بلد كان صغيراً وفقيراً ، وذا عدد قليل من السكان واقتصاد ضعيف وسوق ضعيف، وأغلبية سكانه غير متعلمين، ولا يزال عدد سكانه حوالي خمسة ملايين نسمة.
قرر في ليلة وضحاها أن يكون متفرداً في اقتصاده وتعليمه ورفاهيته، فوقفت المنظمات الدولية الاقتصادية مندهشة أمام تجربته التي ما تزال تدهش العالم، بلد حقق نمواً اقتصادياً واجتماعياً معاً، فصار الفرد فيه من أكثر أفراد دول العالم دخلاً وتعليماً ورفاهية؛ إنها سنغافورة!.
لي كوان رائد نهضة سنغافورة، اعتمد في تجربته الاقتصادية والاجتماعية الرائدة على الآتي حسب الخبراء والباحثين في التجربة السنغافورية :
- إنشاء مجلس التنمية الاقتصادية لتنمية الاقتصاد والإشراف عليه (رسم السياسة الاقتصادية للبلاد والسير عليها)
- العمل على إيجاد أنشطة تصنيعية وتصديرها للخارج بسبب ضيق السوق المحلي، أي جعل البلد منصة تصدير وورشة لتصنيع المنتجات لحساب الشركات الدولية، صناعات مبنية على الثورة المعرفية وعالية التقانة.
- السيطرة الصارمة للدولة على الاقتصاد والتحكم في الأسواق المحلية والمؤسسات الرئيسية، وتعبئة الموارد الاقتصادية لتحقيق أهداف التنمية الأساسية مثل زيادة الوظائف، وامتصاص فائض العمالة، وتسريع عملية النمو الاقتصادي.
- تحرك القطاع الخاص وفق إرشادات الحكومة وتوجهاتها، مما جعله يشكل مع نظيره الحكومي أداة فعالة لتحفيز عمليات النمو الاقتصادي ودفعها إلى الأمام، فالتجار والصناعيون يملكون حرية الإنتاج والتسويق مع ضرورة الانسجام والتواؤم مع توجهات السياسة الاقتصادية للحكومة.
- إنشاء مجلس وطني لنقابات العمال “فكل شركة سواء حكومية أو أهلية تشكل نقابة”، ويشمل نشاط المجلس الوطني الخدمات الصحية والاجتماعية والترفيهية للعاملين، وبذا سارت الحكومة في اتجاهين؛ التنمية الاقتصادية بالموازاة مع التنمية الاجتماعية للمواطنين.
- إنشاء المجلس الوطني للأجور، وفيه ممثلون من الحكومة ورجال الأعمال ونقابات العمال، ودورها مراجعة الأجور واتجاهات الاقتصاد.
بهذه الخطوات تسارع النمو في الاقتصاديات الصناعية، وتمثل الاقتصاد السنغافوري في جلب الاستثمارات وتوسيع قاعدة الصادرات سواء الصناعية أو تجارة المستودعات بسبب موقعها الفريد وشبكة الموانئ والمطارات فيها وأتمتتها، نعم أصبحت السلع والخدمات تمثل 320 % من الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة في عام 2021.
أظن أننا في حاجة إلى هذا النوع من التخطيط الاقتصادي لتنفيذ رؤية عمان 2040 التي تعمل على النمو الاقتصادي والاجتماعي والرفاه لبلادنا.
إن التجربة السنغافورية، وتجارب دول شرق آسيا الناجحة، والاتحاد الأوروبي كلها تسير في هذا الاتجاه، وتتلخص في أن تقوم الحكومة برسم الاستراتيجية والسياسة الاقتصادية للبلاد، وتشرف على تنفيذها وتتابعها، ومع هذا لم تخرج عن مظلة الاقتصاد الحر، ولم يتهمها أحد بذلك.
*كاتبة وعضوة مجلس الشورى – [email protected]