الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (6)
نحن نعرف أن للذكر حقوق و للأنثى حقوق كما أن عليهما الذكر والأنثى واجبات وعلى نفس القدر من الأهمية يتم صناعة القوانين و تفسيرها و تطبيقها و إنفاذها و تعرف العملية حسب درجة الإنصاف في النتائج. فإذا كنت تعيش في دولة دينية فكما قلنا لابد أن يكون لكل مذهب و دين قانون الأحوال الشخصية الخاص به، و لكل مدرسة فقهية قانون الأحوال الشخصية الخاصة بها
لأن الفقيه عندما يصبح طرفا في حل أية مشكلة اجتماعية كالحضانة مثلا ، فإنه أولى من غيره باحترام النصوص المقدسة وتفسيرها ، و الالتزام بحماية الأطراف المعنية في هذا النص لضمان تطبيق حقوق الإنسان ، تماما عندما تصدر الدولة قوانين ما فإنها أولى من غيرها باحترام هذه القوانين و حمايتها لضمان حقوق الإنسان
و هذا الاحترام يعني عدم تدخل الفقيه مع الأطراف المتمتعة في حقوقهم ، و الالتزام يعني حماية حقوق الأفراد و الجماعات من انتهاكات حقوق الإنسان رجلا كان أم إمرأة و يجب أن يتخذ كل التدابير لمنع هذه الانتهاكات
و لكن إذا قلت أنك تعيش في دولة مدنية إذن سيتم تطبيق نظام المواطنة على كل فرد ذكرا كان أم أنثى، فالدولة ملزمة بتطبيق القوانين و تفسيرها و نفاذها و اتخاذ كافة التدابير للحفاظ على حقوق الإنسان
السؤال : الحضانة مصطلح ديني أم مدني؟ ديني فإذا أراد الفقيه تطبيق أحكام الحضانة الشرعية هل يستطيع تطبيقها في دولة مدنية دون الرجوع إلى نظام المواطنة أم أن عليه موافقة أحكامها الشرعية مع نظام المواطنة أي منهم؟ لنوضح أكثر
مثلا هناك مشكلة اجتماعية بين رجل و إمراة تزوجا ثم انفصلا و لديهم طفل دون سن الرشد ،هذا الطفل له حق الرعاية أم لا ؟ نعم له حق الرعاية ، من سيحدد حق الطفل في الرعاية و الحماية الفقيه أم الدولة ؟ للإجابة على هذه التساؤلات ركزوا معي على الجواب رجاء
الحضانة لغة كما جاء في (لسان العرب لابن منظور جزء 1 ص 661)(مشتقة من الحضن ما دون الإبط إلى الكشح و قيل هو الصدر و العضدان و ما بينهما يقال حضنت الأم طفلها أي ضمته إلى صدرها و الطائر حضن بيضه أي ضمه تحت جناحيه)
شرعا فجاء في (روضة الطالبين – يحيى بن شرف النووي جزء 9 ص 98) (القيام بحفظ من لا يميز و لا يستقل بره و تربيته بما يصلحه بدنيا و معنويا و وقايته عما يؤذيه) و في (تنقيح الرائع لمختصر الشرائع – جلال الدين الحلي – ص 274) (الحضانة شرعا ولاية وسلطة ) و قانونا الحضانة (حفظ الولد مما قد يضره قدر المستطاع و القيام بتربيته و حماية مصالحه)
هناك نقطة أود الإشارة إليها و هي الآن وقد عرفنا ما هو مفهوم الحضانة و تعلقها بحقوق الإنسان لنترك حقوق الذكر و الأنثى اللذان لهما حقوق الإنسان و ما يستحقان من حقوق يجب الحفاظ عليها فهي حقوق محمولة بمعنى يحملها الفقيه ليحافظ عليها عندما يصدر فتواه ، و الدولة عندما تصدر القوانين
و لكن ما هو موضوع هذه الحقوق مثلا هناك جمعيات لرعاية الحيوان إذن هناك حقوق للحيوان و لكن ما هو موضوعها ؟ ما هي قوانين الحفاظ على حقوق الحيوان ؟ هل تتصور أن هذه المسائل ظهرت جزافا في العالم ؟ كلا ، عليك أن تقدم تعريف للحيوان أولا ثم ترتب الواجبات و المسؤليات و الامتيازات له
وهذا الإنسان أيضا يجب أن يعرفه الفقيه أولا ؟ ثم يحدد ما هي حقوقه ثم يرتب واجباته و امتيازاته و مسؤلياته ، قل لي أنت عندما تذهب إلى فقيه أو إلى وكيل الفقيه بعض الفقهاء لهم وكلاء مثل فقهاء المذهب الشيعي الإمامي المرجع يسكن في بلد و وكلاؤه موزعون في بلدان متفرقة في أنحاء العالم
السؤال عندما ينفصل الزوجان عن بعضهما البعض و قد أجرى هذا الوكيل صيغة الطلاق هل يستطيع أن يحكم في مسالة الحضانة لمن تكون للأم أم للأب أم لا يستطيع ؟ الجواب لا يستطيع إذا لم يكن عنده قانون للأحوال الشخصية من المرجع الذي يمثله ، أما إن وجد فإنه يستطيع
قد يقول قائل في العصر الراهن الفقيه يعيش في دولة مدنية و ليست دينية فكيف يستطيع وضع قانون للأحوال الشخصية الخاص به و لمقلديه ؟ الجواب أولا قل لي ما هو مرجع الفتاوى لهذا الفقيه ؟ الجواب الرسالة العملية أو الفتوائية؟
السؤال هذه الرسالة العملية مبنية على العدالة الفردية أم العدالة الاجتماعية أي منهم ؟ تعالوا معي للنتصفح الكتب الفقهية لفقهاء المسلمين حول الحضانة لنر هل هي مبنية على العدالة الاجتماعية أم لا ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (14) إن شاء الله تعالى…. الى اللقاء
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (7)
نحن عندما نفتح الكتب الفقهية لفقهاء المسلمين نجد عناوين متعددة في المرأة ، و عندما نرجع إلى أحكام عنوان المرأة نجد المرأة تارة هي البنت أحكامها مختلفة ، و تارة هي الجدة فتختلف إحكامها، و تارة هي مطلقة فأحكامها مختلفة ، و تارة هي أرملة فأحكامها مختلفة ، و تارة هي عمة فأحكامها مختلفة أيضا ، و تارة هي خالة فأحكامها مختلفة ، و تارة هي أخت فتختلف أحكامها ، و تارة هي زوجة فأحكامها مختلفة و تارة هي أم فأحكامها مختلفة أيضا.
الآن أيا كانت هذه المراة عنوانها مشترك مع جميع هذه العناوين من حيث البلوغ و من حيث تغير الزمان و المكان و من حيث موطنها الجغرافي
هذه المرأة في الحضارات القديمة كانت مهمشة لا دور لها فهي لم يكن لها حق في امتلاك أي نوع من العقارات كما عند الأثنيويين ، وكانت تفسد قلوب الرجال فهي خلقت للمتعة كما عند الرومان ، و كان تعدد الزوجات مسموح به ولم يكن يعرف الولد لمن كما عند الفرس .
و هذا ينعكس سلبا على مصلحة الطفل و حفظه و تربيته و سلامته و دفع الضرر عنه ، و من المفيد بيان وجهة نظر العدالة الاجتماعية في وضع الطفل اجتماعيا في المنظومة الفقهية عند المسلمين، فلنأخذ بعض الأمثلة التي طُرحت في مسألة حضانة و رعاية الأطفال ، سنأخذ ما تم طرحه من فقهاء المسلمين قبل تسع قرون ثم ننظر إلى بيان فقهاء في هذا القرن ال-21 الميلادي هل اختلفت آراؤهم الفقهية أم بقيت كما هي ؟
أنت ادخل إلى جامع الأزهر في مصر ، و حوزة النجف الأشرف في العراق و اسأل أحد علمائهم هذا السؤال : عندما يقوم أحد علمائكم أو وكيله في أي بلد كان بنطق فتوى الفقيه في الطلاق في القضية الاجتماعية الماثلة أمامه هل يشمل في منطوق الفتوى الحضانة أم لا ؟ ماذا سيكون جوابهم ؟ ركزوا معي رجاء
كل فقهاء المسلمين اجمعوا أن منطوق الفتوى في الطلاق لا يشمل الحضانة وإنما هي مسؤولية القانون ، القاضي ينطق بحكم الطلاق يشمل المنطوق حق الحضانة إن وجدت . السؤال : الفقيه او وكيله هل سيتحمل تبعات ما بعد النطق بالطلاق أم لا ؟ إذا قلت الفقيه لا يتحمل تبعاته كالحضانة إن وجدت ، إذن هذه الفتاوى والنصوص الواردة في الرسالة العملية او الفتوائية للفقيه من سيتحمل مسؤوليتها ، الفقيه أم وكيله أم المقلد ؟
قد يقول القائل المرأة و الرجل مسؤوليتهما مناقشة رعاية الأطفال بعد الإنفصال ، دور الفقيه ينحصر فقط في إصدار الفتوى في الحضانة ضمن مبانيه هو وعليهما تطبيق ما أفتى به الفقيه . السؤال : هل هناك مساحة ود في مناقشة مسألة حضانة الأطفال بينهما بعد الطلاق ؟ ثم إذا وقع النزاع بين الطرفين في الحضانة والفقيه اعطى الفتوى لمن له حق الحضانة هل يستطيع إجبارالطرف الممتنع في تنفيذ الفتوى باستعمال القوة الجبرية ضده أم لا ؟
الجواب في كلا الحالتين لا . إذن هنا نكون قد دخلنا في مشكلة اجتماعية بين أسرتين أليس كذلك ما هو الحل ؟ الحل هو القضاء ، القضاء عندما يحكم في الحضانة سيحكم بناء على رأي ديني أم رأي القانون المدني أيا منهم ؟
إذا قلت على رأي ديني ، هنا علينا معرفة حكم الحضانة عند أصحاب المذاهب الإسلامية السبعة و هي : الحنفية ، المالكية ، الشافعية ، الحنبلية ، الشيعية ، الزيدية ، الإباضية ، تعالوا معي لنر ماذا تقول هذه المذاهب في الحضانة ؟
الحنفية : جاء في كتاب مبسوط – شمس الدين السرخسي – جزء 5 ص 207 الأم لها حق في الحضانة تنتهي في الغلام ببلوغه 7 سنوات و الفتاة التاسعة من عمرها.
المالكية : جاء في بداية المجتهد جزء 3 ص79 الحضانة للأم تنتهي في الغلام بالبلوغ وبعدها يخير و في الفتاة تنتهي بعد الزواج
الشافعية : جاء في المجموع شرح المهذب – للنووي جزء 18 ص380 الحضانة للأم تنتهي في الغلام إذا بلغ السابعة من عمر و الفتاة التاسعة من عمرها تخير بين الأم و الأب
الحنابلة : جاء في كشاف القناع جزء 5 ص502 الحضانة للغلام مثل الشافعية و الفتاة تسلم لأبيها بعد التاسعة
الشيعة : من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق جزء 3 ص 434 عن أبي عبداالله الصادق ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية فإذا فطم فالأب أحق به
الزيدية : جاء في كتاب أحكام – الهادي الى الحق يحي بن الحسين – جزء 1 ص 433 الأم أحق بالولد و أم الأم ثم الأب ثم الخالة
الإباضية : نشر موقع مركز الدراسات الإباضية الإلكتروني (نادرات) في بحث كتبه اسماعيل الأغبري – تقنين الفقه الإسلامي قانون الأحوال الشخصية العماني ميل المذهب الى رأي الإمام السالمي في أن الام أحق بالحضانة حتى لو تزوجت
السؤال القاضي على أي رأي فقهي مذهبي سيحكم في الحضانة هل على الرأي الحنفي أم المالكي أم الحنبلي أم الشافعي أم الشيعي أم الزيدي أم الإباضية ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (15) إن شاء الله تعالى – إلى اللقاء
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (8)
ما هو تعريف الحق شرعا ؟ الجواب : لا يوجد تعريف خاص عند الفقهاء سوى ما يطلق عليه لغة كل ما أمرنا الله به و ما نهانا عنه ، لأن القدامى لم يضعوا تعريفا دقيقا جامعا مانعا لهذا المصطلح . (دكتور أحمد محمد الخولي في كتابه – نظرية الحق بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي ص 15).
لماذا يهتم العلماء والباحثون والمفكرون بالتعريف من حيث التعريف ؟ التعريف هو حقيقة ما وضع اللفظ بإزائه كخطوة أولى للبحث عن فكرة جديدة لتساير الأفكار و تستوعب الآفاق ، و من حيث البحث العلمي فإنه لا تتم معالجة شيء بدون التعريف لأننا سنفقد الدقة و المنهجية في التفكير السليم ، يقول السيد صبحي المتولي في مجلة الدراسات في التعليم الجامعي العدد 32 لعام 2016 (من غير المقبول في العلم أن تترك عبارة واحدة دون تحديد دقيق)
إلى الآن نحن لم نقف على تعريف مفردة (الحق) ، و لا نعرف أين نضعه في خانة الفقه أو القانون ، لأن موضوع الحضانة البعض يعتبرها موضوع شرعي ديني ، و البعض الآخر يعتبرها موضوع مدني اجتماعي ، و قد رأينا اختلاف الفقهاء فيها ، فحق من هنا في الحضانة للرجل أم للمرأة حتى نعطي لكل صاحب حق حقه ؟
لأنه لا يمكن أن لا يكون هناك تعريف لمفردة (الحق) و قد استخدمت في القرآن الكريم في أكثر من موضع مثلا في سورة الإسراء آية 81 (و قل جاء الحق و زهق الباطل) يقول المفسرون الحق هو ما أوحاه الله إلى نبيه ، و لكن ما هو تعريفه المجرد يقول تلميذ خاتم الرسل (ص) علي بن ابي طالب عن تعريف (الحق)
كما جاء في نهج البلاغة خطبة رقم 205 (رحم الله رجلا رأى الحق فأعان عليه) الرجل هنا في فكر علي بن أبي طالب يعني الذكر و الأنثى معا ، فلا يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أن الرجل يعني الذكر دون الأنثى لا أبدا
إذن الحق هو رؤية شيء موجود. وما هو الموجود ؟ هي القوانين التي تسيطر على الواقع الملموس في نظام متناسق و مستمر لتحقيق أهداف إنسانية . الآن بعد أن حصلنا على تعريف الحق ، نستطيع الوصول إلى الجواب لسؤال طرحناه سابقا القضاء على أي رأي فقهي مذهبي سيحكم في الحضانة ؟
ركزوا معي رجاء ، نحن عرفنا أن فقهاء المذاهب الإسلامية القدامي اختلفوا في تطبيق حكم الحضانة أليس كذلك فالبعض ذهب مثل الحنفية و الشافعية و الشيعة و الحنبلية إلى أن الحضانة للأم في الولد 7 سنوات و في البنت 9 سنوات ، و المالكية و الزيدية و الإباضية الحضانة للأم حتى سن البلوغ
قبل أن نتوسع في البحث لا بأس من التعرف على آراء الفقهاء المعاصرين من أصحاب المذاهب الإسلامية السبعة هل اختلفت أرائهم الفقهية عن رأي الفقهاء القدامى في مسالة الحضانة أم بقيت كما هي ؟
الشيعة : جاء في (منهاج الصالحين – السيد الخوئي – جزء 2 ص 285 (الأم أحق بحضانة الولد إن شاءت إذا كانت حرة مسلمة عاقلة مأمونة على الولد إلى سنتين و إن كان أنثى و الأولى جعله في حضانة الأم إلى سبع سنين و إن كان ذكر و تسقط الحضانة إذا تزوجت و لا تسقط إذا زنت) و هو رأي السيد السيستاني حيث أضاف كلمة واحدة (الحضانة حق الأب) لم يتغير الحكم من عهد الشيخ الصدوق وإلى الأن بل أضيف فيه عدم سقوط الحضانة للزانية
: جاء في كتاب الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل تأليف عبدالله بن قدامه المقدسي باب الحضانة وجب إحياؤه ، الأم أحق بالحضانه) تجدد الحكم في الحضانة من تحديد سن الطفل إلى الحضانة للأم مطلقا حتى سن البلوغ ،
الشافعية : جاء في كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي – مجموعة من المؤلفين – ص 196 الحضانة يخير فيه الطفل بعد سنتين من الرضاعة ، إذن الحكم تجدد من تحديد سن الطفل إلى إعطاء الطفل الاختيار في تحديد طرف المحضون في الذهاب معه أمه أم أبيه
الحنفية : ذهبوا مذهب الفقه الجعفري إلا أنهم اعتبروا أن الأم إذا زنت سقط عنها الحضانة بعكس الشيعة (الفقه على المذاهب الأربعة تأليف عبدالرحمن الجزيري جزء 4 ص 290)
الإباضية : لم يتغير الحكم بل أضيف فيه سقوط حضانة الأم في حالة الزواج من الأجنبي ، و يقصد بالأجنبي من كان خارجا من دائرة أسرة الأم . الزيدية : بقت على نفس الحكم الحضانة للأم حتى سن البلوغ لا تجديد فيه . المالكية : بقت على نفس الحكم السابق لا تجديد فيه.
طبعا من خلال قراءتنا و بحثنا في القضايا المثيرة للجدل مثل الحضانة فإننا نصبوا في عملنا هذا إلى دعم الفكر التجديدي وبناء قواعده الفكرية ، خاصة فيما يتعلق ببعض قضايا المرأة التي تخضع للجدل و مواجهة الجهل العام ، و هذا العمل أوصلنا إلى أن الاختلافات الفقهية و الجدل الكلامي الذي يعتبر جزءاً من التراث الإسلامي و يستخدم من أجل الحياة العامة و الخاصة للذكر و الأنثى على حد سواء
فإن من حق كل واحد منهما في هذه الحالة التعبير عن آرائهم و مخاوفهم من تطبيق تلك الفتاوى المختلف عليها في الحضانة بين الفقهاء ، لأنه القاعدة المعرفية تقول لا يمكن احتكار المعرفة في شخص واحد أو جهة واحدة و تضييق حقوق المجتمع ، فيجب أن تتضافر الجهود من خلال التحاور مع المجتمعات أيا كانت القضية . قد يقول قائل هل تريد من الفقيه فتح باب الحوار مع المجتمع في القضايا الجدلية كالحضانة مثلا ؟ الجواب نعم و لماذا يجب عليه فتح هذا الباب ؟ الجواب للأسباب التالية :-
أولا : لا يوجد اعتراف لدور المرأة في المشاركة في صنع القرار المصيري للأطفال لأنه عندما يأتي إسم الدين على أسماع المرأة عليها تكميم الأفواه في التعبير عن أرائهن السؤال : ماذا يقال عن الإسلام ؟
نحن وجدنا بما لا يدع مجالا للشك الاختلاف في تحديد الطرف الذي يحق له الحضانة فهل آراء الفقهاء هو قول الإسلام أم ماذا ؟ الجواب كلا و إنما السنة النبوية الشريفة و القرآن الكريم هو قول الإسلام ، إذن تعالوا معي لنر ماذا تقول السنة النبوية الشريفة في الحضانة هل اتفقت مع أصحاب المذاهب أم لا ؟
جاء في حديث مرفوع رواه النسائي في السنن الكبرى رقم الحديث( 5492) و صححه الترمدي أن إمرأة جاءت إلى النبي الخاتم (ص) و قالت له إن زوجي يريد أن يذهب بابني و قد سقاني من بئر أبي عيينة و نفعني فقال النبي الخاتم (ص) للولد (هذا أبوك و هذه أمك فخذ بيد من أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به)
هذه القناعة النبوية أثبتت لنا أن المرأة لها حق الحضانة و لا توقف التطور الإنساني بل هي أساس البناء المجتمعي ، و أن الجنس والاختلافات البيولوجية لا تقف حجر عثرة في التحيز بين الذكر لأنه يملك العقل الراجح كما يدعيه البعض و الأنثى لأنها سفيهة كما فسر أحد الفقهاء الآية 5 من سورة النساء {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قالوا: السفهاء: النساء و الأولاد. وقال بعضهم: “النساء أسفه السفهاء
بالله عليكم هل ينسجم هذا التفسير في إعطاء الحضانة للمرأة ؟ مؤكد لا ، و هذه النظرة الدونية كانت سببا في بناء العقل الفقهي السؤال كم عدد العلوم المعرفية التي تدخل في صياغة مفهوم الحضانة فقهيا وقانونيا ؟ الجواب سبعة علوم و هي : علم اللغة ،علم الأصول ،علم الحديث ، علم القرآن ،علم النفس ،علم الاجتماع ، علم القانون
فإذا غاب أي علم من هذه العلوم في الحكم الصادر في الحضانة سواء من الفقيه أو القانون الوضعي فهو حكم ناقص لأنه سيوقع ضررا على أحد الطرفين إما الرجل أو المرأة ، و الفتاوى التي قرأناها في الحضانة ترجح كفة من الرجل أم المرأة ؟ الرجل بلا أدنى الشك ، بالنتيجة السنة النبوية الشريفة في واد ، وفتوى الفقيه في واد أخر .
ثانيا : الاسلام بدأ بكلمة إقرا والتي يمكننا التعرف على عالم المراة فيه حيث لا نحتاج الى مد النظر الى البعيد من اجل تاييد ما يخالف مبدأ الحق ، فحق المراة متجذر في الدين والتراث ، والاسلام ليس مصدر قهر المراة ، وليس مصدر تفسير ذكوري، وليس مصدر تكوين الصورة الدونية للمرأة .
نكمل بحثنا في الحلقة (16) ان شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء.
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (9)
أعتقد لن يختلف أحد معي في أن العقل الفقهي هو نمط رؤية ذهنية خاصة تختلف عن رؤية ذهنية العامة ، و قد رأينا أن الاختلافات الفقهية جعلتنا نعيد النظر في العلاقة بين العقل و الدين لأن الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل منزه من كل عيب ، ولا يعتريه السهو في معالجة مفاصل حياة الإنسان حتى في أدق جزئياته يستطيع تقديم مفاهيم متجددة ضمن دائرة الوحي و الاستنباط مما جاء به الوحي ، بدل الذهاب إلى ما قاله مشهور الفقهاء ، و أخبار الآحاد ، و الاستناد على ما وصلتنا من تجارب الحضارات الإنسانية القديمة
و هذا الدوران حول محور مشهور الفقهاء لم يكن في مسألة حق الحضانة لمن تكون للرجل أو للمرأة ، بل توسعت دائرته إلى مسألة الطلاق و مسائل فقهية اخرى ، الأمر الذي جعل البحث عن حل ضمن دائرة الشرع لإيجاد التوازن المجتمعي فكان ضرورويا سن القانون الوضعي لحلحلة المسأئل الإجتماعية فأصبحت لدينا قوانين مدنية في الحضانة و الطلاق و غيرها، و قبل التطرق إلى هذه القوانين وأثرها الإجتماعي دعونا نرى ماذا يوجد في جعبة فقهاء المسلمين في مسألة الطلاق .
في مسألة الحضانة رأينا أن الفقيه لا يملك القدرة في تحمل مسؤولية النصوص الفتوائية التي كتبها في رسالته العملية و هذا المأزق وقع فيه الرجل و المرأة على أرض الواقع ، وبذلك يتعين التعامل معه في البحث عن الإجابة للخروج من هذا المأزق الفقهي وذلك من خلال تفسير النص المقدس أكثر تقدما بما طرحه الفقيه ، و لو امتلكنا الحماس الفكري و الشجاعة و الإرادة من أجل التوصل إلى تفسير جديد للقرآن الكريم لوصلنا إلى التعامل به مع زماننا و ظروفنا المتغيرة
السؤال :- هل تعامل الفقهاء في قضية الطلاق بنفس طريقة الحضانة أم لا ؟ للنتعرف على مصطلح الطلاق أولا ما معنى الطلاق ؟ الطلاق لغة رفع القيد الحسي أو المعنوي نقول فك عقال بعيره أي أطلق البعير
أما شرعا عرفها أهل السنة (هو حل رباط الزوجية) (أحكام الحوال الشخصية – عبدالوهاب الخلاف – ص 128 ) و الشيعة قالوا (إزالة قيد النكاح بغير صيغة الطلاق) ( الروضة البهية – الشهيد الثاني – جزء 2 ص 147)
فإذا أراد أحد الزوجين التخلص من رباط الزوجية لأسباب حمل أحد الطرفين في إنهاء هذا العقد ، فالإسلام شرع لهما الخلاص من هذا الرباط الذي لا خير في بقائه . السؤال : من يملك حق الطلاق على فقه المذاهب السبعة الحنفية ، الشافعية ، المالكية ، الحنبلية ، الشيعية، الزيدية ، الإباضية ؟ تعالوا معي لنرى من يملك هذا الحق الرجل أم المرأة أم كليهما
الحنفية : جاء في كتاب (احكام الاحوال الشخصية – عبدالوهاب الخلاف – ص 133) الذي يقع الطلاق منه هو الزوج ، إذن الطلاق بيد الرجل هو من يملك حق الطلاق
الشافعية ، الحنبلية ، المالكية جاء في كتاب (فقه على المذاهب الأربعة – عبدالرحمن الجزيري – جزء 4 ص 174 ) ( فمن العدل أن يكون الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة ) لماذا ؟ يقول : لأن الشريعة كلفت الرجل بالإنفاق على المرأة و أولادها و أيضا كلفته أن يدفع لها صداقا و لها أجرة الرضاعة ، هنا أيضا حق الطلاق بيد الرجل
الشيعة جاء في وسائل الشيعة – الحر العاملي جزء 22 ص98 حديث رقم 28122) عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة و شرطت عليه أن بيدها الجماع و الطلاق، فقال: خالف السنة و ولى الحق من ليس أهله، و قضى أن على الرجل الصداق، و أن بيده الجماع و الطلاق و تلك السنة) كذلك هنا حق الطلاق بيد الرجل
الزيدية : جاء في الموسوعة الدينية – المبحث الثامن – الطلاق بيد الزوج و يرجعون إلى قول الكاشاني أن لماذا كان الطلاق بيد الزوج لأنه أرجح عقلا. وهنا أيضا حق الطلاق بيد الرجل
الإباضية : جاء في جوابات (الشيخ السالمي جزء 3 ص 158 (يذهب أكثر الإباضيَّة إلى أن المرأة إن طلقت نفسها في ذات المجلس الذي ملكت فيه أمر طلاقها وقع الطلاق، وإلا فلا؛ لأنها ليست أهلا للتطليق ) كذلك هنا الطلاق بيد الرجل
واقعا الفقه المذهبي وضع المرأة أمام مأزق كبير و كبير جدا ، إذا أردنا أن نقيم دولة إسلامية داخل المجتمعات الديموقراطية فالمساواة في نظرية الجندر و التي سنناقشها في هذا البحث لاحقا و التي تقر بحقوق متساوية للجميع يمكن أن يرغب هذا الفكر الفقهي المذهبي في دعم هذه النظرية أم لا يمكن ؟
هذه العلاقة الزوجية بنيت على أساس شرعي و هدمها بحاجة إلى مشروعية لذلك أليس كذلك لأن المنظومة الدينية في المعارف الإسلامية أجازت ذلك و الدليل الآية 227 من سورة البقرة ( و إن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم)
العزم يعني بدون تردد بسبب وجود مانع في استمرارية العلاقة الزوجية عزم أحد الطرفين إنهاء هذه العلاقة فإذا لم يوجد سبب فهل مسموح للرجل تطليق زوجته أم غير مسموح ؟ إذا كان الجواب مسموح له فهذا خلاف الآية القرآنية لأن العزم لا يأتي بدون سبب فالمسألة أصبحت مزاجية عند الرجل حينئذ لايوجد سبب عقلي ولا سبب عرفي ولا سبب ديني ولا سبب مرض و يتم إنهاء هذه العلاقة من جانب واحد هنا يحتاج حكم من أهله وحكم من أهلها ؟ لا يحتاج لأنه الرجل يستطيع الحصول على منطوق الطلاق في نفس اليوم رفع فيه قضيته إلى عالم دين أو وكيله
هذا إثم في الشرع أليس كذلك علما ان القانون الوضعي يعاقب إذا أجريت صيغة الطلاق في نفس اليوم دون وجود مساحة كافية لدراسة القضية من أي مذهب كان لأنه يعتبر هذا الإجراء الفقهي جزء من انواع التميز بين الرجل والمرأة
و لكن للأسف نجد أن هذا الرجل أخذ الضؤ الأخضر من الفقيه أنك يارجل حر أن تطلق أين شئت ومتى ما شئت و في أي ظرف شئت و على أي حالة كنت فيها حتى لو كنت سكرانا فأنت حر نعم المذاهب الإسلامية تجيز طلاق السكران الذي يستطيع تميز بين السماء و الأرض وإن كان سكرانا راجع (منهاج الصالحين – السيد علي السيستاني – جزء 3 –ص 133) وكذلك ( الفقه على المذاهب الأربعة – الجزيري – باب طلاق السكران)
وإذا كان غير مسموح له تطليق زوجته بدون سبب عقلي أو ديني أو عرفي او مرض فهل سيقبل الرجل هذه الشروط في ظل الحرية المطلقة التي منحت له من الفقهاء ؟ الجواب كلا و ألف كلا لماذا ؟ لأنه لا توجد منظومة فقهية تساوي المرأة مع الرجل في الأحوال الشخصية كالطلاق فهناك تناقض بين فهم الفقيه وبين مقصد مصدر الشريعة الأول وهو القرأن الكريم
السؤال : في ظل هذا التناقض هل يحق للمرأة أن تطالب بحقها في استرجاع اعتبارها الذي غيبه الفقه المذهبي أم لا ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (17) ان شاء الله تعالى ..الى اللقاء
الخطاب الديني والعدالة الاجتماعية (10)
يحكى أن شابا حضر ندوة متعلقة بحقوق المرأة رفع الشاب يده وسط الحضور وقف و بصوت عال سأل “أي حقوق تريدها المرأة ؟ واقعا الفقهاء و وكلاؤهم لم يقصروا في نشر الثقافة الدونية و القراءة الذكورية للمرأة في المجتمعات الإسلامية و هذه القراءات بقيت كما هي التي كانت منذ تسع قرون مضت و إلى اليوم لا تجديد فيها فالإرث الفقهي الذي وصلنا من الفقهاء القدامى لم تؤهل السيادة للفقه
لأن الواقع الذي وجدناه ما زال فاترا لا يبعث إلى الاستنهاض لتكون للفقه قدم راسخة في العصر الراهن، ومن قال أن هناك باب اجتهاد مفتوح عند بعض المذاهب الإسلامية فهو واهم في ضؤ ما قرأنا من النصوص الفتوائية عند فقهاء المسلمين قديما وحديثا .
فالحقوق و الحريات في إطار القرآن الكريم تعتبر الحقوق مثل المساواة بين الجنسين الذكر و الأنثى و حمايتهما من التميز أمر ضروري لحياة كريمة و العيش برفاهية ضمن العدالة الاجتماعية
و هذا الذي دفع بالإنسان لإيجاد صيغة جديدة في تنظيم العلاقة بين الإنسان و المجتمع لاستمرار وجوده و حماية حقوقه و ضمان حرياته ، و يساعد في حل مشاكله الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و هذه الصيغ سميت بالقانون من أجل تمكينه كنهج يكمل مفهوم العدالة الاجتماعية ،
من خلال إعطاء أفراد المجتمع المعلومات و المهارات و الأدوات التي تمكنهم من حماية حقوقهم و الدفاع عنها و الوصول إلى الخدمات بشكل منصف ، و المطالبة بمساءلة المسؤولين الذين ساهموا بالإضرار بهذا الإنسان أو الأسرة.
فأصبح لدينا علم القانون له مجالاته و فروعه و تخصصاته و مواده ، هنا يرد عندي هذا السؤال: فتاوى الفقهاء مثلا في الحضانة أو الطلاق هل هي أحكام شرعية أم أحكام قضائية ؟ فإذا قلت إنها أحكام شرعية فنحن لسنا بحاجة إلى القانون لأن كل فرد من أفراد المجتمع يستطيع تطبيق هذه الأحكام و كما رأينا لا توجد منظومة تنفيذية لهذه الأحكام لأنك لا تعرف من له حق تنفيذ ها .
فالكل يقول أنا أعمل بتكليفي الشرعي ، أنا شاهدت رجل الدين يطرق باب الورثة في يوم وفاة الموروث بحجة أنه مكلف شرعا لأخذ الخمس ، أنت اقرأ فتاوى الخمس إذا وجدت حكم واحد يجيز لرجل الدين أن يقف على باب الورثة يطلب الخمس منهم فأتني به ، و لكن هذا حصل ، فمن سيوقف هذه التصرفات الغير مسؤولة ؟
أما إذا قلت إن الفتاوى هي أحكام قضائية السؤال ما هي خصوصيات الأحكام القضائية ؟ الآن أنت تصور أن لديك قضية تريد حل لها لنفترض قضية مالية ، حيثياتها ، أنك دخلت في شراكة مع شركة معينة و دفعت جزءاً من مالك في هذه الشركة مقابل نسبة من الأرباح ، و فوجئت أنك لن تحصل على هذه النسبة المئوية من الأرباح منها ، هل ستقيم دعوى قضائية على الشركة بأكملها على أصولها و شركائها و أعمالها و مشاريعها أم على جزئية تتعلق بك فقط ؟
الجواب على جزئية تتعلق بك ، من هنا نفهم أن الخصوصية القضائية هي أنها مرتبطة بقضية جزئية شخصية ، و هذه الجزئية الشخصية لا علاقة لها بالفتوى الكلي أو الحكم الكلي ، لنوضج المعنى الطلاق ما هي أنواعه ؟ الطلاق الرجعي ، الطلاق الخلع ، الطلاق العدي ، الطلاق الغير العدي
مثلا نأخذ الطلاق الخلع ، يقول الفقهاء يحق للمرأة طلب طلاق خلع الزوج من العقد الزوجية إذا استحال العيش معه . من سيتدخل في الفصل في الموضوع ؟ الفقيه سيعطي حكمه في خلع المرأة من الرجل ، و هل سيقبل الرجل بحكم الخلع من فقيه لا يقلده ؟
لن يقبل بلا أدنى شك لماذا ؟ لأنه سيحتج في حكم كلي في الطلاق ألا و هو أن الزواج بيد الرجل نقطة أول السطر. عندئذ عندك مجال في اللعب في أوراق الطلاق معه أم لا ؟ طبعا لا فماذا سيحدث ؟
المشاكل الاجتماعية ستتفاقم ، و الأحكام ستعطل ، و الأسر ستشتت ، قل لي من منكم سيقبل بهذا الوضع ؟ مؤكد لا أحد إذن نرجع و نقول إذا عجز الفقه عن حل هذه المشاكل هل القانون يمكن له تقديم حلول لها أم لا يمكن ؟ الجواب نعم يمكن ، كيف ؟ ركزوا معي رجاء
هل الشريعة المحمدية الأصيلة هل تمنع من الحفاظ على حقوق و حريات الإنسان و مساءلة المسؤولين عن انتهاكات هذه الحقوق و الحريات أم لا ؟ بطبيعة الحال لا و لكن الشريعة تضع شرطا واحدا أمام القانون ، ما هو هذا الشرط ؟
أن يكون القانون وفق ضوابط الشرع ، و هذا بحاجة إلى تدابير وقائية في حل النزعات ، و توفير الفرص المتكافئة للذكر والأنثى ، و حماية الحقوق ، و بتالي تعزيز سلطة القانون.
للتوضيح أكثر خذ مثلا الفقر هل يستطيع الفقير أن يتمتع بحقوقه المدنية و القانونية أو القدرة على ممارسة هذه الحقوق ؟ الجواب كلا إذن يجب كسر هذه الدائرة كي يستطيع الفقير ممارسة حقوقه القانونية و هذا سيؤدي إلى تعزيز سلطة القانون والتمكين القانوني و هو جزء مكمل للعدالة الاجتماعية
نكمل بحثنا في الحلقة (18) إن شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء