيرادها من خارج سلطنة عمان، ألا تتوفر هذه المواد في السلطنة؟

أهم المواد التي تدخل في صناعة الفخار هي التربة الطينية الفخارية وهذه التربة تعتبر من المعادن ومتوفرة في معظم محافظات سلطنة عمان وخصوصًا التربة الحمراء والتربة الخضراء اللتين تُعرفان محليًا بتربة الصربوخ وتربة المدر وكذلك تتوفر التربة البيضاء في كل من محافظات جنوب الشرقية والوسطى ظفار، وأما التربة السوداء فتتوفر في محافظة شمال الشرقية، وتحتاج تربة صناعة الفخار لتكون صالحة لتصنيع فخاريات بها ذات جودة عالية مثل ما هو متوفر بمركز الحرف اليدوية إلى معالجة مخبرية من قِبل جهات متخصصة وهذا ليس متوفر بسلطنة عمان حتى الآن، لذا يقوم مركز الحرف اليدوية باستيراد طين بمواصفات عالمية لتصنيع الفخاريات التي تتناسب مع متطلبات الزبائن بسلطنة عمان، وأما الألوان والأكاسيد لطلاء وتزيين الفخاريات بألوان خزفيات كذلك متوفرة بالسلطنة خصوصا في جبال ولاية بهلا وولاية نزوى بمحافظة الداخلية وولاية العامرات بمحافظة مسقط، وبما أن هذه المواد يسهل الحصول عليها من الخارج وبأسعار منافسة وبمواصفات دقيقة فيتم جلبها لتقليل تكلفة صناعة المنتج الخزفي العماني ويقوم مركز الحرف اليدوية باستيراد هذه المواد من الخارج لتسويقها ولاستخدامها في تزيين المنتجات الخزفية وفق رغبة الزبائن.

دخول التكنولوجيا

في الصناعة

يبدو لي أن منتجات مركز الحرفية اليدوية أخذت طابعا حداثيا أكثر من الطابع العماني التقليدي في بعض القطع الفخارية والخزفية، ألا يؤثر هذا على بصمة الفخار العماني؟

الاستراتيجية التي نعمل بها بمركز الحرف اليدوية هي نقل المعرفة والتكنولوجيا من مختلف بقاع العالم وتوطينها داخل سلطنة عمان وتمكين العاملين في مجال الفخار والخزف بالسلطنة والاستفادة من هذه المعارف والتكنولوجيا لتطوير أعمالهم ليتمكنوا من إنتاج أعمال فخارية وخزفية لها قبول بالسوقين الداخلي والخارجي وهناك العديد من العمانيين والعمانيات يستفيدون من الخدمات التي يقدمها مركز الحرف اليدوية والذين يصل عددهم حتى الآن لأكثر من 80 خزافا وخزافة، والعدد في تزايد مستمر، وكذلك من استراتيجيتنا أن نكون منفتحين في صناعتنا من الفخاريات والخزفيات بما يتناسب مع توجهات السوق، وهناك زبائن يرغبون في قطع فخاريات وخزفية لها طابعها العماني البحت وزبائن آخرون يحبون اقتناء قطع متطورة أو مستحدثة أو فريدة، لذا يمكن القول إن متطلبات السوق هي التي تُملي علينا ما يجب تصنيعه أكثر ممّا نقوم باستحداثه وابتكاره من قطع فخارية وخزفية من وقت إلى آخر.

تدريب المهتمين

حسبما علمت أنكم تقومون بتوفير المواد والمعدات والتدريب للمهتمين في صناعة الفخار، ألا تخشون من المنافسة؟

السوق العماني كبير ويصل ما تستورده سلطنة عمان سنويا من التحف والهدايا والأواني الفخارية والخزفية بما يزيد على 300 مليون ريال عماني، وحتى الآن تنتج سلطنة عمان من القطع الفخارية والخزفية في حدود مليوني ريال عماني، لذلك هناك فجوة كبيرة بين متطلبات السوق وحجم التصنيع المحلي، لذا فإن السوق العماني يتسع للكل وعلينا أن نعمل من أجل توسيع شريحة المصنعين العمانيين للمنتجات الفخارية والخزفية لسد أو تقليل الفجوة بين المنتجين المحلي والمستورد، وهذا يتطلب العديد من الإجراءات منها تدريب الكوادر العمانية وتوفير المواد التصنيعية من البيئة العمانية، وأعتقد أن تكوين مجموعة من الفخاريين والخزافين العمانيين سوف يسهم في رفد السوق المحلي أولا بالمنتجات العمانية وهذا يحتاج إلى إيجاد مؤسسات تعليمية وتدريبية لإعداد الكوادر العمانية على فنون الصناعات الإبداعية ومنها الفخار والخزف، وكان من المأمول أن تقوم بهذا الدور كلية الأجيال التي أمر بإنشائها المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- وتم تأجيل مواصلة تنفيذ هذا المشروع بعد وفاته، لذا يقوم مركز الحرف اليدوية بتنفيذ الدورات بمختلف فنون صناعة الفخار والخزف مع التركيز على الفن الإبداعي لأجل القدرة على المنافسة ويتم تشريب مهارات الفن الإبداعي من خلال التدريب على الإنتاج بالدواليب الكهربائية واستخدام القوالب الجبسية والنحت والزخرفة وفنون الحرق، ونعتقد أن كثرة الصناع تجذب كثيرا من محبي الفخار والخزف والزبائن من داخل وخارج سلطنة عمان وهذا هو ما ينعش الاقتصاد ليستوعب الجميع لنتعاون معا لتلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير إلى الخارج.

رفد الاقتصاد الوطني

هناك فجوة بين ما هو مستورد وما هو مصنّع محليا، برأيك كيف يمكن استغلال هذا الأمر في رفد الاقتصاد الوطني من صناعة الفخار والخزف؟

سلطنة عمان لديها كنوز من المنتجات الحرفية العمانية الأصيلة من القطع الفنية الفريدة في مختلف المجالات وخصوصا المنتجات الفخارية والجلدية والخشبية والنسيجية والحلي والمعادن الثمينة، وإذا ما تمت إعادة تصنيع هذه المنتجات وتطويرها فإنها سوف توفر آلاف الوظائف وفرص العمل لتقليل الفجوة بين المستورد والمصنّع محليا من هذه الحرف مع الاهتمام بمتطلبات الصناعة الإبداعية، ويصل عدد الحرفيين العمانيين لأكثر من 27 ألف حرفي وهؤلاء يحتاجون إلى مؤسسات تأخذ بأيديهم لصقل مهاراتهم ومساعدتهم في تطوير ورقي منتجاتهم وتقديم الدعم لهم في تسويق منتجاتهم داخليا وخارجيا، لذا يمكن أن تسد الفجوة في غضون السنوات العشر القادمة إذا ما تم النظر للصناعات الحرفية على أنها مصدر من مصادر الدخل الوطني والأسري والفردي وأن هذه الصناعات هي من عوامل جذب السياح وتنشيطها بدلا من النظر إليها على أنها تكلفة إضافية على ميزانية الدولة وهذا لا يتحقق دون قيام الدولة بالاستثمار في الصناعات الحرفية والنظر إليها على أنها من الصناعات الإبداعية والتي قد تتناغم مع جذب المهتمين بالسياحة والتجارة والتعليم، وبالنسبة لصناعة الفخار فهي في انتشار سريع بين الشباب والشابات، ونحن بدورنا نقوم بالتدريب من خلال المركز أو من خلال مدربين معتمدين لدينا ومعظمهم موجودون بمحافظة مسقط، ونسعى لتدريب آخرين من مختلف مناطق سلطنة عمان ليسهّل ويسرّع عملية إيجاد قاعدة عريضة من العمانيين في صناعة الفخار والخزف.

هل هناك جهات تدعم التدريب لتشجيع غير الميسورين للالتحاق بالتدريب لديكم؟

مركز الحرف اليدوية يقدّم دورات تدريبية في عدة مستويات ومنها للمبتدئين والممارسين لصناعة الفخار والمتخصصين أو الذين لديهم الخبرة لكن تنقصهم بعض المهارات ذات الصلة بصناعة الفخار أو الخزف مثل التشكيل والنحت وصناعة القوالب الجبسية والزخرفة بمختلف أنواع الألوان والطلاءات، ويحصل المركز على مبلغ رمزي من المتدرب، والأمر مقدور عليه بالنسبة للقاطنين في مسقط إلا أن المتدربين من خارج مسقط فإن الأمر بالنسبة لهم غير يسير، حيث إنهم قد يحتاجون إلى سكن وهذا يعتبر العائق الأكبر لهم في الالتحاق بالدورات التدريبية ولكن التنسيق قائم مع الخزافين الموجودين في مختلف محافظات سلطنة عمان للتعاون وتقديم التدريب لجميع الفئات.

40 % نسبة التعمين

أرى قطعا فنية لا مثيل لها في السوق، هل تم تصنيعها بالمصنع؟

نعم، جميع القطع الفخارية والخزفية التي تراها بالمصنع تم تصنيعها من قِبلنا، حيث يعمل بالمصنع 12 فردا نصفهم من العمانيين، وكذلك تشكّل نسبة العاملات بالمصنع حوالي 40% من العدد الإجمالي، ومعظم هذا القطع الفنية له بصمة من الزخرفة والمفردات الفنية العمانية كما هو الحال في «فناجين» القهوة والتي تتزيّن بنقوش طرف النخيل ويعود استخدام هذه المفردة الفنية من قِبل الفخّارين العمانيين إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهناك قطع فخارية عديدة نُعيد تصنيعها لأجل الحفاظ عليها وتذكير الأجيال الحاضرة بها وحفظها للأجيال القادمة ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- جر الحميس والعيناة، وقد قام مركز الحرف اليدوية بتوثيق القطع الفخارية التي كان أصحاب مصانع الفخار يصنعونها لمئات السنين في كتاب «فخار بهلا» لأجل إثراء المكتبة العمانية بالموروث العماني الأصيل، ويحوي هذا الكتاب أكثر من 28 صنفا من القطع الفخارية الفريدة ولكل قطعة تعريف شامل بطريقة تصنيعها والمواد المستخدمة والمقاييس الفنية وجوانب استخدام كل فخارية، ويصل عدد الأصناف من القطع الفخارية التي يتم تصنيعها بمركز الحرف اليدوية إلى أكثر من 300 صنف مثل الجحلة والخرس والملّة وأصناف مطوَّرة كالأواني المنزلية مثل الأكواب والأباريق والصحون والمجامر وأواني الطبخ بمختلف أشكالها وألوانها وأحواض الزراعة وتنانير الخبز وغيرها، وأصناف مبتكرة مثل التحف والهدايا والأدوات الصحية.

العقبات والتحديات

ما هي العقبات والتحديات التي يواجهها صانع الفخار والصناعات الحرفية بسلطنة عمان؟

يمكن تلخيص التحديات التي يعاني منها أصحاب الصناعات الحرفية بسلطنة عمان ومنهم مزاولو صناعة الفخار في النقاط الآتية: قلة الاكتراث بأصحاب الصناعات الحرفية الناشئة والنظر إليها على أنها صناعة قليلة المردود المادي، وتعدد الجهات التي تمنح موافقة إقامة مشروعات الصناعات الحرفية أو الاستعانة بخبرات مساعدة خارجية، وطول مدة الحصول على الموافقات، وتكبّد الحرفي نفقات مالية ليس بوسعه توفيرها، إضافة إلى عدم النظر إلى الصناعات الحرفية على أنها صناعات إبداعية في المقام الأول وكذلك تعزز العمق التقليدي والتراثي والاجتماعي بالقوانين المعمول به في الوقت الراهن، وفقدان المؤسسات المعنية بدعم الصناعات الحرفية مما يُشعر الحرفي بأن ليس له مرجع مؤسسي يستعين به، ورفع الضرائب وزيادة الرسوم وأسعار المحروقات أدت إلى قلة الربح أو الخسارة والانسحاب من المجال الحرفي.

دعم المشروعات الحرفية

كيف يمكن للجهات المعنية المساهمة في التقليل من هذه العقبات والتحديات؟

هناك العديد من الإجراءات التي يتوجب القيام بها لتعزيز وتشجيع الشباب للانخراط في المشروعات الحرفية ومنها الفخار والتي يقترح القيام بها من قِبل الجهات ذات الصلة وهي كالآتي: تبعية دعم المشروعات الحرفية ذات الطابع الإبداعي إلى جهاز الاستثمار العماني لكونه أعلى سلطة يمكن أن تسرّع في اتخاذ القرار، ومراجعة التشريعات ذات الصلة بالمشروعات الحرفية واعتبارها أنشطة إبداعية تجذب السياح وتعزز دخل الفرد وتُوجِد وظائف للعديد من الحرفيين والمبدعين، وإيجاد حزمة من الدعم (مالي، أصول، خبرات، مؤشرات السوق، تسويق، ضمانات مخاطر) للصناعات الحرفية، إضافة إلى إيجاد ضوابط زمنية لتقديم الخدمة من قِبل الجهات المعنية وإتمام الخدمات التي تقدمها الجهات المعنية بدعم المشروعات الحرفية، وتغيير الثقافة المترسخة لدى بعض متخذي القرار الذين يرون دعم المشروعات الحرفية على أنها تكلفة على المجتمع واستنزاف لموارده إلى الثقافة التي ترى أن المشروعات الحرفية هي مشروعات إبداعية ومصدر لميزة التنافس ومصدر للثروة، وإيجاد مؤسسة تعليمية تعنى بالصناعات الحرفية ويمكن الاستفادة في ذلك من وثائق وأصول كلية الأجيال لأنها تتمحور حول هذا التوجه، وأهمية أن يكون النداء للتوجه نحو الاهتمام بالصناعات الحرفية من أعلى الجهات بسلطنة عمان.
https://www.omandaily.om/عمان-اليوم/na/دسعيد-العدوي-سلطنة-عمان-تمتلك-كنوزا-حرفية-وتطويرها-يوفر-آلاف-الوظائف-782695