هلال بن حسن اللواتي –
جريدة عُمان: ١٥ يونيو ٢٠١٥
ويضرب هذا المثل في حادثة وقعت -كما يروى- وخلاصتها، أن رجلا استغفل شخصا وتحايل عليه فادعى لنفسه ما ليس له، وسلب بهذا الادعاء حق ذلك الرجل، فرفعا الموضوع إلى القاضي، وقال هذا المدعي في نفسه أن لا مانع من رفع الموضوع إلى القاضي فلعل هذا النزاع يؤدي إلى كسب شئ من المتنازع عليه.
هناك من الناس من يملك القدرة على الدخول في القضايا الخلافية اجتماعية كانت أو فردية مع علمه أنه لا يملك الحق ولا الصواب في الدخول، ولكنه يدخل لعل بأسلوبه يستطيع إقناع المقابل بأنه صاحب الحق والكلمة، فإن نجح فقد كسب، وإن لم ينجح فإنه لم يخسر شيئا!!، متغافلا أو متناسيا وجود «القانون التكويني» الناظر على كل حركة يتحركها الإنسان، وعلى كل سكنة يسكنها، وقد جاء في كلمات أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه في دعاء كميل:«لا يمكن الفرار من حكومته» أي من الحكومة الإلهية.
إن هنا أناس يظنون أنهم أذكياء، وبتعبير عامي «شطار»، فيخدعون أنفسهم بأنهم يملكون من القدرة على تغيير الحقائق، وعلى تلبيس الأمور كيفما هم يريدون، وأنهم يملكون قدرة الإقناع والتحايل والخروج من المشكلات بأسلوب ذكي لا يستطيع المقابل إدراكه، وهم يغفلون أن الذكاء الذي يتصورون هم واجدوه في أنفسهم لا يعد ذكاء بل يحدث «مكرا»، و«خبثا»، ومن إحدى نتائج هذه الأفعال رجوعها على صاحبها، تأمل في قوله تعالى: «وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا» (فاطر/43)، فالآية المباركة تبين أمرين مهمين، وهما: الأمر الأول: أن من يمكر فإنه يرجع إلى صاحبه، والأمر الثاني: أن هذا لا يحدث اعتباطا ولا اعتبارا، بل يحدث ضمن قانون تكويني دقيق، لا يعرف في مفرداته ولائحته سوى العدل، وقال تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ» (العنكبوت/4)، وورد في الأثر الشريف:«من مكر حاق به مكره»، فكل تصرف تحت المجهر التكويني، غير غائب عنه البتة، وله جزاء يترتب وفق سنخ عمله ومثله، وأن هذا الجزاء ليس بالضرورة أن يكون منحصرا بما بعد الموت، أو بيوم القيامة فقد، بل هو يشكل الحياة الدنيوية، قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا» (غافر/40)، وورد في الأثر: «لن يلقى جزاء الشر إلا عامله، لن يجزى جزاء الخير إلا فاعله». أضف إلى أن الحالة النفسية التي يكون فيها صاحب الحق الذي ينازعه في حقه من لا حق له غير خافية على الله تعالى، وهي مكشوفة على القانون التكويني ولا تغيب عن عالم الحقائق والواقع الوجودي، فإن الوجود مبني أيضا على مراعاة النفسيات وما يختلج في النفس من الألم جراء التصرف غير الإنساني، فمن يؤذي نفسية إنسان يكون مسؤولا عن هذه الأذية، ولا يبعد صدق عنوان «الظلم» عليه، فيكون ظالما والعياذ بالله.
إذن..
لا يمكن الاستناد على هذا المثل، والعمل بما جاء فيه وكأنه أمر مفروغ عنه في العرف البشري والاجتماعي لما له من تبعات قانونية وعقلية وتكوينية وشرعية أيضا.