Image Not Found

تحرير المرأة قضية جدلية (29-32) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (5-8)

صادق حسن اللواتي – الموقع الشخصي

تحرير المرأة قضية جدلية (29) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (5)

أنا لا اعتقد أن المجتمعات العربية و الإسلامية كانت مستعدة لاستقبال نظرية العولمة ، و لكن التطورات السريعة في المجالات العلمية جعلت من التغيير أمرا حتميا ، هذه التغيرات أثرت على هويتها و قيمها و عاداتها و تقاليدها ، و هذا التطور لحق بالكثير من المفاهيم و المصطلحات و القضايا الهامة ، التي تعبر عن مدنية الدولة و مدى تقدمها، فلم تعد قضايا، مثل: المواطنة، و حقوق المرأة، و حرية الاعتقاد، و الحقوق و الحريات العامة و الخاصة محل خلاف ، إنما أصبحت كل هذه القضايا حتمية ، و واقع تعيشه المجتمعات الإنسانية في العالم

و لو أخذنا مدنية الدولة نجد أن التغييرات في هذا المصطلح جاءت الحداثة بالدولة كوحدة اجتماعية التي توحد روابط مدنية قائمة على الحقوق المدنية و سياسية سميت فيما بعد بالمواطنة ، و بدورها أوجدت وطنا لهؤلاء المواطنين مع الاختلافات القائمة على أساس عرقي أو ديني أو ثقافي أو إقليمي ، في أسواء أحوالها قلصت هذه الاختلافات من خلال الاستعمار الداخلي .

و في أفضل الحالات خلقت وضعا متجانسا و مساواة على أساس المواطنة ، و الولاء للوطن ، ليبدأ التعلق بالقومية و الفخر بها ، و الانتماء إليها ، فيعتبر الشخص الوطني محب لبلده و يدعم السلطة الحاكمة و يصون مصالحها ، فتحولت الوطنية كمفهوم أخلاقي يدفع بالأفراد إلى أوجه مختلفة مثل الإيثار ، و التضحية ،و بذل كل غال و نفيس ، من أجل بقاء هذه القومية ، و يعمل على راحتها ، وصفها هيغل بالمشاعر السياسية

بشكل عام الوطنية خليط من التعلق العاطفي للبلد يقول ابن منظور في لسان العرب إن الوطن هو حيث يقيم به الإنسان ، انعكس هذا المفهوم على حياة التنقل ، فلو قلنا إن فلان كان يسكن في مكة فوطنه مكة ، و إذا انتقل إلى المدينة فوطنه المدينة ، و لكن هل كانت هناك حدود جغرافية بين مكة و المدينة ؟

الجواب كلا ، فمفهوم الوطن في العهد النبوي مثلا كان الوطن بالمعنى الأيدلوجي و ليس بالمعنى الجغرافي مثلا كأن نقول إن الفكر الإسلامي هو وطن للمسلمين ، و الفكر المسيحي هو وطن للمسيحين ، بهذا المعنى تعددت الاتجاهات السياسية ضمن جغرافية معينة و التي سميت فيما بعد بالجيوسياسية ، بمعنى أن يكون المسلم في بريطانيا حقوقه و واجباته تندرج ضمن التشريعات الإسلامية حتى لو هاجر إلى بلد آخر و هو بلد مسيحي لأن وطنه هو الإسلام .

السؤال : لنفترض أنه أسيء إلى هذا الفكر و أنت في وطن مسيحي ماذا ستفعل ؟ ستقول لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إن استطعت الدفاع عن الفكر الإسلامي كوطني دافعت و إلا السكوت أولى

السؤال أنت في هذه الحال محب للوطن أم لا ؟ حسب المفهوم الايدلوجي كلا أما حسب مفهوم العولمة للوطن نعم أنت محب لوطنك ، المفارقة هي أنت في الأول نقضت بندا من بنود العقد الاجتماعي بينك و بين الفكر الإسلامي و الذي يجب أن تدافع عنه أينما كنت ، أما في الثانية فأنت حافظت على المصحلة العامة

السؤال أيهما أكثر أهمية لك الأول أم الثاني ؟ إذا قلت لكم الثاني أكثر أهمية من الأول سيقوم الطرف الأول و يحتج بأن الدفاع عن الفكر الإسلامي كوطن لي أكثر أهمية من الثانية ، جيد جدا . السؤال في الفكر الإسلامي كم مذهب فيه ؟ 7 مذاهب ، حسب المفهوم القديم للوطن فكل شخص منتمي إلى مذهب ما يعتبر ذاك المذهب وطن له

فالذي يريد أن يلعب على وتر الطائفية من أين سيدخل ؟ من هذه الجزئية إن المسلم الشيعي يعتبر مذهبه وطن له و المسلم الشافعي المذهب يعتبر المذهب الشافعي وطن له ، و قس ذلك على كل أتباع المذاهب الأخرى . السؤال الطائفية ضمن أساسيات الفكر الإسلامي أم لا ؟ بشكل قاطع كلا ، إذن ماذا كان الشعار الذي وحد المجتمع الإسلامي آنذاك ؟ كان (الله – النبي – القرآن)

و عندما انتقل النبي الخاتم (ص) إلى الرفيق الأعلى ماذا كان شعار المسلم ؟ (الله – الخليفة – العقيدة ) ، و عندما جاءت الحداثة ماذا كان شعارها ؟ (الله – الوطن – السلطان أو الملك) ، و عندما جاءت العولمة ماذا رفعت من شعار ؟ أخذت هذه الثلاثية و قالت (الدولة – الوطن – المواطن) . يوجد في هذه الثلاثية اسم الله ؟ لا يوجد ، هل توجد كلمة النبي أو الخليفة أو السلطان أو الملك ؟ لا توجد ، هل يوجد وصف المعتقد ؟ لا يوجد ، لماذا أزالت العولمة كل هذه المسميات ؟

السبب واضح ، لأنها أزالت الحدود الجغرافية و طرحت مفهوم الوطن و هو العيش مع جميع القوميات و الهويات دون وجود أي عائق في التبادل الاجتماعي بين الشعوب ، و هذا التبادل الآن قائم كيف ؟ عبر الشاشة الصغيرة و التي تسمى الحاسوب الألي ، فيستطيع أن يقيم علاقات مع المجتمعات الأخرى

الآن أنت انظر إلى ابنك عندما يدخل إلى البيت إلى أين يتجه ؟ إلى غرفته ماذا يفعل ؟ يتواصل مع صديق له في بلدان متعددة ، و كأنه يقضي أوقاتا ممتعة معهم أليس كذلك ، فهل يعير الاهتمام إلى أن ما يتبادل معهم من الأحاديث إذا كنت ضمن أسس قانونية أم لا ؟ أبدا هو لا يهتم .

السؤال : ولاؤه هنا لأي وطن للوطن القرية الكونية أم للوطن الذي يعيش على أرضه أم للوطن الذي ينتمي إلى عقيدة معينة أي منهم ؟ للوطن القرية الكونية . هل تستطيع أن تأخذ منه جهاز الحاسب الآلي ؟ لا تستطيع سينقض عليك انقضاض الأسد على فريسته ، هنا تتطابق العولمة مع إحياء الليبرالية الجديدة ،

و هذا الذي تشاهدونه أيضا في البعد العبادي ، بناء دور العبادة في بعض الدول الإسلامية للديانة الهندوسية و اليهودية و غيرها و دعوة الناس للتعرف على هذه الديانات هذه الليبرالية الجديدة ليس محل نقاشي الآن المهم هنا يرد هذا السؤال : هل المرأة يحق لها أن تستفيد من التقنية الحديثة أم لا ؟

إذا قلت ليس كليا بمعنى يحق لها استخدام التقنية الحديثة في التواصل مع الآخرين و لكن بضوابط شرعية السؤال هذه الضوابط من يحددها ؟ الذي يحددها الفقيه ، جيد جدا ، ما هي هذه الضوابط ؟ الجواب لا توجد مستحدثات للمسائل الفقهية في مواجهة العولمة ، أصلا لا يوجد باب في الفقه يسمى باب تنظيم العلاقات الاجتماعية تتوافق مع الشريعة الإسلامية .

في هذه الحالة ستضطر إلى القول أن من حق المرأة أن تستفيد من التقنية الحديثة ، الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قال في إحدى خطبه أن المرشد لجماعة إخوان المسلمين طلب منه فرض الحجاب على النساء في الشوارع ، فقال له الرئيس الكل مسؤول في بيته ،

فرد عليه المرشد : لا أنت حاكم مسؤول ، فرد عليه الرئيس : إبنتك تدرس في كلية الطب لا تلبس الحجاب ، لماذا لم تفرض عليها لبس الحجاب ؟ طالما أنت لم تقدر على إبنتك في إجبارها على لبس الحجاب وتريد مني فرضه على 10 مليون نسمة.

هذا المنطق وأقصد به طلب المرشد هو في إرضاء الحاجات الاجتماعية ، و تأكيد أن هناك مصالح معينة لها أسبقية خاصة ، منها تأييد الفكر الديموقراطي و التعامل مع الآخرين ضمن مفهوم الحرية.

الآن هذا الوطن يجب أن يكون له مواطنين حتى يستطيع المواطن التعاطي مع مفاهيم و نظريات العولمة لأنه بدون المواطن لا يوجد هناك وطن ، لهذا لابد لنا من رصد و تتبع نشأة و تطور مفهوم المواطنة ..

نكمل بحثنا في الحلقة (30) إن شاء الله تعالى…..إلى اللقاء

تحرير المرأة قضية جدلية (30) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (6)

حديثنا سيكون هذه المرة حول المواطنة الركيزة الثالثة من ركائز العولمة ، كلنا مواطنون في البلد الذي نعيش فيه، قد يقول قائل إن المواطنة تقتصر على من يحمل وثيقة رسمية من بلد ما كجواز سفر أو البطاقة الشخصية ، أو الهوية الشخصية ، و ليس كل من عاش على أرضها هو مواطن فهؤلاء يطلق عليهم المقيمين أو الوافدين أو المهاجرين .

السؤال ما هو تعريف المواطنة ؟ بكل اختصار هي تمتع بحقوق و واجبات و مارستها في بقعة جغرافية معينة تستند على قوانين الدولة القومية ، هذا تعريف سياسي و ليس اجتماعي ، ما هو تعريف المواطنة اجتماعيا ؟ هو الشعور بانتماء إلى فضاء مجتمعي ، تتوارى من خلاله الانتماءات الضيقة و الصراعات الدينية و الطائفية و العرقية ليحل محلها انتماء أكثر اتساعا و رحابة تتحكم فيها الروابط الإنسانية المشتركة

هل هناك تعريف للمواطنة ثقافيا و اقتصاديا أم لا ؟ نعم يوجد تعريف لهذه المجالات أيضا ما هو ؟ ثقافيا أن توفر للمواطن وسائل الإبداع و الابتكار و المشاركة الحقيقية في صقل المواهب و تمكينه بما يتطلبه الوفاء التي تهيئها المؤسسات التعليمية . أما اقتصاديا فهو إفساح المجال للمواطن في سيادة الأرض و إعمارها و فتح المجال في التوزيع الاقتصادي و المالي على قاعدة المساواة.

إذن هذه التعاريف يمكن دمجها في عبارة واحدة هو: تفاعل اجتماعي بين أفراد طبيعين ، و مجتمع سياسي يقدم فيها المواطن حبه و ولائه لهذا المجتمع ، مقابل خدمات يوفرها له ضمن القواعد القانونية التي تحكم كل السلطات و هذه التعاريف ركزت على قطب واحد في مفهوم المواطنة بمعنى كيفية التنمية و ترسيخ المواطنة من خلال هذا العمل فالتركيز منصب على المواطن و ليس على الجهات الأخرى هنا يقع المواطن في إشكاليات في تطبيق القانون لأنه مشاركة حقيقية في شؤون الوطن على مستويات مختلفة سيكون فيها قصور

قبل توضيح هذا المعنى ، تصور و أنت خارج البيت و التقى بك أحد المارة و قال لك ، من أي بلد أنت ؟ بالتأكيد ستجيبه إنك من البلد الفلاني ، هل أنت مواطن ؟ الجواب نعم ، هل أنت مسلم ؟ الجواب نعم ، إلى أي مدرسة إسلامية تنتمي ؟ الجواب سيكون إما الى مدرسة الشافعية أو الشيعية أو الحنبلية أو الإباضية ، أو الزيدية أو الحنفية أو المالكية – ممتاز – ما هو تعريف المواطنة في هذه المدارس الفقهية ؟

مثلا الفقه الشيعي : نشر موقع الاجتهاد على صفحته الإلكترونية لقاء مع أستاذ في جامعة المصطفى المفتوحة في قم-إيران –الشيخ علي برجي – بتاريخ 3 -8-2017 م أنه قال ( الجنسية المذهبية تشمل الجنسية السياسية فكل مكان يعتبر دار الإسلام هو الدولة الإسلامية – كل رحاب الكرة الأرضية) إذن المذهب الشيعي يعتبر أن كل بلد يتواجد فيه مسلم هو وطنه و لا علاقة للحدود أو الجنسية بالمواطنة فالمذهب هو الوطن و هو مواطن فيه.

جاء في كتاب الفقه الميسر –عبدالله الطيار جزء 13 ص 108 المواطنة اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن و يعني ذلك الجنسية ،و تسبغ المواطنة حقوقا و واجبات معينة على المواطنين تشمل حق التصويت و شغل الوظائف العامة و واجبات تناط بالمواطنين مثل دفع الضرائب ، و الدفاع عن أوطانهم هذا التعريف ركز على العقد بين المواطن و الدولة يختلف عن تعريف المذهب الشيعي للمواطنة – جيد جدا.

السؤال : إذا أراد شخص ما في بلد غير البلد ألذي يقيم فيه الفقيه فتح مدرسة لتدريس للقرآن الكريم ، أو بناء منزل أو الزواج و لا يوجد لديه قدرة مالية في تحقيق ما يريد ، ما هو دور الفقيه مع هذا المواطن ؟ حسب الرأي الفقهي سواء الشيعي أو السني على الفقية مساعدته في تنفيذ مشروعه ، و إذا لم يساعده الفقيه بإعتبار أنه ليس من أتباع مذهبه ، هذا المواطن هل سيشعر أنه مواطن في الفكر الإسلامي أم لا خاصة أن كلا المذهبين السني و الشيعي يرجعان لحقوق المواطن إلى سيرة النبي الخاتم (ص) و الأئمة الطاهرين و الصحابة ؟

مؤكد لن يشعر ما هو الحل ؟ تحرير المواطن من قيود النصوص الفقهيه مرة أخرى بمشروطاتها التاريخية و آفاقها التقليدية و المضي قدما نحو سماوات أكثر رحابة و اتساع لا تتوقف عند سؤال المواطن عن حاجة يريدها بل تستجيب لكل حاجات العصر يحتاجها هذا المواطن و يجدها جاهزة للتطبيق

وهذا هو تعريف المواطن في العولمة ماذا يعني ذلك ؟ أن تكون عند الفقيه إذا أراد أن يكون ضمن المنظومة العالمية في إيصال المساعدات إلى الناس ، أن تكون عنده مؤسسات خدمية منتشرة في أصقاع الأرض ، فكل مسلم شيعيا كان أو سنيا يرجع إلى مؤسسة تمثل هذا الفقيه في بلده و لها قدرة مالية و إدارية تلبي حاجات المسلمين كلهم في وقت واحد دون مضيعة للوقت تعمل تحت ظل القانون المدني ، كي يبقى هذا المواطن يؤدي واجبه تجاه هذا الوطن بكل حب و ولاء بإعتبار ان الدين لله والوطن للجميع .

أنت انظر إذا أراد أحدكهم بناء منزل و احتاج إلى تصاميم هل سيذهب إلى مهندس معماري أم سيتصفح في الشبكة العنكبوتية عنها ؟ مؤكد سيتصفح الشبكة العنكبونية و سيحصل على خرائط جاهزة أيضا لهذا التصميم بل أكثر من ذلك تستطيع تعديل التصميم حسب رغبتك ما ذا بقي عندك لتنجزه ؟

أن تأخذ هذا التصميم و الخرائط لتقدمه للمهندس المعماري ليضعها ضمن مساحة الأرض مع بعض التعديلات الهندسية و هذا لن يأخذ منك سوى يومين و الخرائط تصبح جاهزة تحت تصرفك في السابق في كم مدة كنت تحصل على الخرائط و التصاميم لمنزلك ؟ 3 إلى 4 أشهر

فاهتمامك أكثر في التعامل مع مكتب المهندس أم مع شبكة الاتصالات العالمية الإنترنت ؟ مؤكد مع الإنترنت فأنت مواطن لهذه الشبكة حسب مفهوم العولمة للمواطنة ، لأن الذي أعطاك هذه الخرائط إنسان مثلك ، وضعها تحت تصرفك متى ما احتجتها تجدها جاهزة ، ما عليك سوى عمل بعض التعديلات حسب رغبتك ، ما هي الخطوة التالية التي يمكن أن تأخذها ؟

قد تهاجر إلى بلاد الغرب لتعيش في فضاء المواطنة التي أوجدتها لك العولمة ، لتمارس الديموقراطية و حرية التعبير و المشاركة التعددية مع أصحاب الديانات الأخرى ، وتأسيس أنشطة اجتماعية كنت تتمنى إقامتها في بيئتك فأنت مواطن في نظام العولمة أينما حللت حتى لو لم تهاجر إلى بلاد الغرب

الآن طالب في المرحلة الثانوية أو التوجيهي سمها ما شئت ، يمارس التجارة الإلكترونية في بيع رسوماته من كانت مهنته الرسم ، أو إعطاء استشارات في العلاجات النفسية من كان تخصصه ذلك ، هل تحتاج إلى سجل تجاري أو عقد إيجار أو ما شابه ذلك من الإجراءات الرسمية لممارسة نشاط تجاري ؟ أبدا لا تحتاج سوى جهاز الحاسوب و شريحة إنترنت ثم انطلق كمواطن في عالم العولمة من الذي سمح لك ممارسة هذه الأنشطة التجارية وأنت تعيش في بلد ذو سيادة قانونية ؟ القانون الدولي

نكمل بحثنا في الحلقة (31) إن شاء الله تعالى …. إلى اللقاء.

تحرير المرأة قضية جدلية (31) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (7)

اليوم أمامنا موضوع جدا مهم ، و أهميته تأتي لأنه يتعلق بمنظومة نصية تحدد علاقة الإنسان مع نظيره الإنسان ، و تاثيره في العلاقات جعل من إيجاد قانون يوحد هذه العلاقات بين الشعوب ضرورة ملحة و بدون هذا القانون سينهار كل شيء لن يبقى لأي مشروع قيمة ذاتية و لا قيمة معرفية و لا قيمة علمية و نحن رأينا كيف أن العولمة أثرت على المصالح العامة و الخاصة للإنسان.

و هذا التأثير كان من خلال صياغة نصوص قانونية فرضت على المستوي الدولي و بما أننا نتحدث عن تحرير المرأة فإن هذا الملف لم تغفل العولمة في كتابة فصول قانونية له في الحفاظ على حقوق المرأة دوليا

قد يقول قائل هل للعولمة قانون طالما أن العولمة لا دين لها ولا وطن لها ؟ الجوب كلا العولمة ليس لها قانون و لكنها دخلت في إعادة صياغة القوانين التي وضعت قبل ظهورها ، فالقانون بالنسبة لها مهم و يجب الوقوف على جميع النظريات الفقهية و التقليدية لوضعها في قالب قانوني مستحدث جديد يسير جنبا إلى جنب التطورات التكنولوجية و النمو الاقتصادي

لهذا أنشئت الأمم المتحدة لتكون الدستور الأول للدول ، و مرجع القاعدة الدولية الأساسي لتطبيقها و تجسيد أبعادها على مستوى العالم ، و في ظل اختلال التوازن جعلت العولمة حق الفيتو مظهرا لمبدأ المساواة و سيادة القانون تسير عليه كل الأقطاب الدولية.

فلقد استطاعت العولمة أن تفرض نفسها في جميع المجالات خاصة في مجال تحرير المرأة ، و أثرت بشكل ملفت فيها ، و القانون يعتبر من ضمن الموضوعات التي تأثرت بحدة في قضية المرأة ، و هذا التأثير كان بسبب خطأ في قراءة المتن القانوني لنوضح المعنى.

أنت انظر إلى نص فقهي في توزيع الموارد المالية كالخمس مثلا ، ستجد هناك عبارة مجهول المالك و هي عبارة يستند عليها الفقيه في إيجاد منفذ للتوزيع المال العام ماذا يعني ذلك ؟ هناك في الفقه الشيعي إن الخمس ينقسم إلى أقسام على شكل أسهم :

سهم للإمام و يقصد به الإمام المهدي ، و سهم للسادة و يقصد به من هم من نسل النبي الخاتم (ص) فقط الشيعة منهم و ليس غيرهم ، سهم لليتامي ، سهم للمساكين ، سهم لابن السبيل و يستند على ذلك بنص قرآني من سورة الأنفال آية 41 (و اعلموا إنما غنمتم فإن لله خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامي و المساكين و ابن السبيل )

فإذا أراد أحد دراسة مادة الخمس عليه أن يرجع إلى هذا النص القرآني لدراسة مقتضاته منطوقا و مفهوما ، و بالتالي إذا أراد تفسير ظاهر الآية أو قاعدة سلوكية أو حكم تفسيرا فقهيا فعليه أن يرجع إلى ما كتبه الفقيه في باب الخمس ، هنا يبقى هذا السؤال : هل إذا سلك الباحث هذا المسلك في قراءة فكر فقيه في باب الخمس أصبح محيطا بكل حيثيات الخمس في القرآن الكريم أم لا ؟

الجواب كلا لماذا ؟ لأن قراءة الفقيه قراءة داخلية و ليست خارجية ما معنى ذلك ؟ المعنى أن الفقيه نظر إلى الآية القرآنية و فسرها ضمن إطار مذهبه و ليس بإطار شمولي ، طالما أن القرآن الكريم كتاب لكل البشر ، فلا بد إذن من أجل قراءة سليمة للنص القرآني ، و لكي يتحول هذا النص و هذا الحكم إلى قانون يجب تجاوز القراءة الداخلية إلى القراءة الخارجية أيضا

سواء كانت وطنية أو كالسياق الاقتصادي ، باعتبار أن حكم الخمس في القرآن الكريم يتاُثر به جميع المسلمين سنة و شيعة ، فلا يمكن القول إن سهم السادة إن وجد فعلا يجب توزيعه ضمن بيئة مذهبية بل يجب توزيعه ضمن بيئة إسلامية ، و البيئة الإسلامية تضم كل المذاهب و كل الفرق الإسلامية

فإذا جاءت العولمة و قرأت هذا النص القرآني بقراءة الفقيه قراءة داخلية ، فإنها تلغي مفهوم العولمة الذي جاء لتوحيد البشرية في قانون موحد ، فإذن يجب تقنين حكم الخمس إسلاميا وليس مذهبيا و إعادة صياغة هذا الحكم ليستفيد منه الجميع

فظهر لنا قانون حقوق الإنسان الذي فرض على جميع دول العالم ، المساواة في توزيع الموارد المالية ، لهذا ألغت إيران حكم الخمس لتضعه ضمن قانون الدولة في توزيع الموارد المالية على الشعب بكافة شرائحه و دياناته فلا يعطى الخمس للشيعي فقط بل حتى الهندوسي مستفيد منه.

أنت انظر إلى الزكاة في الدول الإسلامية خرجت من يد الفقيه إلى يد الدولة هي التي توزعها ضمن احتياجات المواطنين و المقيمين دون استثناء لفرد ، لأن العنصرية في التوزيع مخالفة لبنود قانون حقوق الإنسان ، و العولمة عندما تريد مناقشة أي حكم فقهي تقليدي ، فإنها لا تناقشها ضمن مواد أصولية في استنباط الحكم الشرعي فقط بل تستعين بعلوم أخرى لها ارتباط بالقانون الدولي

لهذا فصلت بعض المحاكم في بعض الدول الإسلامية في قضايا المالية رفعت ضد رجال الدين بسبب أخذ المال من الناس بعدم قانونية وكالة الفقيه للغير في بلد آخر ، إذا لم تصدق من الجهات الرسمية حددها القانون الدولي.

السؤال : كيف نفهم قانونية العولمة في معالجة قضايا المرأة ؟ لكي نجيب على هذا السؤال تعالوا معي أولا لننظر هل للعولمة نظريات خاصة تنظمها ؟ و ما هي تأثيراتها على التشريعات الأخرى؟ ركزوا معي على الجواب لأننا إذا فهمنا هذه النظريات نستطيع الإحاطة بالحركات النسوية التي نشاهدها في عصرنا الراهن.

هناك بعض المفاهيم تؤطر منهجيا و معرفيا العلاقة الناظمة بين بعضها البعض مثلا إذا ذكرنا مفردة العولمة ماذا تعني لنا ؟ إنها تعني العالمية ، الخصوصية ، التدويل ، الإقليمية . وإذا سألت فقهاء القانون ما يعني مفردة القانون ؟ إنه يعني الدين و الأخلاق و القيم و العلم و العرف

فلو جئنا إلى معاني العولمة العالمية مثلا فإنها تعني الانتماء إلى العالم و إفساح الفضاء العالمي للإنسان بالخروج من دائرة ضيقة كالوطن كما تحدثنا عنه إلى فضاء أكثر رحابة و اتساعا ينتقل فيه الإنسان بفكره و إبداعاته و جميع أفكاره بلا قيود

ليصبح عاملا مؤثرا و متأثرا بالمحيط العالمي ليكون بديلا له عن وطنه إضافة إلى دفاعه عن خصوصياته و هويته الثقافية و أن يتسمك بمقومات ثقافته الأصيلة ليتجاوز الحدود القومية و الجغرافية ، علما أن العولمة تتخطى الحدود الجغرافية إلا أنها لا تمثل أيدلوجية بلد معين بل هي بذاتها أيدلوجيات مختلفة سياسية و اجتماعية و ثقافية

نكمل بحثنا في الحلقة (32) إن شاء الله تعالى … الى اللقاء.

تحرير المرأة قضية جدلية (32) العولمة والقانون الدولي والنظرية الاجتماعية (8)

عندما نتحدث عن القانون الدولي فإننا نشير إلى عالمية و سيادة القانون و هو مصطلح يختلف مع مفهوم العولمة ، كيف ؟ القانون الدولي يعطي السيادة للدولة الوطنية ، بينما العولمة تلغي هذه السيادة ، و كما أشرنا سابقا إن العولمة ظاهرة تتجه نحو توحد القيم و القواعد و الأهداف ، بينما العالمية هي قدرة بعض هذه القيم أو الأهداف أو القواعد نحو السمو، فتزدهر بشكل مباشر في السياق الاجتماعي

و هذا ليس ضروري أن يؤدي لإلغاء الخصوصية الوطنية ، رغم ما يروج لها تاريخيا بمركزية أوروبا أو أمريكا مقابل قسرية العولمة التي تفرض على انخراط الدول و الأفراد ضمن نسق من المبادئ و التوجهات السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية

مثلا الآن إن الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل قائم على فكرة سيادة الأخلاق و قدرة القيم الأخلاقية في تحقيق الأهداف العالمية ، كما جاء في الأثر النبوي الشريف (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، من هنا نستطيع القول أن فكرة العالمية منهجيا و نظريا بمثابة الحمولة للنظام العالمي يعبر عنه بمبادئ القيم و ضوابط و قواعد و معايير و مقاييس و المرجعيات كرؤية كونية للحياة

السؤال : هذه المبادئ و القيم الأخلاقية كالمساواة و حقوق الإنسان كيف ستنقلها إلى العالم ؟ الجواب بنظام العولمة فهي المسار أو الجهاز الحامل للقيم و المبادئ نحو توحد في ظل التعددية و التنوع بفعل التقدم التكنولوجي و التطور العلمي

إذن نحن بحاجة إلى العولمة من أجل بناء دولة عالمية بعبارة أخرى نحن بحاجة إلى التقدم العلمي و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي حتى تكون لدينا دولة عالمية يسودها قانون واحد و حاكم واحد ، هنا قد يقول قائل إن هذا النظام موجود قي الإسلام

مثلا النظرية الشيعية ترى أن الأئمة الطاهرين ال12 هم المسار الذي يوصلون المنظومة الأخلاقية التي وضعها النبي الخاتم (ص) إلى العالم جيد جدا أين هي هذه المنظومة ؟ لأنك عندما تريد إيصال هذه المنظومة إلى العالم بحاجة إلى التقدم العلمي و التكنولوجي و الثقافي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي حتى تصل إلى كل فرد و بيت في العالم موجود عندك أم لا ؟

لا يقل قائل إن المدارس الفقهية في الإسلام لديها كل شيء لا يا سيدي الفقهاء لا يملكون سوى 2 بالمئة من المعارف الدينية الآن أنت انظر إلى النظام الاقتصادي في إيران أو ماليزيا أو الأردن هذه الدول سعت و بكل جدارة أسلمة أنظمتها الاقتصادية و المصرفية

السؤال كم عمر هذه الدول ؟ عمر دولة ماليزيا 57 سنة و عمر المملكة الأردنية 74 سنة ، و عمر جمهورية إيران الإسلامية 40 سنة ، لكم نسبة مئوية استطاعت هذه الدول الثلاث أسلمة أنظمتها الاقتصادية و المصرفية ؟ إجمالا لا يتجاوز 4 بالمئة و السبب ؟ انعدام القانون التجاري و المصرفي الإسلامي ليعيش جنبا إلى جنب القانون الدولي تفضل أين هو دور الفقهاء هنا ، يا سيدي لنكن واقعيين و لا نطلق عبارات عبر الميكروفون و الفضائيات أن الفقهاء عندهم كل شيء

طالما مررنا بالقانون الدولي و العولمة القانونية من هي الواجهة الأمامية في نقل المبادئ و القيم و الدفاع عن حقوق الإنسان في عصرنا الراهن ؟ الجواب أمريكا أليس كذلك . السؤال : حسب مفهوم العولمة و العالمية أمريكا هل كانت سببا في ظهور هذه المفاهيم أم لا ؟

الجواب كلا ، إذن لماذا أمريكا ؟ لأنها تمتلك شفرة التقدم الصناعي و الاقتصادي . السؤال هل تستطيع أنت أن تمتلك هذه الشفرة ؟ نعم تستطيع الآن انظر إلى الصين و اليابان و ألمانيا و إيران و باكستان هذه الدول وغيرها تطورت تكنولوجيا و تقدمت في الصناعات الحربية و غيرها .

السؤال هل يمكن أن نقول أن إيران تنادي بالعولمة و العالمية أم لا يمكن ؟ طبعا يمكن كيف ؟ أولا إيران تقدمت علميا و وصلت إلى الصناعات الحربية و غيرها ثانيا منظومتها الأخلاقية تمنعها أن تضرب أحدا بالرصاص دون سبب من ناحية و حافظت على هويتها الإسلامية المنبثقة من النظام الأخلاقي العالمي الذي أرسى دعائمه النبي الخاتم (ص) من ناحية أخرى .

السؤال : هذه الدول كيف وصلت إلى ما وصلت إليه من التقدم العلمي و التكنولوجي في مجالات عدة ؟ الجواب بالانخراط في الواقع العولمي القانوني ، الذي بني على نظريات أربعة ، والتي اعتبرت كمرجعية قانونية لدول العالم ، و النظريات هي : نظرية السياسة العالمية ,نظرية النظام العالمي ، نظرية التوحد الدولي ، نظرية القانون و التنمية الاقتصادية .

ما يهمنا هنا النظرية الرابعة القانون و التنمية الاقتصادية سأبسط لكم هذا القانون، تصور بلداً ما يملك مصادر الطاقة من المياه و بلد آخر يمتلك مصدر الطاقة من الحديد لا يملكها البلد الآخر ماذا سيحصل للوصول إلى هذه المصادر ؟

إما بالغزو العسكري ، أو بالتبادل التجاري ، أو بالاحتيال من خلال طرح برامج ثقافية من أجل الاستيلاء على هذه المصادر، أيهما أفضل ؟ التبادل التجاري أليس كذلك و هذا هو ما يسمى قانون التنمية الاقتصادية مشروط في التبادل التجاري و منظمة التجارة العالمية ، هو المصدر القانوني للتبادل التجاري العالمي و إنشاء مجموعة شركات متعدد الجنسيات .

فأصبحت الدول تتعامل مع هذا القانون ليس من داخل حدودها بل من خلال العلاقات و التطور التكنولوجي في هذه الحالة ماذا ستفعل هذه الدول ؟ ستسورد القوانين التي تسنها المنظمات الدولية و يبقى لها أن تبقها كما هي أو تعدل فيها حسب السياق المحلي ، و لكن هذا مرتبط بمكانتها الاقتصادية و السياسية و الثقافية في العالم فبقدر ما تزيد و تنقص يكون تأثيرها في العولمة القانونية .

السؤال : العولمة لديها المرجعية أم لا ؟ نعم لديها ، و هذه المرجعية أين وضعت المرأة في منظومتها القانونية ؟ بمقتضى البند 16 من العهد الدولي حول المرأة هو الاعتراف بها في كل مكان بوصفها شخصا أمام القانون له دلالته الخاصة بالنسبة للمرأة التي ترى هذا الحق يختصر لأسباب الجنس أو الوضع العائلي ، و يعني هذا الحق أهلية المرأة في الملكية و إبرام العقود و لممارسة حقوقها المدنية لا يمكن تقييدها على أساس الوضع العائلي أو أي أساس تمييزي آخر .

و بناء عليه ألزمت هذه المرجعية العالم بصك بموجب اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، و سميت هذه الاتفاقية (باتفاقية سيداو). ما هي هذه الاتفاقية ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (33) ان شاء الله تعالى…. الى اللقاء