تبذل وزارة العمل جهدًا كبيرًا في سبيل توظيف المخرجات التي تراكمت من سنوات، وتعمل من جانب آخر على تقديم أنواع التدريب المختلفة كي تعزز دخول الشباب إلى سوق العمل. فتشكر الوزارة لهذا الجهد المزدوج والذي يكمل بعضه البعض. مع صدور تقرير اليونسكو بعنوان: «إعادة التفكير في التربية والتعليم، نحو
صالح عالمي مشترك». فإن العبء يتضاعف على الوزارة، فقد كسرت اليونسكو؛ وهي بيت الخبرة العالمي في التربية والتعليم، كسرت الحدود والفواصل بين التخصصات، وطالبت العالم بأن يكون مستعدا لإعادة التأهيل والتدريب، فهناك وظائف تموت وتنتهي، ووظائف جديدة تبرز بقوة بين ليلة وضحاها، فعالم الاقتصاد اليوم يرسي حقيقة مفادها أن سوق العمل متغير ومتطور، وهذا التغير والتطور هو السمة الغالبة لأسواق المستقبل، وأظن هذا التغير صحي؛ لأنه خطوة للتطور الحضاري البشري المبني على تطور العلوم والتكنولوجيا.
إن الخبرة التي تطالب بها بعض جهات العمل لتسلم مسؤولية عمل أو وظيفة لا بد أن تكون تدريبا على رأس العمل، فكل عمل يحتاج إلى مهارات خاصة به. فالتدريب المقنن والمقولب في غرف دراسية منعزلة عن الواقع لم يعد هو الملك الوحيد في سوق عمل متغير، بل قد يتحول إلى عائق إذا تجمد الفرد عليه طويلا، ولم يحاول اكتساب مهارات أوسع وأكثر تطورا خلال ممارسته للعمل.
وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أنه مهما كانت الشهادة؛ فإن التدريب المقنن والمفصل كالثوب المفصل، والتدريب على رأس العمل هما أساس الخبرة لأغلب الأعمال، مهما كان رأي أصحاب العمل، ولم تعد الشهادة هي البطل الوحيد في المشهد.
لذا فإن اتجاه وزارة العمل إلى التدريب المفصل وفقا لمعطيات الوظائف، أمر يبعث على الارتياح، خاصة مع وجود وظائف غير معمنة، ووجود مخرجات في تخصصات ليست لها وظائف، مما يجعل التدريب هو الوسيط الذي يجمع المختلفين، ويصنع الانسجام والمواءمة بين خريج لا توجد له وظيفة، وبين وظيفة لا يوجد لها خريج.
إن هذه المواءمة عبر التدريب المفصل تفصيلا كالثوب هو الحل لاستيعاب خريجي تخصصات بالمئات لم يلقوا لهم وظيفة مناسبة إلى اليوم، وطال انتظارهم سنوات.
الأمر يحتاج إلى جهد كبير، ويحتاج إلى خبراء لديهم التفهم والإلمام الكافي والمرونة لبناء برامج التدريب التي تجسر الهوة بين التخصص والوظيفة المتوفرة، ويحتاج إلى حماس لا يفتر للسير في هذا المسار، ويحتاج إلى تقبل الشباب لتغيير التخصص إلى التخصص الجديد.
نحن نتكلم عن التدريب، وهي خطوة سبقتنا إليها دول كثيرة، بل هناك دول غربية وأوروبية رائدة خطت خطوات أوسع، فألغت الحدود بين الشهادات الجامعية والعليا، فلم يعد لدى جامعاتها بأس بأن يدرس خريج إدارة أعمال أو لغة تخصصًا في الدراسات العليا كالطب أو الهندسة أو الفيزياء. لقد استوعبوا حقيقية سوق العمل المتغير، فسارعوا إلى إلغاء الحدود بين العلوم والتخصصات والشهادات، وراهنوا على قدرة الإنسان على التعلم والتشكل.