ثمّة امتعاضٌ كبيرٌ لدى بعض الأفراد ورجال الأعمال وأصحاب المؤسسات والشركات الخاصة من البيروقراطية التي تمارسها بعض الجهات الحكومية والخاصة في إنهاء المعاملات المرتبطة معها في وقت محدد؛ الأمر الذي يكلّف المراجع وقتًا وجهدًا وعناءً، بجانب بعض الأضرار المادية التي تلحق به نتيجة التأخير في تخليص تلك المعاملات المطلوبة.
وبالطبع لا نستطيع تعميم ذلك على جميع المؤسسات الحكومية، وإنما وردت أسماء بعضها في الحوار الصريح الذي عقد بمجلس الأخ جميل بن علي سلطان، قبل أيام؛ حيث يرى البعض أنَّ التأخير في إنهاء المعاملات يُعزى في كثير من الأحيان إلى مِزاج الموظف، ومدى فهمه للعمل الإداري وقوانينه في المؤسسة التي يعمل بها، وكيفية تطبيق القوانين السارية بصورة واضحة، في الوقت الذي يتمسك فيه بعض الموظفين برأيهم دون وجود أي مبرر، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير المعاملة أو القائها في إدراج المؤسسة لفترة طويلة دون أي تعليق.
الحاضرون في تلك الجلسة يرون أن الذين يقومون بإنهاء المعاملات هم من صغار الموظفين، وهؤلاء بشر مثلنا ويمكن لهم مناقشة تلك القضايا مع من هم أكبر منهم قدراً في المسؤولية الإدارية في حال عدم التوصل إلى نتيجة إيجابية بين الطرفين، فيما يتطلب من المراجع أن يكون مستوفيا لجميع الشروط تجاه طلبه في الحصول على الخدمة المطلوبة.
ويحصل نتيجة لهذا التأخير، وللممارسات الإدارية الخاطئة من قبل بعض الموظفين أن يتوجه المراجع إلى طلب المقابلات أو الاتصالات مع مسؤولين كبار لإنهاء أعماله من خلال اتصالات خاصة لكي لا تبقى المعاملة لفترة طويلة لدى تلك الجهة، وتنتقل من طاولة إلى أخرى دون أي نتيجة إيجابية نهائية.
إن مرض البيروقراطية أصاب الكثير من المؤسسات العربية، وليست السلطنة الوحيدة في الأنظمة العربية التي تعاني من هذا الداء، خاصة في مجالات العمل اليومي، الأمر الذي ينتج عنه عرقلة الأمور وزيادة معدلات الفساد والرشوة واللعب تحت الطاولة، وبالتالي فإنَّ التأخير في إنهاء المعاملة يترك آثارًا سلبية على مجمل العمل اليومي، ويؤثر بصورة مباشرة على التنمية في البلاد. وهذه القضايا تتطلب وجود أنظمة إدارية ورقابة ومساءلة وحوكمة لتلبية مطالب المراجعين، خاصة إذا كانت مستوفية الشروط، وضرورة توزيع السلطات الإدارية، وتحديد الصلاحيات لهم بحيث يتمكن الجميع من الحصول على مبتغاهم في الوقت المناسب؛ فالموظف الذي يتم تعيينه في المؤسسة عمله هو أن يؤدي الخدمة العامة الناس، وألا يستخدم الأسلوب الانتقائي في المعاملات التي يتقدم بها المواطنون له.
واليوم فإنَّ كل الخوف هو أن تؤدي البيروقراطية إلى تفشي زيادة معدلات الفساد في المجتمع، حيث يحذّر منه الكثير من المواطنين بضرورة الإسراع في تنفيذ مطالب الناس في الوقت المناسب، وضرورة اختيار الموظفين لوضعهم في المكان المناسب، وأن تكون لديهم الصلاحيات الكاملة خاصة الطبقة الإدارية السفلى، وألا تقتصر هذه المسؤوليات على الإدارة العليا في الهرم الإداري فقط، لأن ذلك يعطي الفرصة للصغار بالفساد في إنهاء المعاملات. اليوم تحظى البيروقراطية باهتمام جميع المؤسسات والأفراد خاصة في هذه الظروف التي تتنافس فيها الدول في جذب الاستثمارات الأجنبية. فهي مرتبطه ارتباطا كبيرا بمصالح الناس وشؤونهم اليومية. وعلاج تقويم المؤسسات في محاربة البيروقراطية تكمن في تعزيز أساليب الرقابة والمحاسبة والتدقيق في وجود الكثير من البرامج الإلكترونية التي يمكن أن تقلل من أساليب البيروقراطية في العمل اليومي.
في ظل السياسات الاقتصادية الجديدة التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز مفهوم التنويع الاقتصادي، يتطلب من المؤسسات الرسمية مسايرة الواقع الجديد والقضاء على التعقيدات لكي يتمكن المزيد من العمانيين الحصول على الأعمال في المؤسسات والشركات الخاصة، في الوقت الذي نعلم جيدا بأن المؤسسات الحكومية عاجزة عن توفير المزيد من الأعمال في المؤسسات المدنية. والقطاع الخاص في أية دولة هو الذي يتجه دائماً نحو الإنتاج والتعامل مع المؤسسات العالمية في الخارج، واستقطاب العمالة المحلية والوافدة لتشغيل المؤسسات وتوفير فرص العمل. ومن هذا المنطلق، على الجهات المعنية إجراء التغييرات السريعة على أجهزتها وإصلاحها لتحريرها من البيروقراطية التي تحد من كفاءة الأفراد والمؤسسات، وإيجاد جهاز إداري يتمتع بالفهم والكفاءة والإنتاجية بعيدا عن أساليب البيروقراطية ليتمكن الجميع من تحقيق الأداء الجيد الذي يتوجب القيام به مع الرؤية المستقبلية “عُمان 2040”.