عُمان: كتبت – بشاير السليمية
أقام بيت الزبير يوم الإثنين جلسة حوارية بصحبة الكاتبة بشرى خلفان، حول روايتها الأخيرة “دلشاد”، وجاءت الجلسة بعد رحلة المشي تتبع فيها المشاركون خطى دلشاد ومريم في حارات مسقط ومطرح. وقالت بشرى معلقة بعد رحلة المشي: “المشي في أثر دلشاد منهك ولكنه لذيذ”. وقد سار المشاركون في الأماكن التي حدثت فيها أحداث الرواية في زمن مضى ما مكنهم من قراءة الرواية بعين أخرى وطريقة مختلفة.
وبدأت الأمسية بحفل توقيع رواية دلشاد في مسرح بيت النهضة بمؤسسة بيت الزبير، تلاه عرض فيديو توثيقي للرحلة، قبل بدء الجلسة الحوارية التي أدارتها منى بنت حبراس السليمية. وقد وشارك الفنان جهاد الرئيسي بغناء وصلات غنائية باللغة البلوشية تعكس روح الرواية التي حفلت بالأغاني البلوشية، في استحضار حي للموروث الفني الجميل.
وقد افتتحت الجلسة الحوارية بسؤال طرحته منى السليمية عن الحد الفاصل بين المكان في الواقع، والمكان التخييلي في الرواية؟ فقالت بشرى خلفان: إن الكاتب لا يستطيع أن يكتب المكان كما هو، فضلا عن الكتابة عن مكان في زمن مضى لم يعش فيه، لذا فإن الكتابة عن مسقط ومطرح تطلبت العودة إلى مصادر مساندة ووثائق وصور قديمة، بالإضافة إلى الذاكرة الشخصية وذاكرة سكان مسقط ممن أعرفهم وقابلتهم. الاشتغال على المكان في مسقط تطلب جهدا ميدانيا بدأ قبل الشروع في الكتابة بسنة أو سنتين. وأضافت: إن مسقط القديمة لا وجود لها إلا في الوثائق، بعد إزالة كثير من الآثار القديمة من المدينة.
وطرحت السليمية سؤالا عما إذا كان مشروع بشرى الروائي يقوم على مقاومة فقدان ذاكرة المكان؟ فقالت بشرى: إن المكان يشكل هاجسا بالنسبة لها، وإنها منذ “غبار” ثم “الباغ” وصولا إلى “دلشاد” كانت معنية برسم مسقط وتفاصيلها، وقالت: “أظن أنني أريد أن أفعل ذلك بتنويعات في الشخصيات والألاعيب السردية”.
وحول نجاحها في عدم الوقوع في فخ التكرار، حيث إن الباغ ودلشاد تدور أحداثهما في مكان واحدا غير أنهما عالمان مختلفان، تشير الكاتبة إلى أنها متورطة حتى النخاع بعشق مسقط، وأنها على الرغم من هذا تحرص على ألا تقع في هذا الفخ، وأنها تراجع نفسها كثيرا ومتى ما شعرت بالتكرار تتوقف عن الكتابة، وأن لها جرسا داخليا ينبهها لذلك إضافة إلى الأصدقاء الذين تعرض عليهم ما تكتب ويخبرونها بكل صدق ما إذا كانت تكتب جديدا أو لا، وهي تثق كثيرا بآرائهم.
وعرجت السليمية إلى سؤال عن أهمية أن يعرض الكاتب نصوصه قبل النشر على عدد من القراء الموثوق بهم، وأشارت إلى أن بشرى خلفان من الكتّاب الذين يعترفون بفضل القارئ الآخر في تجويد العمل قبل النشر، وخصت بالذكر الروائي زهران القاسمي، ووليد النبهاني، مشيرة إلى أن عملية التحرير مهمة جدا، وأن الكاتب لا يمكنه أن يكتفي بنفسه، فلابد من عين أخرى ترى النص من زاوية مختلفة.
وطُرح السؤال عن الأغنيات البلوشية التي رافقت النص، وكيف استطاعت بشرى أن تجمع هذا الموروث وتمزجه ضمن القالب الروائي، وهي لا تعرف اللغة البلوشية؟ فقالت إنها كانت تستعين بصديقاتها، وتسجل عنهن الأغاني وتدوّنها كما ينطقنها، وحاولت أن تكتب ترجمة كل أغنية، ولكنها في كثير من الأغنيات لم تعرف ترجماتها فكتبتها كما هي.
وطرحت منى السليمية سؤالا عن ظاهرة جديدة بدأت تشكل منذ رواية “الباغ” وتكرست مع رواية “دلشاد”. ظاهرة تجسدها بشرى خلفان ولم يسبق للمشهد الثقافي في عمان أن شهدها، وهي ظاهرة “الكاتب النجم” العابر للأذواق والشرائح، فكيف استطاعت بشرى خلفان أن تصل إلى هذه الميزة من دون أن تتنازل عن معيار الجودة؟ فقالت بشرى: إنها تحذر كثيرا من مصطلحات من قبيل “الكاتب النجم” والبست سيلر” لأنها توحي بالكتابة السهلة. ولكنها تعتقد أنها كاتبة مجتهدة، تكتب للناس من دون أن تخضع لاشتراطات ما يريده الناس، ولكنها كذلك تعوّل على هذا الجيل من القراء الذي هو نتاج الانفتاح، والتعليم، وأن رأيه مهم في الحكم على هذا العمل أو ذاك.
وختمت السليمية الجلسة بطرح تصورها الخاص عما وعدت به بشرى في خاتمة روايتها أن هناك جزءا قادما سيكون عن “سيرة الشبع”، وقالت منى حبراس السليمية إنها لا تتصور وجود سيرة للشبع لاعتبارات ثلاثة، وهي: عنوان الغلاف الفرعي الذي يقول” سيرة الجوع والشبع” ما يعني أن الشبع مضمنا في الرواية نفسها، يستشفه القارئ في الزمن الحاضر وهو يقرأ عن الجوع في زمن مضى، أما الاعتبار الثاني، فهو إذا كانت تسهل الكتابة عن الجوع والحزن والألم، فليس من السهل الكتابة عن الفرح والشبع والرخاء، أما الاعتبار الثالث الذي ساقته السليمية، فهو أن الرواية برمتها عمل تخييلي، وأحداثه من صنع خيال الكاتب، ونحن القراء نعرف أن هذا وقع في خيال القارئ، فكيف نأتي على العبارة الأخيرة ونصدقها، ومن يصدق الروائيين.
وقد استحسنت بشرى خلفان هذا التخريج واعتقدت أنه مريح لأنه يعفيها من الإجابة على سؤال القراء الملح عن سيرة الشبع، ولكنها وعدت الحضور بأن جديدها سيأتي ولكن ليس قبل عام 2024م.
وقد صادف اقتفاء أثر الرواية السبت، حيت تجول المشاركون في أرجاء لوغان، وحارة الراوية وشاهدوا برجها الذي كان يحرس الآبار قديما والذي كان يعمل أهلها في عتالة المياه والسوق، وعاش المشاركون أجواء الرواية وطفولة دلشاد وما حليمة وهي تراقبه بنظراتها مارا أمامها تابعا أمه فضيلة بنت بطي. وزار المشاركون طويان العلويات التي يستقى منها الماء، وتعرفوا إلى جانب ذلك على جبل أبي الشقص، وحكاية النذور والنساء اللاتي يجرّن الخطى إلى هناك من أجل النذور. وتوقفوا عند معبد شيفا، وزريبة البانيان التي كان دلشاد يرعى الأبقار وينام فيها، وساروا حتى الباب الذي يربط السوق الداخلي والخارجي مقتربين من ولجات التي أودع فيها دلشاد ابنته مريم عند بيت لوماه. وزار المشاركون بعد ذلك سور اللواتية، وتعرفوا على محطات تاريخية منه، ودخلوا المآتم واستمتعوا بفنون العمارة وهندسة البيوت والسكك الضيقة.
والجدير بالذكر أن بيت الزبير قد أعلن عن المشروع القادم في سلسلة “في أثر المعنى” وهو المكان في عوالم حمود سعود السردية، ولحمود مجموعة إصدارات مرتبطة بالمكان، وهي: أحلام معلقة على جسر وادي عدي، وغراب البنك ورائحة روي، وغيرها من الأعمال السردية.