Image Not Found

سرد قصصي وقراءات نقدية تمتع الحضور عبر الفضاءات الافتراضية

قناة صالون فاطمة العلياني الأدبي: الأمسية القصصية العمانية السعودية

عُمان – كتبت: شذى البلوشية

أقيمت مساء السبت «الأمسية القصصية العمانية السعودية» بتنظيم من صالون فاطمة العلياني، وملتقى القصة الإلكتروني بالسعودية، مستضيفة مجموعة من القاصين والنقاد من السلطنة والمملكة، ليحتفي الحضور عبر الواقع الافتراضي بالقصة القصيرة، والقصيرة جدًا، والاستماع والاستمتاع بالنصوص السردية والقراءات النقدية.

بدأت الأمسية بتقديم الدكتورة سميرة الزهراني التي قالت في بداية الحديث: «كانت القصة وما زالت ذلك الفن الذي يأسرنا ويأخذ بلباب عقولنا، ويجعلنا في صلاة مقدسة لا ننفك عنها حتى ننهيها»، وأضافت: «القصص كما قال خالد الحسيني كالقطارات المتحركة، لا يهم من أين تركبها، ولكنك ستصل إلى غايتك عاجلًا أو آجلًا، وكل قصة جيدة لا تموت، لذا يخلد صاحبها ما دامت قصته خالدة».

واستطردت الزهراني: «تتبوأ القصة القصيرة في المشهد الأدبي في سلطنة عمان مكانة متقدمة، ومن خلال تتبع أشكال القص، من حيث ابتكار أشكال وأنماط، ويمكن القول إن القصة القصيرة غدت في السلطنة في الآونة الأخيرة هي الشكل الأبرز من أشكال السرد الأدبي، وأكثرها إنتاجًا، وشكلت معلمًا متميزًا في الحركة الثقافية العمانية».

وشرع القاصون في الأمسية بتقديم نصوصهم السردية واحدًا تلو الآخر، بدأت بالسرد الكاتبة إشراق النهدي، حيث قدمت قصتها من كتابها «حائط مموج»، بعنوان «تشظٍ»، ثم تلاها القاص مازن حبيب بقصة «حليب الأم»، وقدم الدكتور حسن النعمي مجموعة من القصص القصيرة جدًا، وهي ضمن المجموعة الجديدة التي ستصدر قريبًا، وستكون في معرض الرياض للكتاب تحمل عنوان «ما وراء الباب»، أولها قصة «شجرة» التي قال فيها: «كان يحب أن يستظل بشجرة، ولما أقفرت المدينة تذكر شجرة العائلة، فتش عنها فوجدها مهلهلة لا أوراق لها، فراح يبحث عن الطريق إلى جذورها».

وسرد قصة بعنوان «صوت» يقول فيها: «كنا متراصين في صالة ضيقة ومعتمة، والصمت يخيم على وجوهنا، كانت العيون وحدها تدور في الظلام، وصوت من بعيد ينتزعنا واحدًا تلو الآخر، حتى بدا التوتر يدب، إذ أن من يغيب لا يعود حتى يخبر عن الصوت البعيد».

وقدم عددًا من النصوص القصيرة جدًا حملت عناوين: «شاي»، «غفوة»، «قارورة»، «إرهابي»، «مفتاح»، «عقدة»، وغيرها من القصص، كما سرد الكاتب السعودي حسين السنونة قصته «ترترة نحو المحراب».

وقدم الأستاذ الدكتور إحسان صادق اللواتي مداخلته النقدية بعنوان «المفارقة في القصة العمانية القصيرة»، الذي قال إنه بحث يعمل على إعداده، في محاولة لتطبيق المفارقة على مجموعة قصصية معينة.

وقال اللواتي في مقدمة ورقته: «إن المفارقة استعمل كمصطلح منذ القدم إذا ورد ذكره في جمهورية أفلاطون، ولكنه لم يتوسع في استعماله ولم يأخذ مكانته في الدراسات إلا في مطلع القرن الثامن عشر، على أيدي النقاد الرومان، وذهبوا إلى أن المفارقة هي لب الفن، وهي عصبة الرئيس بل وصل الاهتمام إلى درجة أن هناك باحثين ذهبوا إلى أنه ليس أداة للتعبير وإنما أصبحت منهجًا له كل أوصاف المنهجية العلمية ومقوماتها».

وحول معنى المفارقة قال الدكتور إحسان صادق: «أبرز الدارسين ديسي ميوويك ذهب إلى أن المفارقة ليس لها معنى محدد، ومعناها في الحاضر يختلف عن الماضي، وفي بلد يختلف عن بلد آخر، وعند باحث قد يختلف معناها عند باحث آخر، لذا من العبث أن نحدد معنى محدد لمصطلح المفارقة».

وأضاف: «ذهب ميووك إلى أن المفارقة هي فن قول شيء دون قوله حقيقة، وأن يقول الإنسان شيئًا أو أشياء دون أن يصرح بها، وغالبًا يكون هذا الذي لم يصرح به مضادًا لما صرح به أو مناقضًا أو محدثًا نوعًا من نوع المخالفة لما يتوقعه المتلقي، وفي الواقع الباحثون توسعوا في تعريف المفارقة وتوقفوا عند درجاتها وأساليبها ودرجة تأثيرها وموضوعاتها وفصلوا في هذا وتفرعوا، ولن نخوض فيها الآن».

وحول ما تقدمه دراسة الدكتور إحسان قال: «دراستي تحاول أن تتبع المفارقة في القصة العمانية القصيرة، وننتقي نماذج متنوعة، ومن هذه النماذج قصة الكاتب والقاص محمود الرحبي، «في مديح الضجر» وهي واردة في مجموعته القصصية «مرعى النجوم»، الصادرة في سنة 2015م، القصة في مجملها تتحدث عن أربعة أصدقاء من المتقاعدين الذين كان لهم يومًا ما شأن في وظائفهم، ولكنهم الآن صاروا متقاعدين ولم يكن له من عمل سوى الاجتماع في كل ليلة في مقهى من مقاهي مدينة السيب، ويحاولون مطاردة الصمت والسأم والملل، منها ابتكار القصص، وابتكار الألعاب، والطرائف والسخرية وما إلى ذلك، وهي تنتهي بما بدأت».

وجاء في ورقة الدكتور اللواتي حديثه حول أنماط المفارقة في القصة المدروسة «في مديح الضجر» حيث قال: «أول المفارقات مفارقة التورية وهي طريقة من طرائق التعبير يكون فيها المعنى مناقضًا أو مضادًا للكلمات، وجاء في معجم أكسفورد يستخدم الكاتب في هذه المفارقة لهجة للمدح ولكن بأسلوب السخرية أو التهكم، وهذه المفارقة تعرف بمفارقة التورية أو السخرية، ونجدها في مواضع متعددة في هذه القصة، ويكفي أن نقف عند عنوان القصة، الذي يصرح أن القصة تريد أن تتناول مديحًا للضجر، وهو جاذب للمتلقي، ويحفزه لقراءة القصة، وحين يقرأ القصة يكتشف أن العنوان كان مخادعًا، القصة ليست بصديد مديح هذا الضجر، وإنما محاولات المتقاعدين للتخلص من الضجر، فهذا يعني أن هناك معنى مناقضًا».

وأضاف اللواتي حول المفارقات التي تناولتها القصة: «المفارقة الإشارية: عندما يستخدم القاص عبارات يشير بها إلى معنى دون أن يصرح به، من دون أن يفصل فيه، وهذا نجده حاضرًا بكثرة في القصة، مثال ذلك: الحياة الفكرية إذ يتبادلون أنواعًا من الطرائف والألغاز يفهم منها المتلقي أن حياتهم كانت جامدةً لا جديد فيها ولا قيمة لها، هذا النوع من الألغاز يشي عن خواء وفراغ، ويكشف عن عدم، وهذه الحياة الفكرية كشفت عن طريق تلك المفارقة».

وقال الدكتور إحسان عن «المفارقة التنافرية»: تعرف على أنها نظرة في الحياة تفيد أن تجاور المتنافرات جزء من بنية الوجود، والوجود قائم على تجمع المتناثرات، الجمع بين الأضداد، مؤكدًا على أن هذا ما نجده حاضرًا في قصة محمود الرحبي، إضافة إلى عدد من المفارقات التي ذكر اللواتي منها: «المفارقة التأجيلية، والمفارقة التأثيرية، والمفارقة الكونية، ومفارقة النقش الغائر، والمفارقة الدرامية، والمفارقة الرومانسية، والمفارقة البنائية: حيث لا توجد في هذه القصة عناصر القصة التقليدية، من حدث متطور فحبكة فذروة فحل فخاتمة، وهذا غير موجود، والحبكة في هذه القصة مفككة، وهي عادة تكون في الروايات لا في القصص، والزمان والمكان ثابتان في هذه القصة.

وختم اللواتي ورقته بالحديث حول فوائد المفارقة وأثرها، حيث قال إنها المفاجأة بغير المتوقع للقارئ، وإشراك القارئ في المسكوت عنه بتعبئة الفراغات، والوظيفة الإصلاحية.

وقدم الكاتب السعودي عبدالجليل الحافظ ورقة عمل بدأها بالحديث عن نشأة القصة القصيرة جدًا في المملكة العربية السعودية حيث قال: «ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وأقدم نص توصلت إليه هو نص لآرنست هومنغواي، كان بعنوان «حذاء للبيع.. حذاء لطفل صغير لم يستعمل قط»، والأديب السعودي كان الأسبق في الوطن العربي لكتابة القصة القصيرة جدًا، وذلك عندما كتب القاص جبير المليحان 11 نصًا لفن القصة القصيرة عام 1976م في ملحق المربد بجريدة اليوم، وأجزم أنه الأول في الوطن العربي، ولم يكن قد رجع إلى مثال عربي، وإنما يعتبر معبرًا عن حاجة ملحة من الناحية الأدبية، لم يطلع في تلك الحقبة أيضًا على نماذج أجنبية، سواء كانت نماذج مترجمة أو في لغتها الأصل، ويعبر من خلال تجربته عن أصالة وإبداع مكتنز في داخله، وأما أول مجموعة قصصة قصيرة جدًا مطبوعة كانت للقاص والروائي عبدالعزيز الصقعبي بعنوان «فراغات» الصادرة عام 1992م».

وأضاف الحافظ: «في مطلع القرن الواحد والعشرين أصبح للقصة القصيرة جدًا وهجها، وبدأت المجاميع القصصة بالظهور، ليصل عدد المجموعات القصصية القصيرة جدا بحسب ما ذكر خالد اليوسف في كتابه الجديد «دهشة القاص» إلى 250 مجموعة قصصية قصيرة جدا، وواجهت القصة القصيرة جدا أزمة وما زالت تواجهها، حيث إن كثرا يزعمون أنهم يكتبون القصة القصيرة جدًا جاءوا من خلفية لا تنتمي للسرد، وأشبه واقع القصة القصيرة جداً بما حدث لقصيدة النثر، حيث تسلق عليها أسماء لا علاقة لهم بالشعر، وأنتجوا ما يسمى بالمجموعات الشعرية، وكانت دواوينهم نماذج يستعين بها من كتب ضد قصيدة النثر، وهو عينه ما يحدث الآن للقصة القصيرة جدًا، ومن الإشكالات أيضًا التي تواجه القصة القصيرة جدًا هو عدم الاعتراف بها كجنس أدبي من كتاب القصة أنفسهم».