الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ النصف الثاني من العام 2014، دفع الحكومة إلى الاستدانة المُستمرة لتغطية العجز، ووصل العجز المتراكم إلى قرابة 20 مليار ريال عُماني في نهاية العام 2020. كلُّ ذلك دفع الحكومة لتطبيق “خطة التوازن المالي”، التي كان لها جانب إيجابي يُذكر وجانب سلبي لا يُنكر. في جانبها المالي، كانت للخطة تاثيراتها الإيجابية، وأدت مدعومة بتحسن في أسعار النفط والغاز إلى التقليل التدريجي للعجز ونمو الاحتياط النقدي إلى 18 مليار دولار أمريكي، وهو الأعلى منذ العام 2016 وفي حدود المستويات الآمنة لاستقرار الريال العماني، ويكفي لواردات ٩ أشهر، ومطابقة لتوصيات المنظمات الدولية، وترتب على ذلك تحسن في التصنيف الائتماني؛ حيث عدلت وكالات التصنيف الائتمانية نظرتها المستقبلية للسلطنة إلى “مستقرة” من قبل وكالة “فيتش موديز” و”إيجابية” حسب وكالة “ستاندر آند بورز”، كما أن تلك الوكالات ذكرت بأن تطبيق الخطة سيدفع إلى تراجع العجز إلى 1.6% من نسبة الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022.
الجانب السلبي يتمثل في الأضرار الناتجة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ أصبح واضحا أن الخطة بسبب تركيزها على الجانب المالي لم تكن كافية، وكان من الضروري أن تكون وسيلة وليس هدفا بحد ذاته، وأن تكون نتاجَ جهد مشترك بين جهات متعددة مثل وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة وترويج الاستثمار والسياحة والقطاع الخاص، وهي الجهات المعنية بجلب الاستثمارات والتنويع الاقتصادي وتحفيز الاقتصاد وتوليد فرص عمل، علمًا بأنَّ الخطة شددت على دور القطاع الخاص وزيادة جهوده لتوفير فرص العمل، مثلما هناك دور مفترض مماثل له في “رؤية 2040″، الخطة أيضًا أدت لرفع تكلفة الإنتاج والخدمات بسبب زيادة الضرائب المُختلفة منها ضريبة القيمة المضافة والرسوم على استقدام العمالة الوافدة وتخفيض الدعم من العناصر الأساسية المؤثرة على تكلفة الإنتاج؛ وبالتالي قللت من تنافسية عُمان، ومن القوة الشرائية، في الوقت الذي لم تقدم أي توجه واضح وقادر على القياس في كيفية تحفيز الاقتصاد وجذب الاستثمارات ومُعالجة مشكلة البيروقراطية القاتلة والمُؤثرة على جذب الاستثمارات أو إيجاد حلول للصعوبات التي يواجهها القطاع الخاص من الحصول على مستحقاته من الجهات الحكومية المتعددة ولمدد طويلة قد تصل إلى سنتين أحيانًا، وتأثر تدفقاته النقدية والمؤدية إلى الخسائر نتيجة دفعها الفوائد البنكية العالية، والزيادة الكبيرة في تكلفة الإنتاج، قللت أكثر من تنافسية عُمان وأثرت على أداء الشركات وربحيتها وإلى عدم قدرتها على التوسع في أعمالها لتوليد فرص عمل جديدة، بل إلى تقليص أعمالها وتسريح أعداد من موظفيها.
في ظروف الأزمات الاقتصادية، تبرز الحاجة لسياسات اقتصادية توسعية، ويوصي علماء الاقتصاد باستخدام أدوات السياسة المالية (الإنفاق الحكومي والضرائب) في وضع معاكس لسير الدورة الاقتصادية، فيزيد الإنفاق وتُخفض الضرائب في أوقات الركود، ويقل الإنفاق وتُرفع الضرائب في حالة النمو. وتستخدم الحكومات الأدوات المالية لدعم الشركات والنظم الاجتماعية في أوضاع الركود، مثل دعم الدخل وإعانات البطالة، وتقديم الدعم المالي المباشر لها. ولكن الوضع كان صعباً جدًا بسبب تراكم المشاكل والعجوزات المالية الكبيرة، والتي تتطلب الفهم وعدم تحميل العهد الجديد وزر الظروف الاقتصادية الحالية.
ولكن هناك إجراءات ووسائل أخرى تتمكن الحكومة من اتخاذها لتقليل الضغط على الشركات والموظفين، دون أن تتحمل أية تبعات مالية.فما هي؟
1- إذا كان صعبًا تعليق تحصيل رسوم تصاريح جلب العمالة الوافدة لفترة مُعينة أو على الأقل تخفيضها، يمكن تقليل مصاريف الشركات عن طريق التوقف عن أية زيادة في تلك الرسوم.
2- تقوم وزارة العمل بتقسيط المبالغ المدفوعة لمأذونيات العمل بأقساط ربع سنوية بدلاً من دفعها مرة واحدة لسنتين، هذا الإجراء سوف يساعد الشركات على تحسين تدفقاتها النقدية ويقلل من تحملها الفوائد البنكية.
3- بما أن نحو 10% من الشركات تقوم بتشغيل نحو 95% من العُمانيين، وتدفع الضرائب ولا تقوم ببيع المأذونيات أو جلب الموظفين وتأجيرهم لشركات أخرى، لذلك فإنَّ وزارة العمل ستقوم بعمل مشكور، لو تفضلت بمنح المأذونيات لتلك الشركات فور تقديمها ومن دون أي تأخير.
4- حتى صدور قانون العمل الجديد، تقوم الوزارة بتجميد العمل ببعض مواد قانون العمل الحالي وإجراء تعديلات عليه مثل:
أ- إعطاء الشركات حق إنهاء خدمات أي موظف قليل الإنتاجية أو مُخالف لقوانين الشركة حسب عقد العمل المُوقع بين الطرفين.
ب- تجميد الزيادة المفروضة في الرواتب بنسبة 3% سنويًا، وتكون الزيادة ونسبتها حسب تقييمات الشركة.
ج- بسبب صعوبة الحصول على مديرين عمانيين مناسبين للموارد البشرية وذوي خبرات كافية، يتم السماح للشركات بالاستعانة بالوافدين. مدير الموارد البشرية القادر والمتمتع بخبرات كبيرة سوف يُساهم بتدريب الموظفين العمانيين، الذين سوف يستفيدون باستمرار وتتحسن خبراتهم.
هذه النقاط سوف تشجع الشركات على تعيين أعداد أكبر من المواطنين وتساهم في رفع إنتاجيتهم وتحسين رواتبهم.
5- الإسراع في إصدار قانون العمل الجديد بعد إجراء نقاش مع القطاع الخاص. القانون الحالي قديم ولا يتناسب مع الأوضاع الحالية، ويؤثر سلباً على توظيف العمانيين.
7- وقف حظر الشركات المشار إليها أعلاه، حيث إن الحظر يضر الشركة في مجالات مختلفة ولا سيما هناك أمثلة عديدة على الأخطاء الكثيرة التي يرتكبها بعض موظفي الوزارة والتي تؤثر على أداء الشركة وتلحق الضرر بها. تتمكن الوزارة باستدعاء مسؤولي الشركة لإيجاد الحلول لأية مشكلة من خلال التفاهم والحوار، حظر الشركة يسبب عواقب على الموظفين أنفسهم وعلى أطراف أخرى.
8- توسيع أنواع المهن والتوقف عن منع مهن مُحددة من الاستقدام لأن ذلك يؤدي إلى التحايل وبالتالي إلى إحصاءات غير دقيقة.
9- إيجاد نقاش بين الجهات الحكومية المختلفة والقطاع الخاص لأخذ رأيه في القرارات والإجراءات المؤثرة على أدائه وعلى مجمل الوضع الاقتصادي والمالي.
10- التنسيق مع مصلحة الضرائب لتقسيط مبالغ الضريبة على 6 أو 4 أقساط بدلاً من دفعها مرة واحدة.
11- يقوم البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة التي تتقاضاها البنوك سواء على القروض أو التسهيلات البنكية المقدمة، كما يقوم بضخ السيولة النقدية للبنوك وبنسب أرباح متدنية، إذا اقتضت الحاجة .
12- يوافق البنك المركزي على تخفيض البنوك احتياطيها القانوني لزيادة السيولة المالية لديها إذا كان ذلك ضروريا، ولمدة زمنية معينة حتى تعود الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها.
13- تقوم البنوك وبالتنسيق مع البنك المركزي بالسماح للشركات بتأخير سداد القروض وإعادة جدولتها بحيث تكون الدفعات أقل، بسبب ضعف القوة الشرائية وانعدام المشاريع ومغادرة مئات الآلاف من الأشخاص إلى خارج البلد.
14- الأصل في ضريبة القيمة المضافة أن تُدفع وقت بيع المنتج. في الوقت الحاضر يتم استلام كافة المبالغ عند نقل البضاعة من الميناء، وقبل بيعها الذي يستغرق وقتا طويلا وربما إن بعضها لن يتم بيعها بسبب عدم صلاحيتها للبيع. وبما أن المبالغ كبيرة ومتوالية فإنها تؤثر على التدفقات النقدية للشركات وتكلفها فوائد بنكية كبيرة وتؤثر سلبا على أرباحها، ويُقترح القيام بالخطوات التالية:
أ- تأجيل الضريبة لحين بيع البضاعة أو جزءٍ منها واستلام الشركات للمبالغ.
ب- يتم دفع نسبة 10% من المبلغ الكلي وقت تخليص البضاعة، ودفع نسبة ال90% الباقية على 12 قسطا شهريا.
15- يوصي مجلس الوزراء الموقر كافة الجهات الحكومية بضرورة دفع مستحقات الشركات في فترة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ تقديم الفواتير .
16- القضاء على البيروقراطية عن طريق قيام مجلس الوزراء الموقر بإصدار تعليمات واضحة لكل الوزراء والوكلاء ورؤساء الوحدات الحكومية المختلفة بالاجتماع بمديري العموم والمديرين وهم بدورهم يجتمعون بكافة الموظفين الآخرين، وإبلاغهم بالسياسات التي يجب اتباعها لتبسيط المعاملات وتقديم كل المساعدة للمراجعين والشركات، وأي تهاون سوف يتم مواجهته بسلسة من الإجراءات التأديبية ابتداءً من رسالة تحذير للموظف مرورا بالخصم من راتبه ووصولاً إلى إنهاء خدماته، ويكون ذلك مدعوما بنص قانوني، وأن تقوم كل وحدة حكومية بتحديد الفترة الزمنية المعقولة لإنجاز أية معاملة، وإذا لم يقم الموظف المحدد بإكمال الإجراءات في حدود تلك الفترة يتم مساءلته عن السبب، وإنزال العقوبة بحقه.
المُعطيات الاقتصادية أيضًا تستدعي البدء بطرح حزمة إجراءات تحفيزية جديدة تسهم في تحقيق الإنعاش الاقتصادي حتى تشعر الشركات أن الحكومة مهتمة بها..الاقتصاد مكّون من قطاعات عديدة، فلابد من تذليل العقبات والتحديات أمام كل قطاعات وتنشيط الاقتصاد لمصلحة الجميع، وتوفير وخلق فرص العمل بحاجة لتحفيز الاقتصاد مع التدريب والتأهيل، لأن الواقع أظهر أنَّ أكبر تحدٍ ماثل أمامنا يتمثل في تدريب وتأهيل الشباب والشابات على العمل في كل الوظائف المتاحة وإكسابهم الخبرات العملية والحياتية والتي سوف تساعدهم على تحسين أجورهم.