Image Not Found

عاشوراء.. عزة وإباء

Views: 8

أ. د. حيدر أحمد اللواتي – الرؤية
كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

لا تمر ذكرى عاشوراء إلا ومفاهيم الكرامة والإباء والحرية تقفز إلى الذهن، فهناك تلازم وثيق بينها، وسبب هذا التلازم يعود إلى إصرار الإمام الحسين على عدم التنازل عن هذه القيم طيلة مسيرة حياته؛ بل إن هذا التلازم بين قيم الكرامة والإباء وبين شخصية الحسين بن علي، كان جليًا حتى عند خصومه، فهذا الوليد والي يزيد بن معاوية على المدينة يُدرك أن الحسين لن يبايع يزيدًا ويعزو السبب “أن نفسًا أبية بين جنبيه”.

لقد اندكت هذه القيم النبيلة في شخصية الإمام الحسين، فأصبح الفصل بينهما صعبًا مستصعبًا، ولذا لم يجد بعض من مر بسيرته تعريفًا يعرف به الحسين أفضل من كونه “سيد أباة أهل الضيم وهو الذي سن الإباء للناس”، كما قام بذلك ابن أبي الحديد المعتزلي حين مر بسيرته العطرة.

لنتتبع مسيرة الإمام الحسين منذ أول إعلان له بالثورة؛ وذلك عندما طلبه والي المدينة ليبايع يزيدًا ولقد رفض الحسين ذلك قائلًا “مثلي لا يبايع مثله”، وهي عبارة يحق لنا أن نقف عندها متأملين. لقد وضع الحسين بهذه العبارة قاعدة عامة، فكل رجل يملك روح الحسين، ومبادئه وقيمه وقدرته على التغيير لا يحق له أن يذل نفسه.

وفي أول مواجهة مع طلائع الجيش الأموي الذي كان يقودها الحر بن يزيد الرياحي والذي حذر الحسين من أنه إن قاتل فسيُقتل، انتفض الإمام بوجهه قائلًا:

أبالموت تخوفني؟!

ثم أنشد:

سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما.

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم كفا بك ذلا أن تعيش وترغما.

وهكذا استمر نهج الآباء لدى الحسين حتى كان صبيحة يوم عاشوراء، وهنا بدأ الحسين يوم المعركة بخطبة افتتحها بالنصيحة للجيش الذي جاء يقاتله، وهذه النصيحة هي عرف لدى العظماء لإلقاء الحجة على خصومهم لعل أحدهم تدركه الهداية ويلتحق بالحق ، لكن بعض ضعاف النفوس من أعداءه ظن بأن هذا أول الوهن من الحسين، فأرادوا أن يستدرجوه فقال أحدهم: “أولا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك إلا ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه”، وفطن الإمام الحسين إلى ذلك فرد قاطعًا الطريق أمامهم قائلًا “لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد”.

وختم خطبته بكلمات تنطق بالشمم وتقطر بالكبرياء والإباء قائلًا: “ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة‘ وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام”.

إن قيم الحرية والإباء هي قيم عامة تتمثل في صور مختلفة ومتعددة، إذ تمثلت آنذاك في رفض البيعة ليزيد بن معاوية ولذا رفض الحسين بيعته، وصرخ في الجيش الذي جاء لحربه بعباراته المدوية ” كونوا أحرارًا في دنياكم”.

ولو كان الحسين حاضرًا بيننا اليوم لوجه هذه العبارات إلى الشعوب المسلمة؛ لأن المهانة التي كانت تتجلى آنذاك تتجلى اليوم في تخلفنا عن الركب الحضاري للبشرية، وإذا كانت عزة الإسلام- آنذاك- تقتضي الخروج بالسيف، فإن عزة الإسلام اليوم تقتضي النهل من العلوم والمعارف، وبذل الجهد في نيلها والغرف من معينها، فعزة الشعوب الإسلامية مرهونة بتقدمها، واستقلالها عن استجداء التكنولوجيا والثقافة والعلوم والمعارف من الآخرين شرقا وغربا جنوبا وشمالا.

إن المهانة والمذلة لها ارتباط وثيق بالعوز والحاجة إلى الآخر، فأحد أهم أسباب المهانة هو عدم قدرتك على العيش بحرية واستقلال عن الآخرين، وهذا هو حال أغلب عالمنا الإسلامي.

“لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد”، تلك هي الصرخة التي أطلقها الحسين يوم عاشوراء سنة 61 للهجرة، فهل يحق لنا أن نرددها اليوم؟!