عُمان: استطلاع – يوسف الحبسي
تسعى سلطنة عمان إلى إحداث مواءمة بين تخصصات التعليم العالي في المؤسسات الحكومية والخاصة واحتياجات سوق العمل ورسم معالم خارطة طريق جديدة نحو المستقبل تلبية لأحد أهداف رؤية عمان 2040، كما تسعى إلى بناء اقتصاد منتج متنوع، قائم على الابتكار وتكامل الأدوار، وتكافؤ الفرص واستثمار الميزات التنافسية للسلطنة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال المواءمة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل.
وفي هذا الإطار.. استطلعت «عمان» آراء الاقتصاديين لاستشراف المستقبل نحو بناء أيد وطنية ماهرة تواكب متطلبات سوق العمل، ومرئياتهم لأبرز الخطوات التي يجب البدء بها اليوم وليس غدًا، إذ التشخيص السليم اليوم يمثل نصف العلاج.
سعادة الدكتور سعيد بن حمد الربيعي رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية قال: إن البرامج التي تطرحها جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنيت على أساس الشراكة مع القطاع الاقتصادي وقطاع الأعمال ولذلك نحن مستمرون في مراجعة هذه البرامج الآن؛ إذ جميع المعنيين في مختلف القطاعات موجودون معنا وهناك نقاشات وحوارات مستقبلية لتحديث وتطوير هذه البرامج القائم منها حاليًا وكذلك استحداث بعض البرامج الجديدة، وهذه البرامج ستكون بالتعاون والشراكة مع مختلف الجهات في نقاشات وحوارات بحيث نهدف إلى البرامج والتخصصات التي لربما تخدم هذه القطاعات والأهم من ذلك المهارات المطلوبة الآن في سوق العمل؛ إذ سوق العمل متجدد وهناك مهارات مطلوبة الآن ونحاول أن نركز عليها من خلال استثمار الشراكة مع الشركات المحلية والعالمية لإدخال الكثير من المهارات المطلوبة حاليًا في سوق العمل بالسلطنة إذ حققنا نجاحات في إكساب الطلبة بهذه المهارات وأصبحت مخرجاتنا يشار إليها بالبنان ونتطلع إلى تطوير ورفع مستوى جاهزية الخريجين في الجامعة خلال الفترة القادمة.
مواكبة سوق العمل
وقال الدكتور محمد بن حميد الوردي أكاديمي وخبير اقتصادي: إن نوعية البرامج لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار جيدة لكن الإشكالية تكمن في أن مخرجات أغلب هذه البرامج يفوق حاجة سوق العمل في سلطنة عمان كما أن البعض منها عفا عليه الزمن، أضف إلى ذلك أن الإشكالية الكبرى في البرامج لا تكمن في النوعية وإنما في جودة المخرجات، وكثرة الجامعات الخاصة أثرت بشدة على جودة المخرجات بمهارات لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل ولا تلائم مواكبة العصر، وحصول السلطنة على المرتبة الأولى عالميًا في مؤشر نسبة خريجي العلوم والهندسة من إجمالي الخريجين والصادر من المنظمة العالمية للملكية الفكرية لا تعتبر ميزةً، وإنما مشكلة في حد ذاتها إذا ما أخذ في الاعتبار كثرة الباحثين عن عمل في السلطنة من هذه التخصصات بالإضافة إلى جودة هذه المخرجات من حيث المهارات التي لا تتلاءم مع سوق العمل لذا لابد من رفع جودة المخرجات بما يتلاءم مع روح العصر واحتياجات سوق العمل، ولا يتأتى ذلك إلا بالارتقاء بمستويات هذه البرامج بالجامعات العامة والخاصة ورفع متطلبات القبول لضمان الارتقاء بالجودة وصقل المهارات الخريجين بمهارات تتواكب مع روح العصر.
الفرص الوظيفية
وأشار إلى أن السوق العماني غني بالفرص الوظيفية في ظل وجود أكثر من مليون وافد مقارنة بعدد الباحثين عن عمل ولكن المشكلة تكمن في سوء توزيع المخرجات وتدني مهاراتهم فتجد أعدادًا هائلة من الباحثين في تخصصات تشبع منها سوق العمل بينما تجد أعدادهم شحيحة في مجالات أخرى، لذا يجب المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق ليكون المعيار العلم من أجل العمل ليس من أجل العلم فقط، فالطالب في نهاية المطاف يطمح للوظيفة المناسبة ليس لمجرد التحصيل المعرفي ، مشيرًا إلى أن المواءمة بين المخرجات ومتطلبات سوق العمل سيكون الحل الأمثل للسلطنة، موضحًا أن البلاد لا تعاني من شح الوظائف ولكن من البرامج التي تضمن تأهيل المخرجات ورفدها بالمهارات المناسبة لاحتياجات سوق العمل وبما يضمن الأولوية المطلقة في التوظيف للمواطن العماني، مشيرًا إلى أنه من أجل المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل يجب اتباع عدد من الخطوات من ضمنها تأسيس مجالس مشتركة بين غرفة تجارة وصناعة عمان ومؤسسات التعليم العالي تتولى إعداد وتنسيق البرامج الدراسية حسب احتياجات سوق العمل، وتعزيز مجالس إدارة مؤسسات التعليم العالي من جامعات وكليات عامة وخاصة برجال الأعمال لإشراكهم في اتخاذ القرار المتعلق بنوعية العملية الدراسية والبرامج الدراسية التي يطمح إليها سوق العمل بالسلطنة، بالإضافة إلى تعزيز العمل الميداني بالبرامج الدراسية لصقل مهارات الطلاب بما يتلاءم مع احتياجات سوق العمل.
مهارات المستقبل
وأضاف: لمواكبة المستقبل لابد من تغيير استراتيجية التعليم في السلطنة سواء التعليم العام أو العالي ليتواءم مع متطلبات العصر القائمة على التفكير والإبداع بدلاً من التلقين والحشو كما هو حاصل حالياً وخصوصاً في التعليم العام، والعصر في المرحلة الراهنة يتطلب مهارات تعتمد على التفكير الناقد والإبداع والاكتشاف والاختراعات وذلك بما يتلاءم مع رؤية عمان 2040 ومن ضمن المهارات الواعدة بالمستقبل المهارات القائمة على لغات البرمجة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرها من الوظائف التكنولوجية المعتمدة على اقتصاد المعرفة والإبداع البشري.
واجب التعليم
وقال مرتضي حسن، الخبير الاقتصادي: واجب التعليم بشقيه الأساسي والعالي ليس تزويد الطلبة بالقدرات والمهارات التي يحتاجها سوق العمل في وضعه الراهن فقط، وإنما كيف سيتطور سوق العمل في قادم السنين، أي تزويد الطلبة بقدرات التعليم المستمر لكافة الخريجين في المجالات المتنوعة لكي يستطيعوا التكيف مع التطورات والتغيرات السريعة التي تحصل في العالم، أي امتلاك القدرات المعرفية لمواكبة التغيرات في كل الميادين، ولو نظرنا إلى العالم نرى السباق على أشده في العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، وفي الأفكار وانتشارها، وفي العوالم واتصالها، وفي العادات والتقاليد وتبدلها، وفي الاحتياجات وتغيرها، وإذا نظرنا إلى مجال واحد فقط وهو مجال المواصلات والاتصالات وما طرأ عليه من معدلات التراكم في السنوات الأخيرة لرأينا صورة باهرة لحركة التغيير، فإذا وضعنا معدلات التراكم وتأثيراتها المتبادلة في كل النواحي، لأدركنا صعوبة استطلاع المستقبل بعد حدود معينة بقدر كاف من الثقة وشبه اليقين.
تهيئة الطلبة
وأشار إلى أهمية تهيئة الطلبة لامتلاك المعرفة، سواء المعرفة التقنية والمعرفة المعلوماتية، أي التحليلات والقدرة على الاستنتاج لأخذ القرار أو صناعته.. تلك المهارات التحليلية تقود الاقتصاديات المحلية والعالمية، وواجب التعليم عمومًا هو إيجاد مصادر إنتاج المعرفة الشاملة ذات المستوى العالي لتحقيق التنمية المستمرة والمستدامة، ومع الأسف هذا غائب عن تعليمنا في وضعه الراهن، إذ التعليم عمومًا يعتبر نقطة مركزية في خلق القدرات الفكرية التي تساعد على إنتاج المعرفة والاستفادة منها وكذلك الدفع إلى ممارسات ما بعد التعليم من خلال التعليم المستمر والتي باتت ضرورية لتحديث وتطوير المعرفة الشاملة، مشيرًا إلى أن مؤسسات التعليم العالي لكي تحقق وظائفها التعليمية والبحثية والمعلوماتية في القرن الواحد والعشرين وتلبيها بنجاح عليها أن تكون قادرة على الاستجابة بفعالية لحاجات التعليم والتدريب المتغيرة وتكثيفها بما يلائم المتغيرات التي طرأت على كل التعليم العالي وتبني أساليب وصيغ من النظـم الوظائفية تتسم بقدر أكبر من المعرفة، ولكي يحصل هذا التطور، فإن على كل الجهات المسؤولة عن التعليم ألا تحتكر وحدها عملية تطوير التعليم ومن الضروري أن تستعين بمهتمين جدد من شرائح مختلفة من المجتمع كرجال المال والأعمال والمفكرين، لكي تستطيع إيجاد تغييرات كبيرة ومستمرة في أساليب وممارسات الأداء والنسق التنظيمية في التعليم نتيجة للثورة المعلوماتية والاتصالاتية ونشوء سوق عالمية للرأسمال البشري.
رؤية عمان
وأضاف: إن رؤية عمان 2040 تتحدث عن ضرورة التطور السريع والمستمر لسلطنة عمان ونمو قطاعاتها الاقتصادية الحديثة المتنوعة، وذلك يستدعي أعدادًا من الخريجين قادرين على القيادة في مختلف مجالات الأعمال والثقافة والتعليم وتنمية المجتمع والإدارة العامة، والإصلاح الشامل للمنظومات التعليمية المختلفة والتدريبية سيساهم في تخريج قوى عاملة تملك القدرات الملائمة والمعرفة الفنية التي تمكنهم من الارتقاء إلى مستوى التحديات المستقبلية.
وحول توافق الأعداد التي يتم قبولها مع الفرص المتاحة في سوق العمل؟ قال: بدون الدخول في تفاصيل كثيرة فإن تحديد رؤية ورسالة التعليم الأساسي والعالي والفني والتدريبي يجب أن يتم من قبل خبراء محليين من جامعات ومنشآت صناعية وتجارية وخدمية، ورؤية التعليم عمومًا والتعليم العالي تحديدًا يجب أن تكون متميزة وتسهم في إعداد قادة المستقبل في مختلف مجالات المعرفة وإثراء وتنمية واستكشاف طرق وتقنيات إبداعية في تحقيق أهدافها وكسر الحواجز بين المجتمع الأكاديمي وبيئة العمل.
المعرفة الإنسانية
وأضاف: إن رسالة التعليم العالي يجب أن تتمثل في الأهداف التالية التي تكمن في الإسهام بتقدم الذكاء الإنساني ونشر وتطوير المعرفة، وإعداد خريجين متخصصين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية عن طريق استخدام التقنية الحديثة في العملية التعليمية، بالإضافة إلى إعداد الخريج ليلعب دورًا رائدًا وقياديًا في المجتمع وجعله قادرًا على تحمل المسؤولية والإسهام في حل المشكلات عن طريق التفكير الإبداعي والعمل الجماعي والتطوير الذاتي، وربط البرامج الأكاديمية والتخصصات بالمتطلبات الفعلية لبيئة العمل المحيطة بالتعليم العالي، ويتم هذا عن طريق إيجاد مشاركة فعّالة وتعاون بين التعليم العالي ومؤسسات سوق العمل وتوجيه الأنشطة البحثية لإيجاد حلول للمشكلات المزمنة في المجتمعات عن طريق البحوث التطبيقية والاستشارات الفنية، هذا مع عدم إغفال أهمية إجراء البحوث العلمية الأساسية لإثراء الذكاء الإنساني وخدمة المجتمع عن طريق التدريب والتعليم المستمر.
معالجة «الباحثين عن عمل»
وأكد أن قضية الباحثين عن عمل بحاجة للنظر إليها من زوايا مختلفة، ومن أجل ذلك علينا تشخيص المشكلة بتمعن وصراحة وعدم الاكتفاء بالأجوبة التي نسمعها يوميًا في وسائل التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الإعلام الأخرى المختلفة، ويقال في الطب: إن تشخيص الداء نصف العلاج وتُعتبر مشكلة الباحثين عن عمل معقدة وخطرة تستوجب الاهتمام بها، إذ أعدادها في تزايد مستمر وبدأت تصيب خريجي التعليم العالي، وهي تزداد تعقيدًا خارج محافظة مسقط، والمحاولات السابقة لإيجاد حلول لها زادتها تعقيدًا، ومحاولات الخروج من الأزمة زادتها ابتعادًا، ولذلك من المهم فهم السياسات التي أُتبعت عند ظهور المشكلة وبعدها قبل محاولة البحث عن الحلول الممكنة.
وقال الخبير الاقتصادي مرتضى حسن: إن المشكلة في بداية التسعينيات، والسياسات التي أُتبعت والخطط المتتالية التي وُضعت، كان لها ما لها من إنجازات، وعليها ما عليها من إخفاقات، ومن أهم الإخفاقات عدم تنويع مصادر الدخل، والتضحية بنظم التعليم والتدريب، وعدم إيجاد قطاع خاص كبير ومنتج، والتوظيف في القطاع العام كحل ترقيعي، والاعتماد على القرارات الإجرائية من دون الاطلاع على مسببات المشكلة، وعدم التنسيق بين الوزارات المختلفة، وانعدام مبدأ المسائلة والمحاسبة، وربط الراتب بالشهادات وليس بالمهارات، وكان من نتائجها إسراع العديد من المواطنين للحصول على المؤهلات الجامعية لأسباب تتعلق بالوجاهة، ولاحتلال المراكز الوظيفية المرموقة، ونبذ التدريب على المهن الفنية، وترسخ النظرة الدونية لها، وهي وظائف يحتاجها المجتمع لاستكمال بنيانه لكي يواكب المجتمعات الأخرى.
نسب التعمين
منوهًا أن السياسات التي تم اتباعها كانت من دون دراسات بل ردود فعل وافترضت تلك السياسات التي أُتبعت مثل فرض نسب التعمين أو صعوبة تسريح المواطنين من وظائفهم، أو سياسات الحد الأدنى للأجور، بأنها سوف تؤتي ثمارها دون أن تدرك طبيعة المشاكل الهيكلية الموجودة، وتصورت تلك السياسات أن قدرًا قليلاً من التدريب على بعض المهن المطلوبة، قادر أن يوفر التشغيل، ويكفل الإنتاجية، غير أن الواقع سرعان ما برهن على أن ما تم تبنيه من سياسات وقوانين لم تنجح في حل مشكلة توفير الوظائف، ولا في مد السوق بكوادر مدربة، فالتهيئة الصحيحة كانت تتطلب إعدادًا أوسع نطاقًا يشمل التعليم والتدريب بمختلف مراحله، وغرس مفاهيم وأخلاقيات العمل، وفي الوقت الذي وُضعت سياسات التعمين لتوفير العمل للعمانيين والتقليل من إعداد القوى العاملة الوافدة، فإن سياسات طرح المشاريع الضخمة سارت في عكس الاتجاه، وأوجدت طلبًا مستمرًا لجلب المزيد من القوى
العاملة الوافدة.
وأكد أن جهود التدريب مثل جهود التعليم، واجهت معوقات عديدة، بسبب انعدام الرغبة بالاستعانة بأهل الخبرة، والنقص في مدخلات التدريب، والافتقاد إلى التخطيط السليم، وعدم خلق الوظائف في المحافظات خارج محافظة مسقط، وعدم القدرة على التنبؤ بالاحتياجات المتغيرة، وعدم مشاركة القطاع الخاص والمهتمين الآخرين بهذا الشأن، والنقص في الكوادر الفنية والإدارية المؤهلة لدى جهات التدريب نفسها، وانعدام المكننة للتقليل من الأيدي العاملة الوافدة، وقوانين العمل ذاتها عرقلت عملية توظيف المواطنين، وكان من الاستحالة أن تستطيع وزارة العمل وحدها توفير فرص العمل المجزية، وليس من الإنصاف توجيه اللوم لها وحدها، فهي عملت بقدر ما تستطيع عليه، والخطأ في معادلة التعمين هو الانخراط في سياسة «ردود الفعل» دون الاهتمام بتنمية الجوانب النوعية للتعليم والتدريب، أو الاهتمام الكافي بإيجاد ربط بين الحلقات الاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية، فإدارة الأزمات وقتيًا كانت هي السياسة المفضلة، فبدلًا من إيجاد حلول للمسببات التي أدت إليها جذريًا، تم تجاهل إعطاء الأولوية للأدوات والقرارات الاقتصادية والتنموية والتعليمية والتدريبية الهادفة لتصحيح سوق العمل.
سوق العمل
وقال: تم الاعتماد لتنظيم سوق العمل بشكل شبه مطلق على الضوابط الإدارية والإجرائية، في شكل قرارات منظمة للسوق أو ضابطة لقواعد منح المأذونيات، وضاغطة على تحديد الحدود الدنيا للرواتب أو منع الوافدين من القيام بممارسة بعض المهن، وكلها لم يحالفها الكثير من النجاح في توفير وظائف مجزية للمواطنين، كما دفعت ببعض الشركات بنقل بعض أنشطتها المتعلقة بالتصاميم وأنظمة المحاسبة والإدارة إلى الهند، لإنجازها هناك عبر الإنترنت.. مضيفًا: أصبح مهمًا «الآن» القيام بإجراء تغييرات كبيرة في المفاهيم والسياسات والأنماط الإجرائية والسلوكية بما يحقق تحسنًا مستمرًا قابلًا للقياس والتقييم، ومن ضمن ذلك تغيير المفاهيم المتعلقة بالعمل، لكي يشعر كل موظف أن الوظيفة ليست مصدرًا للرزق والعيش الكريم فقط، وإنما هي أيضًا مجال للتطوير والتغيير إلى الأحسن عن طريق نمو المهارات، وأن الراتب يجب أن يكون على قدر الإنتاجية والترقية، ومن الآن فصاعدًا لا يمكن الحصول عليه بصورة تلقائية، وكل ما يلزم هو عامل الوقت فقط، كما أن المحاسبة على التقصير في العمل والاستغناء عن الخدمات يجب ألا يكون وسيلة يندر استخدامها، وخصوصًا عندما يكون السبب في عدم الرغبة بالعمل، أو عدم الامتثال للقوانين والأنظمة أو عندما يتسبب الموظف بالإضرار بالمؤسسة التي ينتمي إليها، حتى نتمكن من إيجاد الحلول علينا الآن إيجاد نمو اقتصادي مستمر، وتحسين التعليم والتدريب وإجراء تغييرات عديدة في قانون العمل وعدد كثير من السياسات والإجراءات والقوانين.
وأضاف: ما زلنا للآن نحاول إيجاد حلول للباحثين عن عمل بمؤهلاتهم الحالية وضمن الأعمال التقليدية من دون أن نفكر بالوظائف المستقبلية، والمستقبل لا يأتي غدًا أو بعد غد وإنما الإعداد للمستقبل يبدأ اليوم وبقدر ما نتخذ الخطوات الضرورية للإعداد لوظائف المستقبل بقدر ما سوف نتجنب مشاكل أخرى قادمة ونرى مشاكل أخرى تنفجر في وجوهنا، وهناك مئات من الوظائف التقليدية سوف تختفي تمامًا ووظائف جديدة سوف تظهر، ولذلك علينا منذ الآن أن نستعد لوظائف المستقبل القريب وإعداد الطلبة والخريجين والعاملين الحاليين لوظائف المستقبل التي سوف تحتاج إلى الاستعداد للابتكار والقدرة على التحليل، والتشبع بحب المعرفة وترسيخ البحث العلمي في نفوس الطلبة، وتطوير المناهج بحيث يجمع الطالب بين المعارف والمهارات، وربط مخرجات التعليم باحتياجات وظائف المستقبل بسوق العمل المستقبلي واستحداث أساليب دراسية جديدة، وطرق حديثة لتقييم الطالب باستمرار، فضلاً عن إنشاء قاعدة بيانات لوظائف المستقبل واحتياجات سوق العمل، والتشجيع على التعلم الذاتي وتزويد الطلبة بالمصادر اللازمة لاكتساب المعارف والعلوم ذاتيًا.
نهضة مهنية
وحول الحل الأمثل والطبيعي بإنشاء منظومة مهنية عمانية، قال علي بن حبيب اللواتي، المتخصص في القيادة والاقتصاد: إن التعديل المكثف للبرامج الفنية المهنية المعمول بها في عماننا الحبيبة عبر زيادة جرعات التدريب العملي المباشر للإنتاج المرتبط بالخدمات المقدمة مباشرة للسكان، إذ لدينا في كل ولاية تقريبًا مربع أو منطقة صناعية خفيفة تتنوع بها الخدمات المقدمة للسكان من ورش نجارة وحدادة وعمل إدراج ورفوف المطابخ وأبواب ونوافذ للمنازل… إلخ وكذلك مختلف أنواع ورش للميكانيكا وصيانة أجهزة التبريد وغيرها، حيث حاليًا جل هؤلاء العاملين فيها هم من الآسيويين الذين يقارب عددهم ما لا يقل عن 700 ألف عامل آسيوي وفني مهني، انه فعلا سوق ضخم لاستيعاب الشباب للانخراط في هذه المهن وأصحاب الورش يعملون كفرق عمانية شبابية تمتلك وتدير وتعمل بأيديها، واعتبرها هي الانطلاقة الحقيقية للتأسيس لمستقبل صناعي عماني واعد.
وأشار إلى أننا سنحتاج إلى تغيير في فلسفة ومناهج التدريب المهني لتركز بكثافة على التدريب المتصل مباشرة بالإنتاج، واستحداث منظومة تشريع مهني متكامل جديد من قبل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار يؤدي إلى تملك سجل مهني خاص (جماعي، شبابي، مهني) لإنشاء وإدارة وتشغيل ورش عمانية لفرق شبابية عمانية، واستحداث برنامج تمويل مهني يوفر التمويل المالي ليتوافق مع طموح إنشاء الورش المهنية العمانية، بالإضافة إلى إقرار حزمة رسوم منخفضة للبلدية لتشجيع انتشار تلك الورش العمانية في ربوع عمان، وتغير محمود في ثقافة المجتمع ليتقبل انخراط الشباب في العمل المهني فلا يرى في ذلك نقصًا لتكوين علاقات اجتماعية مستقرة مستقبلًا، بهذه التغيرات يمكن إحداث نهضة مهنية عمانية قادرة أن تستوعب الشباب بما لا يقل عن 300 ألف شاب عماني بجدارة؛ وتتوسع القدرة الاستيعابية لها مع مرور الزمن وازدياد الكثافة السكانية في المناطق، ولنتكاتف لنحقق هذا الإنجاز.