تسعى دول العالم أول ما تسعى له، أن تبني مناهجها الوطنية، في جميع المجالات والمراحل، فالمنهج الدراسي هو الذي يبني الجيل الصالح للمستقبل، ويبني الولاء للوطن، ويبني الشخصية الوطنية القوية المتشربة لقيمها وأصالتها، وبالمناهج تراهن الدول على التصاق الأفراد بأوطانهم وولائهم له.
إن المنهج الدراسي هو خلاصة العمل التربوي في المدارس، وهو الآلية التي تتبعها الدول لبناء أجيال تدين بالولاء لأوطانها. وبالمناهج الوطنية في المدارس يبقى الفرد متمتعا بأصالته وقيمه، ولا يصبح غريبا متغربا عن هذه القيم أو عن وطنه.
من المعروف أن الدول الاستعمارية أول عمل كانت تلجأ له لدى احتلال الدول أن تقوم بتغيير المناهج الدراسية لتلك الدول كي تسلخ الأفراد عن أوطانهم، وتربيهم تربية تغريبية مشوهة تدين بالولاء للمحتل وليس للوطن. وهكذا يتقولب الأفراد على ثقافة وفكر المحتل ويتماهون معه ومع أهدافه، ويشاركون في تحقيقها وخدمتها والولاء لها.
إن مفكرين كبار كالدكتور هشام شرابي في كتابه “مقدمة لدراسة المجتمع العربي” يقرر أن المناهج الدراسية هي الخيار الأوحد لبناء الفرد العربي على كل الأهداف الوطنية والقومية، وبناء ورفعة العالم العربي وتقدمه وتطوره، وألا يبقى الفرد العربي ضعيفا ومقلدا وتابعا في ثقافته للآخرين.
إن شراء المناهج الدراسية بعد خمسين عاما من النهضة العمانية، لهي انتكاسة كبيرة، ففي الوقت الذي أصبحنا نملك فيه عددا كبيرا من خبراء المناهج الذين صرفت عليهم الدولة واعتنت بهم، وساهموا ببناء جميع مناهج التعليم الأساسي وتطوير التعليم، أصبحنا «نركنهم الآن على الرف» ونشتري المناهج بأسعار خيالية، ونرجع خطوات خطيرة إلى الوراء.
عادة أي منهج رسمي داخله منهج خفي وخطير، منهج يظهر تأثيره على الطفل والطالب يوما بعد يوم، فالمنهج الخفي: “هو تلك المعارف والقيم والأفكار والأنظمة التي يتعلمها الطالب داخل المدرسة بدون تخطيط من المنظّرين أو المديرين أو المدرسين”. وهذه أكبر خطورة تأتي من المناهج المشتراة مهما توبعت وروجعت، وتم تنقيحها.
إننا نعاني من تأثير وسائل التواصل، فقد أصبحت تربي الأبناء، فما بالنا إذا زاد على ذلك تأثير المنهج الخفي الذي لا نعرفه ولا نستطيع التحكم به، والذي تتضمنه المناهج المشتراة! يقول علماء التربية: إن تأثير المنهج الخفي قد يغلب تأثير المنهج الرسمي المعتمد، فيكون خفياً في مصادره وآليات تأثيره، لكن نواتجه تكون هي الأكثر ظهوراً للعيان، في المؤسسة التعليمية أو المجتمع بشكل عام.
ولذا يؤكد علماء التربية بقوة على أن تكون المناهج بأهدافها ومحتواها وأنشطتها وتقويمها متناسقة العناصر من جهة، ومتوافقة مع البيئة وحاجات المجتمع من جهة أخرى، وان تكون مبنية بخبرات تربوية وطنية.
والسؤال هل شراء المناهج من الخارج يتسق مع هذا التأكيد من التربويين، وهل يتسق مع أهدافنا الوطنية لتربية أجيالنا ؟