التقارير العالمية تُؤكد أنَّ الشركات والمؤسسات التي تستمر في استخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة في العمل اليومي، أصبح لديها إنتاجية أعلى من الشركات التي تستخدم أدوات قديمة في المُعاملات التجارية وغيرها، وبذلك تدر لنفسها أرباحًا كثيرة.
آخر التقارير بهذا الصدد صدر عن مؤسسة التمويل الدولية في الأول من ديسمبر الجاري بهذا الخصوص ويعنى بالتطورات التي حدثت في بعض دول أمريكا اللاتينية والتي هي قريبة في أعمالها التجارية في المنطقة الخليجية. وكما هو معروف فإنَّ مؤسسة التمويل الدولية (IFC) هي عضو في مجموعة البنك الدولي، وقد صدر عنها تقرير بعنوان “ريادة الأعمال الرقمية والابتكار في أمريكا الوسطى” على شكل دراسة تتناول النظام البيئي الرقمي في تلك المنطقة مع التركيز على عدة دول منها غواتيمالا، والسلفادور، وهندوراس وكوستاريكا.
فمؤسسة التمويل الدولية تقوم بين فترة وأخرى بإعداد دراسات عديدة حول القضايا التي تهم مؤسسات وشركات القطاع الخاص في العالم، بجانب التطرق للأمور التي تهم الحكومات فيما يتعلق بجوانب عديدة ومنها التقنيات الحديثة. وقد تم إعداد الوثيقة الأخيرة بالتعاون مع المركز الإقليمي لتعزيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر (CENPROMYPE)؛ حيث تكشف عن فرص التحول الرقمي في أمريكا الوسطى، والتحديات التي تُواجهها، وإمكانات هذه الرقمنة لجذب الاستثمار وخلق فرص العمل. ونحن في المنطقة الخليجية بأمس الحاجة إلى نتائج أية دراسة يمكن أن تستفيد منها المؤسسات الصغيرة في أعمالها اليومية، الأمر الذي يُساعد على توجيه المزيد من الشباب الخليجي نحو العمل الحر، وتشغيل وإدارة المؤسسات بأنفسهم، مع استخدام التقنيات الحديثة في العمليات الإنتاجية لهذه المؤسسات.
وقد تمَّ تقديم الدراسة الأخيرة برعاية معهد أمريكا الوسطى لإدارة الأعمال (INCAE)، فيما كانت نتائجها مشجعة وفق بيان مؤسسة التمويل الدولية التي أشارت فيه إلى أنَّ شركات أمريكا الوسطى تحرص على التحول إلى التكنولوجيا الرقمية، وترى التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية والروبوتات على أنها تحولات خاصة لشركاتها في العقد المقبل. كما يؤكد تقرير المؤسسة أن استخدام وتنفيذ العمليات التكنولوجية يعتبر مفتاح الأعمال في أمريكا اللاتينية؛ حيث تتمتع الشركات بتطبيق تلك التقنيات في عملياتها بإنتاجية أعلى وتدر المزيد من الأرباح، مع تناولها لبعض المقترحات للمؤسسات التي تريد الاستفادة من ذلك، مشيرة إلى أنه من أجل بناء نظام بيئي قوي لريادة الأعمال، فإنِّه من المهم زيادة التنسيق والمشاركة من قبل القطاعين العام والخاص في هذا الشأن لخلق بيئة مناسبة في تلك المعاملات، وإيجاد لوائح مناسبة لتسهيل الوصول إلى التمويل للشركات التكنولوجية، والشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تعمل في ريادة الأعمال.
الكل يعلم أنه بعد انتشار جائحة “كوفيد-19” في العالم، دفع الوباء المزيد من المؤسسات في التحول نحو التكنولوجيا الرقمية، ولكن هذا الأمر غير متاح لجميع الشركات والمؤسسات الصغيرة في العالم نظراً لقلة الموارد والإمكانات الفنية والبشرية لدى الكثير منها. إلا أنه من المهم العمل مع القطاع المالي لتعبئة الأموال والأدوات المبتكرة. وفي هذا الصدد تقول سناء أبوزيد المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية في أمريكا الوسطى إن القطاع الخاص- وخاصة الشركات الصغيرة- يمكن لها توجيه مسار الثورة الرقمية من خلال تبني مفاهيم هذا التقرير ومساعدتها في توجيه مسار الثورة الرقمية لديها في المنطقة التي تعمل فيها.
ويرى أصحاب المؤسسات أنه من الضروري الاستفادة من الآليات والتقنيات لإبراز وتعزيز الجهود والبرامج والإجراءات المؤسسية الهادفة إلى إعطاء قيمة مضافة لإنتاج المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مع الأخذ في الاعتبار العمليات التي تسمح بتوليد منتجات أو خدمات جديدة، أو تحسين الإدارة أو العمليات التنظيمية، أو تحسين استراتيجيات التسويق، وهذا ما يجب التركيز عليه في الدورات التدريبية التي تعطى للشباب الداخل إلى سوق العمل في منطقتنا الخليجية ليستوعب هذه المفاهيم وينطلق بصورة صحيحة، مع تسهيل مهام المؤسسات التي تقدم الخدمات لصغار التجار دون عرقلة أمورهم اليومية، وعدم الاستعجال عليهم لتحقيق جميع المستلزمات في وقت واحد، مع إعطاء فرصة لهم لتنفيد جميع المتطلبات الرسمية تدريجياً وليست دفعة واحدة.
هؤلاء الشباب ما زالوا يفتقدون الكثير من المفاهيم، بجانب البيروقراطية التي يمارسها البعض للوصول إلى التمويل اللازم لهم ونقص في المعلومات حول التقنيات، ومحدودية المهارات التكنولوجية للقوى العاملة، والافتقار إلى الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية التي تعزز التجارة الإلكترونية، وإلى إطار تنظيمي أكثر مرونة. هذه التحديات والحواجز تتواجد في المنطقة الخليجية كما هي متواجدة في التحول الرقمي في أمريكا الوسطى، الأمر الذي يتطلب تسليط الضوء على الفرص المتاحة لتعزيز النظام البيئي الرقمي، وتعزيز استراتيجية التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية، مع إفساح مجال أكبر لمشاركة المرأة في قطاع التكنولوجيا وفق توصيات مؤسسة التمويل الدولية، بجانب زيادة التعاون بين القطاعين العام والخاص في جميع الأمور والقضايا التي تهم الجوانب التكنولوجية في المنطقة.