Image Not Found

التعليم الثانوي والتدريب العسكري والأنشطة غير الصفية

مرتضى بن حسن بن علي – الرؤية
[email protected]

قيام عدد كبير من الدول بتطبيق التدريب العسكري للطلبة في المرحلة الثانوية وبأنواعه المختلفة لم يأتِ من فراغ، فالتدريب العسكري يحقق العديد من المكاسب للمتدرب وللوطن عمومًا، فهو يُساهم بتهذيب السلوك والاعتماد على النفس والسيطرة على الانفعالات، واحترام الوقت والمواعيد والنظام، والصبر والتحمل والإقدام، وممارسة العمل الجماعي، وصقل شخصية المتدرب، فعلى سبيل المثال، فإن قيام المتدرب بترتيب فراشه وتنظيف غرفته يوميًا والعيش مع أقرانه في نفس الغرفة أو القاعة، وتناول الوجبات الغذائية معهم يساعده على الاعتماد على النفس ومشاركة الآخرين من أقرانه في تحمل مسؤولية المكان الموجودين فيه والحفاظ على نظافته، وتعلم العيش معهم، واحترام مشاعرهم، وتجنب الأخطاء بقدر الإمكان، كما يُرسخ عند المتدرب عدداً من المعارف والقدرات والخبرات مثل الاستماع إلى التعليمات، وتنفيذها بدقة، واستعمال أجهزة الاتصال المختلفة، وقراءة الخرائط، وإجادة قواعد التخاطب، والمحافظة على سرية وأمن الوثائق.

التدريب العسكري أيضًا يبني روح الولاء والانتماء للوطن، وعدم النظر بنظرة دونية، أو الاستخفاف إلى العديد من الوظائف التي يحتاجها أي بلد وأي مجتمع، منها الوظائف اليدوية والمهنية والفنية، فالقوات المسلحة -بفروعها المختلفة تضم أقساماً متعددة تقوم بتدريب الطلبة على تلك الأعمال والمهن، مثل الحدادة والخراطة والعمل في الورش المختلفة والقيام بتصليح المحركات المختلفة، والأدوات المنزلية، وتمديد الأسلاك الكهربائية وغير ذلك من الأعمال المتعددة، فالمتدرب يكتسب أيضًا بعض المهارات القيادية والإدارية التي تتطلب الالتزام بأخلاقيات العمل والدوام المنتظم والرغبة في التدريب المستمر وتحسين قدراته، وخوض بعض المغامرات مثل تسلق الجبال أو عبور الأودية والاختلاط مع أشخاص من خلفيات ومناطق وخبرات مختلفة ومتنوعة التي تساعده على تطوير مهارات بناء الفريق والتفاوض، كل ذلك يساعد المتدرب بعد تخرجه في الحصول على وظيفة مناسبة في القطاع الخاص، وذلك لأن الشركات وأصحاب العمل يقدرون كثيراً تلك المهارات القيادية والإدارية والتنظيمية وأخلاقيات العمل ومعايير السلوك، والاعتماد على النفس، والرغبة في التعلم المستمر.

المتدرب أيضًا يحصل على مهارات مهمة كثيرة أخرى ضرورية في عالمنا اليوم، ويحتاجها الطالب مستقبلاً في كل مراحل حياته، وهذه المهارات تساهم بتميز المتدربين عند التقدم بطلب للحصول على الوظيفة، ومنها مهارات التفكير النقدي والإبداع والتعاون والاتصالات.

هذه المهارات ضرورية للطلبة عندما يُلقى بهم في عالم العمل، وغالبًا ما يكون لها التأثير الأكبر فيما يتعلق بتمييز الطلبة المتخرجين عن غيرهم عند التقدم بطلب للحصول على الوظائف، إذ يُنظر إلى الطلبة الذين حصلوا على التدريب العسكري بشكل عام والمهارات المذكورة أعلاه، بصفتهم مرغوب فيهم لدى أصحاب الأعمال، وتُذكر في سيرهم الذاتية، كما أنها تظهر بوضوح أثناء المقابلات التي تجرى للمتقدمين للوظائف.

كل ذلك يتوافق مع توجهات الدولة لتطوير مهارات المواطنين كجزء من سياساتها لتنمية وتأهيل الموارد البشرية في جميع مجالات الحياة كأساس لأي عمل ناجح، وهو الذي يحقق التطور والتقدم في كل قطاعات الدولة، سواء في الشؤون العسكرية أو الأمنية أو الإنتاجية أو الخدمية.

التدريب العسكري أيضًا يُساعد على المحافظة على اللياقة البدنية من خلال التمارين المختلفة ونظام الوجبات، وعدم السماح بزيادة الوزن، كما يمكن تدريب الطالبات غير الراغبات في التدريب العسكري التقليدي على مهن أخرى مثل التمريض والقيام بالإسعافات الأولية، والتطوع لخدمة المجتمع، هذه المهارات سوف تساعدهن على التصرف الصحيح بسرعة وبشكل لائق عند حصول الأزمات أو عند الضرورة.

بطبيعة الحال.. سوف يكون صعبًا في البداية انخراط جميع الطلبة في التدريب العسكري، فعملية الاستعداد سوف تأخذ فترة من الوقت، بداية يمكن اختيار عدد من المدارس في كل محافظة، في خلال هذه الفترة تقوم المدارس الأخرى بالقيام بعدد من الأنشطة اللاصفية المتعددة مثل السفرات المدرسية داخل السلطنة وخارجها، التي تلعب دورا إيجابيا في توثيق علاقة الطالب مع مدرسيه من جهة، ومع الطلبة الآخرين من جهة أخرى، كما إنها تساعد الطلبة على الابتعاد من أجواء الرتابة وممارسة بعض التغييرات في حياتهم اليومية، وتجديد نشاطهم، والاطلاع على المشاريع المختلفة مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومحطات تحلية المياه أو المشتقات النفطية والمصانع المختلفة والمعالم الأثرية والجغرافية والتعرف على المظاهر الطبيعية المختلفة وأسرارها وخصوصا عندما يتم شرح المكونات الجيولوجية وكيفية تكوينها، والمدة الزمنية، غريزة حب الاستطلاع تدفع الطلبة للتعرف على مختلف مكونات البيئة ومحتوياتها، وتحقيق المتعة واكتساب الصداقات والخبرات.

الأنشطة اللاصفية تساهم أيضاً في تطوير بعض الصفات الجمالية في شخصية الطالب مثل بناء الشخصية، والنمو المعرفي والإبداعي، وتطوير قدرات التحدث وغيرها التي هي بمجموعها تلعب دورًا في تشكيل حياتهم ليصبحوا أشخاصًا مستقلين.

من الأشياء المفيدة أيضًا تشجيع الطلبة، ذكورا وإناثا على القيام بالأعمال التطوعية المختلفة التي تساعد على نشر روح التعاضد والتكاتف وتعميق ثقافة التواضع، وهي بمجموعها تُذكر في كتابة السيرة الذاتية، وتساعد في تحسين فرصهم للحصول على وظائف مناسبة أو منحة دراسية إذا أراد الطالب مواصلة الدراسة.

العمل التطوعي في حد ذاته يُعد قيمة كبيرة يعود بالنفع على المتطوع والمجتمع ككل والمتطوع بما سوف يقوم به من بعض الأعمال التي سوف تساعد على نشر شعور الإحساس بالآخرين وإشاعة روح التعاون ويعزز الثقافة الإيجابية وينمي روح الولاء والانتماء للوطن، ويهيئ المتطوع بدنيا ونفسيا في الخدمة الوطنية لاحقا، وينمي روح الفريق، والعمل الجماعي، والالتزام، والانضباط.

بالإمكان تعليم وتدريب المتطوعين على أعمال تنظيف بعض الأجزاء من المستشفيات أو المشاركة في زرع الزهور والأشجار في الأماكن العامة من شوارع وحدائق، أو المشاركة في تنظيم المرور أو تدريبهم على أعمال التمريض والتلقيح ولاسيما الطالبات، وتمكينهم من القيام بتلك الأعمال في حالة وجود المخاطر الصحية والقيام بالإسعافات الأولية في الحالات الطارئة. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى الحركة الكشفية وتنميتها والتي تعتبر أيضاً رافدًا من روافد التربية، فهي تساهم في اكتساب المهارات البدنية والحياتية وتنمية روح التنظيم، وتحمل المسؤولية، والحصول على مهارات عديدة، وإثارة إعجاب المشاهدين، وتنمية الحركة الكشفية وإنشاء فرق للكشافة في أكبر عدد من المدارس سوف يساعد على غرس العديد من القيم والاتجاهات الإيجابية لدى الشباب والشابات.

وبالتأكيد هناك نقاط أخرى تساهم في ترسيخ قيم التسامح واحترام الغير، وتقبل وجهات النظر المختلفة برحابة صدر، ونشر ثقافة الاحترام للآخر، بغض النظر من هو هذا الآخر، والحفاظ على الممتلكات العامة وترسيخ قيم المواطنة الصحيحة المسؤولة، ومعرفة الحقوق والواجبات معا كوجهين لعملة واحدة، وليس الحقوق فقط. وهناك أيضا بالتأكيد أنماط أخرى لتحويل المدرسة من مدرسة تقليدية إلى مدرسة تستجيب للتغيرات السريعة، والتحديات المفروضة من عالم معرفي ومعلوماتي يتغير باستمرار وسرعة هائلة.

باختصار.. حان الوقت لكي تلعب المدرسة الثانوية (الدبلوم العام) دورًا مختلفًا في عالم يتغير بسرعة.