لا ينكر المرء بأن جائحة كورونا تسببت في إغلاق الكثير من المؤسسات التجارية في العالم، بجانب تسريح العمالة التي كانت تعمل في الكثير من الشركات التجارية المحلية والأجنبية. وقد نتج عن ذلك عدم تمكن العاملين في تلك المؤسسات من الوفاء بالالتزامات المصرفية الشهرية التي ترتبت عليهم، فيما تعثر بعض التجار ورواد الأعمال وخاصة من الفئات الصغيرة من الالتزام بدفع الأقساط الشهرية تجاه القروض التي تلقوها من المؤسسات المصرفية بسبب إغلاق مؤسساتهم لفترات طويلة.
هذا الأمر عانى منه المواطنون في دول مجلس التعاون الخليجي بدرجات متفاوتة وفق قرارات لجان مكافحة الوباء ومدى فهمهم لذلك، إلا أن قضية دفع القروض أصبح هاجساً كبيرا في عُمان بسبب فترات الإغلاق الطويلة والقرارات الفجائية التي كانت تأخذها اللجنة المسؤولة بين فترة وأخرى في محاولة منها لمواجهة عدد الإصابات والوفيات دون أن تراعي بأن هؤلاء يعتمدون على رزقهم اليومي من خلال تشغيل مؤسساتهم الصغيرة لساعات أطول، ناهيك عن عدم تمكّن المسرحين من الشركات من دفع أقساطهم الشهرية للمصارف في الوقت المناسب، الأمر أدى إلى زيادة القضايا في المحاكم من جراء ذلك.
وهذا لا يعني بأن الضرر أصاب هؤلاء الناس فحسب، بل إن المصارف أيضا تراجعت في تحقيق مزيد من الأرباح منذ عام 2020، حيث تعرضت بعضها للخسائر بسبب القرارات التي أخذتها تجاه الديون المعدومة نتيجة لإفلاس بعض المؤسسات، فيما هنالك قضايا يتم تداولها بالمحاكم ضد الأفراد والمؤسسات بسبب عدم التزامهم بدفع الأقساط الشهرية للقروض. فالجائحة التي ما زالت تمرّ بنا والإغلاقات التي نتجت عنها أدت إلى خسارة الكثير من الناس لأعمالهم ووظائفهم، وهذا أدى إلى ارتفاع تكلفة المخاطر في العالم، مع تراجع ربحية البنوك خلال العامين الماضيين.
ومع استمرار دول المنطقة في تحسين أوضاعها المالية والاقتصادية والعمل على سرعة تعاطي اللقاحات لمواطنيها، مع تحسن أسعار النفط، فإن ذلك سيؤدي إلى تحسن حالة المؤسسات والمصارف أيضا، وبالتالي تتراجع قضايا الديون المعدومة والمديونية على الناس وفي المحاكم أيضا، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على نتائج البنوك خلال المرحلة القادمة. فمعظم المؤسسات المصرفية في المنطقة سبق لها أن توقفت عن مطالبة عملائها بسداد الأقساط الشهرية لمدة ستة أشهر، إلا أن الكثير منهم ما زالو يعانون من الديون، وهذا يتطلب إصدار قرار آخر من البنوك المركزية بتمديد آجال الديون لفترة مماثلة.
إن الديون التي تعاني منها الشعوب تراكمت على الناس بسبب عمليات الترويج والتسويق التي كانت تقوم بها مصارف المنطقة خلال المرحلة التي سبقت الجائحة. فقد كانت تدعو الناس وتحثهم بقوة على تحقيق أحلامهم من خلال أخذ القروض لأي سلعة أو منتج أو خدمة، دون أن تقدّر النتائج السلبية في حال عدم الوفاء بهذه القروض. كما صار هناك اختلاط بين القروض الشخصية والقروض التي تمنح للمشاريع التجارية بحيث بالغ البعض في الحصول عليها من أجل أمور خاصة وترفيهية على حساب القروض التجارية. وهذا ما أدى إلى تراكم الديون على بعض الأشخاص والمؤسسات في المنطقة، ناهيك عن أسعار الفائدة التي تتقاضاها المؤسسات المصرفية على هذه الديون لتزيد من أعباء المقترضين عاما بعد عام.