الجهود التي تبذلها الجهات المعنية في الدولة من أجل استقطاب الاستثمار الأجنبي للبلاد تمثّل أمراً إيجابياً، ولها مردود كبير في توسيع الرقعة الصناعية والخدمية وتشغيل العمالة الوطينة في المشاريع التي تقام في المناطق الصناعية؛ الأمر الذي يتطلب حمايتها، وحماية أصحاب الشركات المستثمرة فيها، والاستماع إلى شكواهم في حالة تعرضهم للمشاكل والصعوبات في عملهم اليومي.
ويُعد قطاع النفايات من القطاعات المهمة في البلاد، خاصة وأن إدارتها أوكلت إلى شركة “بيئة” التي أُنشئت عام 2007 لصون البيئة وتطوير القطاع وإداة النفايات، مع تقديم خدمات أساسية وآمنة وفعَّالة مستدامة اقتصاديا وبيئيًا بطرق مختلفة. وهذا ما تطرق إليه الشيخ محمد بن سليمان الحارثي نائب الرئيس التنفيذي للتطوير الإستراتيجي في الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة “بيئة” في محاضرته في مجلس الخنجي الافتراضي هذا الأسبوع، مستعرضًا العديد من معاني الاقتصاد الدائري والفرص الاستثمارية في قطاع النفايات بجانب التحديات والمُمكنات في مجال إعادة التدوير والتصنيع والاستخدام، إضافة إلى أهداف شركة بيئة للفترة 2030 ورؤية “عمان 2040″، وكذلك أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
وضمن حديثه تطرق المسؤول أيضًا إلى بعض الاستثمارات التي ضُخت في البلاد في مؤسسات صناعية تعتمد على النفايات؛ شملت استثمارات عربية وأجنبية بملايين الريالات، موضحًا أن بعضها تعاني من الصعوبات التي تخلقها العمالة الوافدة من خلال “اللوبيات” التي شكلتها أمام هذه المشاريع بسبب عدم التزام الوافد بالقوانين والتشريعات أو عدم فهمه بتلك القضايا. وخير أمثلة على ذلك تتعلق بالمصانع التي أُنشئت في مجال إدارة النفايات، إلا أنَّ بعض تلك النفايات التي تحتاج إليها الصناعات المحلية يتم استخراجها أو تهريبها من البلاد دون مراعاة، رغم حاجة المصانع المُقامة محليًا لاستخدامها في العمل اليومي لتصنيع منتجات جديدة منها.
اليوم هناك العديد من النفايات في العالم، بينما نجد في السلطنة مخلفات يومية تأتي من المخلفات الخضراء من الفواكه والخضروات، بجانب نفايات الإطارات المنتهية الصلاحية، ومخلفات البناء والهدم، ومخلفات بطاريات حمض الرصاص، ومخلفات زيوت الطهي، والمخلفات الكهربائية والإلكترونية بجانب خردة المعادن والسيارات، وأصناف أخرى من النفايات التي تضم النفايات البلدية الصلبة، والنفايات الصناعية، ونفايات الرعاية الصحية.
ويرى المسؤول أن هناك شحًا في المواد الخام لبعض الصناعات المقامة في السلطنة، بسبب قيام البعض بتصديرها للخارج. فعلى سبيل المثال، صناعة خردة الألمنيوم تصل السعة التشغيلية لها 6600 طن سنويًا، بينما نجد أن العجز التشغيلي لهذه الصناعة يصل لحوالي 63400 طن سنويًا من هذه المخلفات، في حين نجد أن الكميات المصدرة منها تصل في حدود 50400 طن سنويا. ونفس هذا الأمر ينطبق على خردة الحديد؛ حيث تصل السعة التشغيلية لهذه الصناعة 2594000 طن سنويا، فيما نجد أن العجز التشغيلي لها يصل إلى 1706000 طن سنويا، في حين نجد أن الكميات المصدرة منها تصل إلى 448770 طن سنويا. وفي نفايات صناعة الورق نجد أن السعة التشغيلية لها تصل إلى 1500 طن سنويا، بينما يبلغ العجز التشغيلي لها 188500 طن سنويا، في حين تبلغ الكميات المصدرة منها 175000 ألف طن. وهكذا الحال مع صناعة بطاريات حمض الرصاص؛ حيث تبلغ السعة التشغيلية لها 2000 طن سنويا، في حين يبلغ العجز السنوي 11000 ألف طن، في حين يتم تصدير 19000 ألف طن منها إلى الخارج. وهذه المخلفات تصدر إلى دول قريبة وبعيدة لتحريك العجلة الصناعية بها في الوقت الذي يمكن أن تشكل مصدر خير للبلاد نفسها.
وفي هذا الصدد، فإنه من الضروري منع تصدير بعض المخلفات نظراً لاحتياجات المصانع المحلية، بينما هناك فرص أخرى لإقامة صناعات كبيرة في السلطنة من منتجات النحاس مثلًا؛ حيث يتم تصدير ما قيمته 100 مليون ريال عماني من النحاس إلى خارج البلاد، كما أشار الحارثي، مؤكدًا أن هذه المادة تمثل فرصة جيدة لإقامة الصناعات النحاسية في البلاد، إلا أنها مستغلة اليوم من قبل العمالة الوافدة التي تعمل في مجالات الاستيراد والتصدير للكثير من السلع والمنتجات التي يمكن تحويلها إلى صناعات كبيرة في البلاد. فاليوم ثمة مُعاناة يواجهها بعض المستثمرين في العملية الصناعية في البلاد، وأن أحد المستثمرين العرب قام بتأسيس مصنع إعادة شحن البطاريات في السلطنة واستثمر فيها حوالي 5 ملايين ريال عُماني، وأنه بحاجة يومية إلى البطاريات المنتهية صلاحيتها لإعادة شحنها وبيعها في الأسواق، وتمكين المصنع من الاستمرار في عمله اليومي، إلا أن معظم هذه البطاريات تصدّر إلى الخارج من قبل العمالة الوافدة؛ الأمر الذي يُؤثر على هذه الصناعة بصورة سلبية وعلى الظروف المالية للمستثمر أيضًا، مطالبًا بضرورة وقف مثل هذه الممارسات التي تقوم بها العمالة الوافدة والتي تضر الصناعة الوطنية.
وهناك الكثير مما يمكن استغلاله داخليًا في حال تطبيق التشريعات والقوانين تجاه هذه القضايا؛ ففي قطاع الأسماك على سبيل المثال نجد أن الاستهلاك اليومي منها يصل إلى 50%، والبقية عبارة عن مخلفات، لكن يمكن الاستفادة منها في أمور التصنيع، مع العمل على توفير الظروف التي تؤثر للاحتفاظ بهذه المخلفات. وأخيراً يؤكد الحارثي أن الأسعار لها دور في التحكم في عمليات البيع والشراء لهذه المخلفات، خاصة وأن هناك رجال أعمال وأصحاب مصانع عمانيين وأجانب يعرفون الثغرات التي يمكن من خلالها شراء أو تهريب هذه المخلفات للمصانع المُقامة خارج البلاد، الأمر الذي يتطلب إلى وقفة جادة حاسمة تجاه هذه الممارسات مع المخالفين.
إن الحديث عن البيئة طويل، إلا أنه من الجيد أن نعرف أن تحويل النفايات في الدول المتقدمة تطلب أكثر من ثلاثة عقود من الزمن للوصول إلى نسب عالية لتحويلها من المرادم؛ وذلك من خلال تفعيل عوامل تمكينية تتمثل في أطر حوكمة فعّالة، وأطر تشريعية قوية من سياسات وتشريعات، ولوائح تنظيمية وتفعيلها، بجانب توفير أدوات اقتصادية ومالية من ضرائب ورسوم إعادة تدوير، ورسوم الردم، وأنظمة المسؤولية الممتدة للمنتج، بجانب إيجاد وعي لدى أفراد المجتمع بهذه القضايا، حيث إنها تخلق لاحقاً حوافز اقتصادية، الأمر الذي يشجع الشركات للعمل والإنتاج الصناعي وإيجاد أسواق للتصدير.