الهوية و المعرفة و المجتمع (3)
ذكرنا في الحلقة السابقة أن الإنسان بطبيعته الاجتماعية ينتمي إلى جماعات معينة لها لغتها الخاصة و تقاليدها و عاداتها الخاصة من أجل استقطاب الآخرين . نكمل بحثنا و بالله الاستعانة .
مسألة المعرفة هي أساس هوية الإنسان ، و بدون المعرفة لن نستطيع القول أن هناك إنسان منتج ، و هذه المسألة هي التي شغلت عقول الكثيرين من العلماء و الباحثيين و مازال البحث عن إمكانية المعرفة ، و مصدرها ، و طبيعتها ، و معاييرها ، و قيمتها ، و وظيفتها ، و مناهج الوصول إليها ، و طرق إنتاجها ، هي الأساس و المركز في التحصيل المعرفي مثلا
أنت عندما تدخل إلى دار للعبادة و تجد هناك خطيب مسلم أيا كان مذهبه يتحدث على المنبر و بعد الخطاب اقتربت منه و سألته هذه الأسئلة الثلاثة: هذه المعلومات التي تحدثت بها على المنبر ما هو مصدرها ؟ و ما هي معايير هذا المصدر؟ و ما هي المناهج التي استخدمتها في الوصول إلى هذه المعلومات ؟ بماذا سيجيبك ؟
الجواب الطبيعي سيكون حسب اعتقاداته ، فالخطيب الشيعي سيقول لك هذه المعلومات وصلت إلينا من أئمة أهل البيت الاثنا عشر عن خاتم النبيين (ص) عن جبرائيل عن الله عزوجل ، و الخطيب السني سيقول لك هذه المعلومات وصلت إلينا من الصحابة الكرام عن خاتم النبيين (ص) عن جبرائيل عن الله عزوجل.
هل تتوقعون منهم تكملة الإجابة أم لا ؟ الجواب نعم و ما هي ؟ الأئمة الاثنا عشر هم القيادة المستقبلية للعالم هذا جواب من الخطيب الشيعي ، أما الخطيب السني الصحابة حملوا شعلة الإسلام إلى العالم ، و نحن على نهجهم سائرون حتى يحكم الدين الإسلامي الأرض .
إذن مسالة المعرفة هنا هي مسألة كونية و لابد أن نلتفت إلى جزئية مهمة جدا و هي أن هذه الأفكار من أين تبذرت أصلا ؟ و ما هي البيئة الثقافية و الاجتماعية و السياسية التي نشأ فيها هذا الفكر ؟
وهذه الأفكار هل هي موجودة في الفكر الإسلامي فقط أم يشترك الفكر الحداثي فيها أيضا ؟ تعالوا معي لننظر للمعرفة ماذا انتجت في كلا الطرفين الحداثي و الإسلامي ؟
جاء في كتاب (مدارات الحداثة – د.محمد سبيلا – ص 124) ( المظهر الأول و الأقوى هو المظهر الاقتصادي الذي يتجلى في التصنيع التدريجي و المكننة مما يؤدي إلى ارتقاء مستوى التقنية في الإنتاج و إلى اتساعه) واقعيا المظهر الاقتصادي يعتبر من أخطر العوامل في الفكر الحداثي بل هو الأخطر على الإطلاق
أنت اذهب إلى السوق ، و أسأل أي تاجر مسلم هذا السؤال : ممارساتك التجارية تستند على أي نظرية اقتصاديه ؟ أبسط جواب ستتلقاه من أبسط إنسان فكريا هو أنا اتعامل مع هذه البنوك الربوية حسب الأنظمة الغربية .
هل قال لك إني استند على نظرية اقتصادية إسلامية في معاملاتي التجارية أم لا ؟ الجواب كلا . سؤال : ما هي النظريات الاقتصادية في الإسلام ؟ الجواب : لا توجد بل هناك فتاوى فقهية تنظم سلوك التُجار في العمليات الاقتصادية لأن عقيدة المسلمين المال مال الله و الإنسان مستخلف فيه .
طالما لا توجد لديك نظريات تستند عليها في الاقتصاد ماذا ستفعل ؟ الجواب ستستورد نظريات من الخارج لإدارة دفة الحياة ، بالنتيجة عندك الواقع هو استيراد نظريات غربية لتسيير الشؤون الاقتصادية .
أنظر على مر ثلاثة قرون من الحداثة ، الغرب طرح نظرية رأس المال الحر في الاقتصاد و هذه النظرية التي أنتجوها ، أنتجوها منسجمة مع واقعهم الاجتماعي و الفكري و الثقافي و السياسي ، و لكنك إذا أردت تطبيقها هل ستنتج في مجتمعك أم لا ؟ الجواب لا تنتج لماذا ؟ لأن ذاك كيان مستقل عن كيانك ، و لكن إذا طبقتها ماذا سيحدث ؟ الجواب ستنتقل كل مظاهرها الفكرية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية إلى مجتمعك .
جاء في نفس المصدر (ص 128) ( إن أكثر مستويات الحداثة بطئا هي الحداثة الفكرية لقد ابتدات الحداثة الفكرية بالإحلال التدريجي) وهذا الإحلال نلاحظه في مظاهر مختلفة و متنوعة في حياتنا اليومية مثلا
أنت إذا أردت بناء منزل جديد فسيشرف عليه نظام هندسي معماري ، السؤال : الذي سيشرف على بناء منزلك هل هو فكر حداثي أم فكر إسلامي ؟ ستقول فكر إسلامي ، الآن أنت عندما تدخل إلى أي بيت من بيوتنا ماذا ترى فيه ؟
الجواب : ترى المطبخ ، و الغرف و إن كانت مغلقة ، و ترى حديقة البيت من نافذة مطلة عليه ، فأصبح كل شيئ مكشوف لك أليس كذلك . السؤال : هذا نظام معماري إسلامي أم حداثي ؟ الجواب حداثي ، لأنك في النظام المعماري الإسلامي كنت تضع الستارة على كل هذه الأمور لماذا ؟
لأن الهندسة المعمارية الإسلامية تحافظ على القيم الأخلاقية ، أما الهندسة المعمارية الحداثية فهل حافظت على القيم التي لديك أم لم تحافظ ؟ الجواب لم تحافظ ، و لكنك أدخلت هذا النظام المعماري الحداثي الذي صمم لبيئته و ليس لبيئتك فانتلقت كل إيجابياته و سلبياته إليك .
نكمل بحثنا في الحلقة (25) إن شاء الله تعالى…. إلى اللقاء
الهوية و المعرفة و المجتمع (4)
عرفنا في الحلقة السابقة أن الفكر الحداثي استطاع أن يَدخُل إلى المجتمعات العربية و الإسلامية في كل صغيرة وكبيرة. نكمل بحثنا و بالله الاستعانة.
لن أبالغ إذا قلتُ إن الحداثة رسمت مشهدا جديدا للإنسان و للمعرفة ، و قد استطاعت استقطاب الكثير إلى منظومتها الاقتصادية الرأسمالية كحضارة كونية أو العولمة و إن كان في تقديري أنه يوجد هناك فرق بين الكونية و العولمة .
.
فالعولمة هي ظاهرة تاريخية نتيجة التوسع في النمط الإنتاجي الرأسمالي فضلا عن المكتشفات التكنولوجية في مجالي الاتصال و المعلومات ، و الكونية هو جانب مركزي في السيطرة على العالم ، و بسبب هذه السيطرة احتدم الصراع بين الأوروبيين أنفسهم اقتصاديا من جهة و الاختلافات و التمايز و الخصوصيات و الهويات العرقية من جهة أخرى.
وهذا الصراع لم تشهده الدول الرأسمالية وحدها فقط ، بل انتقل إلى المجتمعات الإسلامية حيث اعتبر البعض أن هذا التدخل في كل صغيرة و كبيرة في حياتنا يعني أنهم سلخونا من ثقافتنا و هويتنا و ديننا ، فظهرت الحركات الأصولية تنادي الرجوع إلى نهج السلف الصالح هذه ردود أفعال التي أحدثتها الحداثة الغربية.
إذن نحن أمام قضية غاية في الدقة الكل يسعى إلى تغيير العالم ، فالمسلم الشيعي يريد تغيير العالم من خلال نظرية الإمامة ، و المسلم السني يريد تغيير العالم من خلال نظرية الصحابة و السلف الصالح ، والغرب يريد تغيير العالم من خلال الفكر الحداثي ، و من خلال هذه الأسطر سننهي هذه القضية .
نسأل أولا المسلم الشيعي من هو الإمام الذي يرعى شؤؤن الإسلام و المسلمين حسب نظريتكم في تغيير العالم الآن ؟ الجواب: نحن نعتقد ان الإمام المهدي المنتظر حي و هو غائب الآن وهو من أنيطت إلية مسؤولية رعاية الإسلام والمسلمين و سيعود لتنفيذ هذه المهمة ، سنقول له لا بأس إلى حين ظهوره من عندكم ليعطينا الحل في القضايا الاقتصادية مثلا ؟ الجواب : لا أحد سوى ما يقوله الفقهاء .
نسأل المسلم السني على أي نهج صحابي تريدون تغيير العالم هل على نهج أحد الخلفاء الراشدين أم على نهج أحد العشرة المبشرين بالجنة من هو هذا الصحابي ؟ الجواب نحن نأخذ نهج جميع الصحابة .
سؤال : هل ما قدمته الحداثة يمكن قبوله في الاسلام الشيعي و السني أم لا ؟ أنا أعرف أن الإجابة ستكون الصمت و لكن لابد أن يكون لك موقف ، مثلما تصر الأخذ بمشهور الفقهاء و إن كان هذا المصطلح لا أساس له لا من كتاب الله عزوجل ولا من السنة النبوية الشريفة ولكنك تصرعليه.
لهذا عليك أن تحدد عمليا أيضا هل تطبق النهج الحداثي أم الإسلامي ؟ لأنك إذا دخلت حوازتكم العلمية ستجد النهج الحداثي ، و إذا دخلت جامعاتكم ستجد النهج الحداثي ، و إذا نظرت إلى نفسك ستجد أنك تطبق النظريات الغربية في علم النفس و العلاجات النفسية ، وإذا اردت تحديد الاحتياجات الإنسانية فإنك تطبق هرم أبرهام ماسلو العالم النفسي الإمريكي .
إذن عليك قبول كونية الحداثة ، لنستطيع تسمية الأشياء بمسمياتها ، و إن شتمتها اشتمها ، تريد أن تقول عنها فكر كافر قل عنها فكر كافر، تريد أن تسبها سبها كما تشاء ، تريد أن تلعنها مليون مرة أناء الليل وأطراف النهار العنها مليون مرة أناء الليل وأطراف النهار، لكن الواقع المعيشي عندك عمليا ما هو ؟ الجواب : هو الواقع الحداثي .
وهؤلاء لم يصلوا إلى هذه المرحلة إلا بعد مناقشة التراث الديني و الثقافي و نهج الكنيسة و رجال أو أهل الدين و قد تجاوزوا حدود كل أقطار العالم ، أنت انظر الآن هل يستطيع أي فرد مسلم كان أو غير مسلم العيش بدون الهاتف الخلوي ؟ لا يمكن . هل يمكن العيش بدون الانترنت ؟ لا يمكن .
و هو ما يسمى بالجبر التاريخي أنت مجبر أن تأخذ ما قدمته الحداثة ، هي جاءتك من الفوق و فرضت عليك من فوق بحيث يكون الشكل الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي والفكري ما هو مسارها ؟ الجواب : مسارها حداثي.
فهل أنت تستطيع نقدها أم لا تستطيع ؟ لا تستطيع و إذا أردت مقاومتها بأي أدوات ستقاومها ؟ هل بأدواتها هي ام بأدواتك أنت ؟ مثلا أنت تريد أن تحدد هوية جماعة ما نزحوا من الهند إلى بلد عربي و تريد معرفة هويتهم هل ستبحث عنهم بأدواتك أم بأدواتهم ؟
مؤكد بأدواتهم أما إذا قلت سأبحث عنهم بأدواتي حتما ستفشل لأنهم بنوا هويتهم بأدواتهم و هي لا تنسجم مع خصوصيات أدواتك ، تماما إذا أردت أن تقاوم الحداثة عليك أن تقاومها بأدواتهم هم و إذا أردت أن تصدر حكما على الحداثة عليك أن تعرفهم حسب مبانيهم هم لا حسب مبانيك أنت ، بمعنى أن تنطلق من الفكر الغربي لنقدهم.
لأن مفهوم الكونية باعتباره أحد المفاهيم لفهم المناخ العالمي في الوقت الراهن ، و كما رأينا أن للكونية أوجه متعددة كالسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية و الثقافية ، فإن تقدم أي بلد الآن يقاس حسب شرعية هذه الأنظمة فيها كحقوق الإنسان أو الاقتصاد و الميل نحو الائتمان في الأسواق المال فمجرد أي ذبذبة في العواصم المالية العالمية في طوكيو أو لندن أو نيويورك يهز استقرار العالم .
نكمل بحثنا في الحلقة (26) إن شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء .
السلطة و السياسة و نظام الحكم (1)
في الحلقات السابقة عرفنا أن محور الفكر الحداثي هو الإنسان صاحب هوية و تاريخ ، هذه النزعة الإنسانية تطرقنا إلى الجوانب المعتدلة فيها كتحريره من الخرافات و الأساطير، و تحفيز إرادة الإنسان في صنع المستقبل ، و اعتماد العقل و التجربة البشرية للسيطرة على الطبيعة ، و دراسة ما وراء الطبيعة ضمن هذين العاملين العقل و التجربة ، و ضرورة إيجاد قانون لخدمة الإنسان و تشريعات أخلاقية لتهذيب سلوكه.
هذه المعاني لا أعتقد أنه سيرفضها أي دين سماوي كان أو غير سماوي ، بقيت لدينا نقطة جد مهمة في بيان ماذا يقصد الفكر الحداثي بالإنسان ، هل يقصد بأصالة الإنسان الذي هو المحور الذي تدور حوله التشريعات و حاكميته على الارض و أنه هو المحترم و المكرم دون سواه من المخلوقات ؟
أم لا يقصد بالإنسان هو ذاك الذي تفرد بالحاكمية و اعتباره هو صاحب السلطة و أن لا شيء غير الإنسان يملك الحقيقة ، و هو الحق بذاته ، ولا أحد فوقه ، فهذا المعنى بحاجة إلى الدليل و البرهان ، هذه المعاني سيكون فيها مدار حديثنا في هذا الفصل الأخير.
أرجو أن تركزوا معي ، في هذا العالم هناك أنظمة حكم مختلفة منها الجمهوري و الملكي و السلطنات و الشيوعية تعالوا معي لنتعرف على كل هذه الأنظمة كما جاء في موسوعة ويكابيديا الحرة وفي كتاب (نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالنظم السياسية المعاصرة – دكتور اسماعيل البدوي).
أولا : النظام الجمهوري هو نظام حكم يقوم على مبدأ سيادة الشعب و مشاركة الشعب في انتخاب و اختيار رئيس الدولة ، و الدستور هو أعلى قانون في الدولة يحدد القواعد الأساسية و نظام الحكم و شكل الدولة وصلاحيات الرئيس. .
مسمى نظام جمهوري روماني قام على أنقاض نظام ملكي في عام 509 ق.م وهذا النظام ينقسم إلى قسمين الأول : نظام جمهوري رئاسي أي أن رئيس الدولة هو رئيس الحكومة فيها كما هو في أمريكا.
و الثاني هو نظام برلماني جمهوري فيكون فيه رئيس دولة و رئيس الوزراء وقد توسع هذا النظام لينتشر في العالم كالنار في الهشيم منذ عام 1789 م حيث طبقته حوالي 164 دولة في العالم .
بعض هذه الجمهوريات يكون فيها للرئيس السلطة التنفيذية المطلقة كما في أمريكا ، وبعضها نصف رئاسية يكون فيها للرئيس صلاحيات تنفيذية أقل مثل فرنسا ، ومنها من يكون للرئيس منصب شرفي فقط كما في النمسا واليونان .
ثانيا: النظام الملكي : و هو أقدم نظام للحكم في تاريخ البشرية و هذا النظام ينقسم إلى قسمين الأول النظام المطلق وهو أن الملك هو صاحب جميع السلطات ، هو من يُصَدِرُ القوانين و التشريعات مثل القيصر في روسيا ، والشاه في إيران .
و الثاني الملكية الدستورية و هو أن الملك يخضع لقانون الدولة و يكون مقيدا به مثل الملكة اليزابيث الثانية ، و في بعض هذه الملكيات يشترط ان يمارس الملك سلطته مع الدوائر المختلفة في الحكومة مثلما هو الحال في المغرب و الكويت ، و عدد الدول التي تطبق هذا النظام 38 دولة.
ثالثا السلطنات : لا فرق في نظام الحكم في السلطنات عن النظام الملكي السالف الذكر ، فالنظام فيها ملكي مدى الحياة يمارس فيه الملك أو السلطان سلطاته منفردا بينما في الملكية الدستورية حيث يمارس فيها الملك أو السلطان مع الحكومة متناغما مع مؤسسات الدولة ، وعدد الدول التي تطبق هذا النظام ست دول في العالم.
رابعا الديموقراطية : النظام الديموقراطي يقوم الشعب بانتخاب نفسه بنفسه رئيس الدولة عن طريق ممثلين ينتخبونه .
خامسا النظام الشيوعي : هذا النظام أضاف فكرة الديموقراطية على أنظمتها الاقتصادية أي أن الشعب هو من يتحكم في الاقتصاد فهو الذي ينتج وهو الذي يقوم بتوزيع منتجاته و في العالم يوجد اربع دول تطبق هذا النظام منها مثلا الصين و فيتنام .
ويقترن النظام الشيوعي بالنظام الشمولي وهو عكس النظام الديموقراطي ، و هذا يجعل هذه الدول في نزاع دائم مع مفاهيمها كما سنوضحه لاحقا لكم ، يذهب بعض السياسيين أن الدول الديموقراطية هي دول شمولية أما الدول الشيوعية فهي دول رأسمالية .
الآن نأتي إلى نظام الحكم في الإسلام ما هي أنظمة الحكم فيه ؟ الجواب : للوصول إلى حقيقة نظام الحكم في الإسلام لابد لنا من المرور إلى النظريات السياسية التي دونت حول النظام و الدولة الإسلامية حسب نظريات المذاهب الإسلامية وهي :
اولا : المذهب الشيعي و فيه ثلاث نظريات : الأولى : التعين ، الثانية : ولاية الفقيه ، الثالثة : حكم الشعب نفسه بنفسه ، ثانيا المذهب السني و فيه نظرية واحدة : نظرية الشورى
نكمل بحثنا في الحلقة (27) إن شاء الله تعالى….. إلى اللقاء.
السلطة والسياسة ونظام الحكم (2)
توقفنا في الحلقة السابقة عند بيان أنواع الأنظمة السياسية في العالم ، و عرفنا كذلك النظريات التي دونت حول الإسلام السياسي . نكمل بحثنا و بالله الاستعانة.
ليس من الحكمة أن نخفي أنفسنا عن الآخرين بوضع رؤوسنا في الأرض كحل نظنه هو الأنسب للخروج من المأزق التاريخي كنتيجة بائسة من الاستسلام التام للحداثة الغربية بصفتها قمة الإبداع البشري .
و هذا التقدم كما أسلفنا سابقا أهم عوامله هي التجربة و بدون التجربة لا يوجد هناك تطور في الفكر الحداثي ، و لكنه في ذات الوقت يرغب التعامل مع الدين الأخلاقي الناطق باسم الوحي ، علما أن التجربة لا تستطيع إثبات الوحي و هذا جلي لي و لكم و للجميع ، فهل تستطيع إثبات الوحي بالتجربة ؟ الجواب لا لن تستطيع ، و لكن الفكر الحداثي يقبل به ضمن شرط واحد أن يكون الدين الذي جاء به دينا أخلاقيا.
فالنظرة الكونية في الحداثة هي في أصالة الإنسان ، و نحن إذا أردنا أن نقيس القرون الأولى و هي فترة الحداثة الإسلامية بالوضع الراهن فإننا لا بد أن نقيسه بمنظور الحاضر حتى نستطيع الحكم عليه ليس لأنها مصدر للهداية في ذاتها إلا إذا اكتسبت شرعيتها من الحاضر.
مثلا ، عندما أسس خاتم النبيين (ص) الدولة الإسلامية في المدينة هذا التأسيس كان وحيانيا أم بشريا ؟ بمعنى أن الأمر بإقامة الدولة كان بأمر من الله عزوجل أم أن الظرف التاريخي كان يحتم إقامة كيان سياسي مستقل أي منهم تظن ؟ الجواب الظرف التاريخي يحتم إقامة كيان سياسي مستقل إذن قيام الدولة الإسلامية في بداية نشأتها كان بلحاظ بشري و ليس وحياني.
سؤال ما هو تعريف السياسة ؟ الجواب : هناك خلط كثير بين كلمة (السياسة) وبين (علم السياسة) . (السياسة) هي كلمة مختزنة في الوعي الجماهيري فأنت ترى طالب في المرحلة الإعدادية يتحدث في السياسة ، و وزير الخارجية أيضا يتحدث في السياسة ، الفارق هو أن المنطق السياسي يختلف من ذا لذاك.
وهذا الذي نلمسه في الوسائل الإعلامية و الحوارات و التعليقات و التحليلات ، فلا يكاد ينجو ميدان من الاشتباك في موضوع السياسة ، أما (علم السياسة) وهو أحد أفرع العلوم الاجتماعية يتناول الظاهرة السياسية في إطار علمي من خلال التزامه بالمصطلحات و الأبجديات البحثية المتعارف عليها بين السياسيين و الباحثين و العلماء.
سؤال هل يمكن منع الجماهير من ممارسة السياسة أم لا ؟ الجواب لا يمكن لماذا ؟ الجواب إذا منعت الجماهير من عدم المشاركة في السياسة و إبداء آرائها في الظواهر التي تعيشها فإن الدوائر السياسية ستصاب بالشلل التام .
لأنه هو الميدان الوحيد الذي يمتلك الجرأة ، أنت انظر إلى الطالب أو الطالبة في عمر الزهور كيف يشاركون في المظاهرات و بجراة منقطعة النظير. فالمبدأ الأساسي في بناء الدولة الحديثة يكون من خلال المشاركة الجماهيرية لينتقل اللاوعي السياسي إلى الوعي السياسي .
و كما قلنا إن الإنسان إذا كان في الفكر الحداثي هو المحترم و الأشرف و الأكرم من جميع المخلوقات ، فإذا أعتقد الإنسان أنه هو قطب رحى الكون و إن جميع ما في الكون وجد في خدمته فهل يتساوى هو و النبي المرسل في الإنسانية معه أم لا يتساوى ؟ الجواب نعم يتساوى معه .
فكل إنسان متساو مع نظيره الإنسان ، في هذه الحالة إذا طلبت منه أن يفتدي بنفسه من أجل المبدأ هل سيفعل أم لا ؟ مؤكد لن يفعل لماذا ؟ لأنه سيقول أنا لم أضحي من أجل احد في حياتي لأني غير مقتنع بفكرة التضحية
ستقول له في سبيل بقاء الحكم ، سيجيبك هل قبل الناس بهذا الحكم ؟ فالمسألة أن من يريد أن يكون حاكما على الناس يجب أن يأخذ رضا الجماهير الشعبية ، فالمشاركة الجماهيرية في اختياره هل لها أهمية أم ليس لها ؟
مؤكد أن المشاركة الجماهيرية مهمة جدا لأنك لا تستطيع إجبار العامة على القبول بأي حاكم حتى لو انتزعت عناوين خارجية من أجله كأن تقول إن هذا الحاكم شخصية مقدسة ، هنا عليك أن تجيب على هذا السؤال من أين جاءته هذه القدسية ؟
لهذا تجد في كتاب الله عزوجل في سورة الفتح آية 18 ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) هذه البيعة على ماذا تدل ؟ الجواب تدل على أهمية رضا الجماهير على القبول بالحاكم نبيا كان أو غير نبي وهو ما نسميه في عصرنا الحاضر (بالانتخابات العامة).
نكمل بحثنا في الحلقة (28) إن شاء الله تعالى…. إلى اللقاء