فَلَك النور – العدد (2) – 15 محرم 1440هـ الموافق 25 / 9 / 2018م
محتوى هذا العدد
التصميم الذاتي لكل شيء.
العلاقة بين التشريع والاحتياج الذاتي.
تشريع الصانع والاحتياج الذاتي
– السيارة ومصنع صنعها.
– الإنسان ومصنع صنعه.
– الكائنات ومصنع صنعها.
التصميم الذاتي للبدن علة الاحتياج الذاتي
بصمة الصانع
إن عقولنا تأبى الاستغفال، أو الاستهانة بها وبما لديها من القدرة على استكشاف المجاهيل، فإذا وجد شيء ما في المكتب أو على السيارة أو فيها، او في البيت فإن أبسط سؤال نسأله هو: “من الذي وضع هذا الشئ هنا؟!”، أليس كذلك؟،
والتصميم الذي عليه هذا البدن من تركيبة خاصة، ومن وجود العظام، المخ، القلب، الانزيمات، والأمعاء، ومعادن رئيسية وثانوية من قبيل: البوتاسيوم، والصوديوم، والكلور، والمغنيسيوم، والكبريت، وغيرها من المعادن الكثيرة في هذا البدن، بالإضافة إلى الخلايا التي لا ترى بالعين المجردة، ويصل عدد الخلايا في جسم الإنسان إلى حوالي 37,2 ترليون خلية’، أليس لها احتياجها الذاتي؟!.
التصميم الذاتي لكل شيء
لكل شيء في هذا العالم احتياج ناشئ من ذاته
تبين من خلال البدن وما فيه من الكائنات الكثيرة جداً أن لكل شيء منها احتياج ذاتي خاص، وأن هذا البدن قد صمم بتصميم تتفاعل فيه كل الكائنات وبشكل مذهل لاستمرار حياة الإنسان، إلا إذا ارتكب هذا الإنسان حماقات تخل من توازن الأعضاء، وتعطبها، أو تضعف من وظيفتها.
ولو نظرنا إلى ما حولنا من الكائنات والموجودات وبقليل من التأمل لوجدناها هي أيضاً تحمل نفس ما يحمله البدن من مركب الاحتياج الذاتي، وهو:
– الاحتياج الذاتي الاستقلالي للعضو أو الخلية.
– الاحتياج الذاتي المجموعي للأعضاء أو الخلايا في البدن.
فكما أن للماء احتياجاً ذاتياً لتفاعله مع الهواء والحرارة والإنسان وسائر الكائنات التي تعيش عليه يتكون له احتياجاً ذاتياً بلحاظ تلكم الكائنات التي تحيط به وتستفيد منه.
وهنا نضطر أن نتعامل مع الماء كفرد من أفراد المجموعة الطبيعية، وليس ككائن مستقل وفي معزل عن سائر الكائنات.
العلاقة بين التشريع والاحتياج الذاتي
سؤالٌ مهمٌ يطرح في البين، مفاده:
هل الأحكام والقوانين توجد قبل وجود الشئ ؟! ..
أم ..
أن الأحكام والقوانين توجد بعد وجود الشئ؟!.
الجواب:
لنوضح هذا المطلب بمثال “الماء”.
لو حكم شخص على الماء بأنه “جامد”، “متكلم”، ملون”!.
فإننا جميعاً سوف نقول له هذه ليست أوصاف الماء، فحكمك ليس صحيحاً.
وهنا سوف يطرح هذا التساؤل .. إذن كيف يمكن لي أن أحكم على الماء؟!، وما هي الخطوات لإصدار أحكام على الماء؟، لتسهيل التعامل معه!.
الجواب:
إننا وقبل الحكم على الماء علينا
أولاً: أن ندرسه دراسة دقيقة
ثانياً: ننتزع من الماء نفسه الأحكام.
ثالثاً: نصيغ هذه الأحكام في صياغة لفظة تعبيرية.
رابعاً: نعمم هذه الأحكام.
لاحظ إن مرحلة توصيف الماء بالأوصاف كانت:
1- متأخرة عن دراسته.
2- لم تكن إلا انتزاعية، أي أنها انتزعت من نفس الماء ووجوده وحقيقته.
3- ما كنت وظيفة الإنسان سوى صياغتها.
وهذا الذي نقول في “علم النور” أن توصيف الإنسان للماء ليس “إيجاد الأحكام”، وإنما “إنتزاع الأحكام”.
تشريع الصانع والاحتياج الذاتي
العلاج المطلق لتلبية الاحتياج الذاتي
ولأجل تبين ما عليه المدرسة الإلهية من المهم أن نقدم لها هذه المقدمة ..
إن مثال الماء الذي تقدم في أن الأحكام التي يفترض أن توضع له ينبغي أن لا تتقدم على دراسته ومعرفته، وإلا وقعنا في إشكالية فرض الرأي والأحكام عليه، وننتهي إلى نتيجة سلبية غير مرضية، ومنافية للاحتياج الذاتي، وغير موائمة لمتطلبات الذات، لهذا نجد أن المنطق بفرض التسلسل في المراحل لوضع حكم أو احكام له، ثم تعمم على البشرية.
السيارة ومصنع صنعها:
من البديهي أن يتوجه المرء حينما تتعطل أجهزة سيارته إلى الوكالة أو إلى المصنع، لأن هناك فقط توجد الأجهزة للإصلاح، والسبب البديهي الذي كل من يقرأ هذه المجلة يعرفه هو لأن السيارة قد صنعت فيه فهو أعلم من جميع المصانع بالخلل بالدقة.
الإنسان ومصنع صنعه:
فكذلك الإنسان فقد صنع في مصنع وجودي، فمن الطبيعي أن يحوي هذا المصنع كل ما يتعلق به من أرشادات وتعليمات التنمية والرقي، وتحذيرات السقوط والهوي، ونقاط القوة والضعف فيه.
فنجد في المدرسة الإلهية تقدم “الصناعة” على القوانين والأحكام رتبة، ولهذه هناك مقوله في “علم الكلام” أن الأحكام والقوانين الإلهية تتبع المصالح والمفاسد، وهذا يعني هذه الأحكام متأخرة عن وجود الإنسان والموجودات.
فكأن الإنسان وجد وصنع أولاً، ثم انتزعت من تكوينه وصٌنعته الأحكام التي تريده ذاته، ويتطلبه الاحتياج الذاتي فيه، فتأمل جيداً.
الكائنات ومصنع صنعها:
وكذلك الكائنات كلها مصنوعة في نفس المصنع، فتأمل جيداً.
فلأن المصنع واحد، والصانع واحد فإن هذا شكل بين كل الموجودات ابتداء من أصغر جزء في الذرة إلى أكبر وأعظم مجرة اتصالاً وارتباطاً فريداً إلى درجة التفاعل.
الأمر الذي يدل على أن كل الكائنات والموجودات تملك نحواً من الشعور والاحساس، ويحتاج إلى تفعيل صحيح، وهذا لا يتم إلا بناء على تحقيق الاحتياج الذاتي لكل شيء يدخل في هذا التفعيل.