في الوقت الذي بدأت فيه معظم الدول العودة إلى فتح مجالات عملها لتعويض الخسائر وما فاتها من الأعمال، فإن بعضها تمكنت من تحقيق الإيجابيات والنمو خلال الفترة الماضية. ولقد كان لقرارات بعض الدول تجاه توفير اللقاحات في الوقت المناسب تأثيرات إيجابية على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصحية، عكس الدول التي تراخت في اتخاذ قراراتها في الوقت المناسب، الأمر الذي كلّفها الكثير سواء على مستوى الإصابات أو الوفيات أو الإغلاقات المتكررة للأعمال. وهذا يعني عدم فهمها بكيفية إدارة هذه الأزمة وفي اتخاذها القرارات المناسبة في الوقت المناسب.
وكما هو معروف فإن جميع دول العالم ومنذ بداية أزمة الجائحة مرت بأزمات اقتصادية ومالية. والكل اتخذ الإجراءات والاحترازات المناسبة للتصدي للتأثير الاقتصادي لهذا الوباء الذي أثر بشكل كبير على الناتج المحلي الإجمالي لها، إلا أن بعض البلدان سجلت مكاسب كبيرة. ووفق بيانات مؤسسة (فن بولد) تعد بريطانيا والهند وأسبانيا من أكبر الرابحين في تحقيق إجمالي الناتج المحلي بين الاقتصادات الكبيرة. فتلك الدول كانت ضمن أكبر الرابحين في تحقيق الناتج المحلي الإجمالي وبمتوسط نمو قدره 20.7 ٪ خلال الفترة الماضية. ووفق البيانات يتبيّن أن بريطانيا والهند وأسبانيا سجلت إجمالي الناتج المحلي بنسبة 22.20٪ و20.10٪ و19.80٪ على التوالي. أما على الصعيد العالمي، فقد سجلت ماكاو – وهي مقاطعة صينية – أكبر مكاسب في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 69.50٪ على أساس سنوي.
وفي الوقت الذي حققت فيه تلك المناطق هذه الإيجابيات خلال فترة الجائحة، نجد أماكن أخرى من العالم سجلت تراجعاً كبيراً في أعمالها الاقتصادية، فقد تلقى الناتج المحلي الإجمالي الليبي الضربة الأكبر، حيث خسر بنسبة 60.30 ٪، تليها فنزويلا بنسبة 26.80 ٪، واحتلت بوليفيا المرتبة الثالثة الخاسرة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 24.60 ٪، وهكذا مع عدة دول أخرى.
هذه الحقائق تشير إلى كيفية استجابة الدول وسياساتها في التأثير على الجائحة، وتمكنها من تحقيق المكاسب والخسائر بالنسبة لناتجها المحلي الإجمالي، وذلك من خلال الإجراءات التي اتخذتها في دعم إستراتيجياتها في مجال الصحة العامة، وسرعة طرحها للقاحات، ودعمها المالي والنقدي للمؤسسات المتضررة، والقرارات التي اتخذتها بالنسبة للقطاعات الاقتصادية المتضررة وخاصة في مجال السفر.
هذه النتائج تعكس اليوم بأن تلك الدول تمكنت فعلا من تحقيق المكاسب، بحيث أصبحت تقترب من مستويات ما قبل الوباء، ويعود الفضل لذلك أساسًا إلى سياسات الدعم المالي التي لقيتها مؤسساتها وشركاتها في تلك الفترة. وكان من الممكن أن تكون مكاسب وخسائر الناتج المحلي الإجمالي أقل، لولا السياسات النقدية التي اتبعتها الحكومات المختلفة لحماية اقتصاداتها من السقوط الحر والمتمثل في بعض التدابير مثل خفض أسعار الفائدة وتعليق بعض المتطلبات الضريبية للتنفيس عن تلك المؤسسات.
ومن خلال تلك الإجراءات يتضح بأن التعافي الاقتصادي في بعض الدول الرائدة مثل أمريكا قد عاد تقريبًا إلى المسار الصحيح، إلا أنه فشل في الوصول إلى أعلى الرابحين مثل الدول التي تم ذكرها في بداية المقال بسبب بعض الإجراءات السياسية وبعض قضايا العدالة الاجتماعية. واليوم تعمل جميع الدول على تحقيق النجاح السريع في القضاء على الأزمة الصحية وتحقيق النمو الاقتصادي ما بعد التعافي، بحيث لا يصيبها مزيد من الانتكاسات في تنميتها.