الإنسان والحضارة والوحي (7)
عرفنا في الحلقة الماضية أن المنهج التجريبي طور ذاته عبر تجاربه وقدم دليلا ماديا ملموسا على ذلك نكمل بحثنا وبالله الاستعانة..
مازال حديثي مستمرا حول المنهج التجريبي الذي خطى خطوات جبارة في تحديد كل المتغيرات التي تؤثر في الظواهر التي يدرسها . أنت أسال فقهاء البحث العلمي هذا السؤال لإثبات حقيقة ظاهرة ما أو للوصول إلى حقيقة موضوع ما. ما المنهج المتبع لديكم ؟ الجواب المنهج التجريبي لماذا هذا المنهج وليس باقي المناهج كالمنهج الفلسفي أو العقلي أو العرفاني ؟ لماذا فقط هذا المنهج ؟
انتبهوا للجواب : لأن المنهج التجريبي يضمن إثبات شيء بالبرهان جزئيا كان أو كليا من خلال المعلومات المحصلة للوصول إلى النتائج والاستنتاجات الصحيحة وفي المنهج الفلسفي لايمكن الوصول إلى الحقائق التي نريدها بسبب أن إثبات الشيء الجزئي لا يناله العقل عندهم فهو ليس كاسبا ولا مكتسبا..
أما في المنهج العرفاني لا يمكن تنبؤ الحوادث المستقبلية به ، أما المنهج العقلي فإنه يفرض اليقين على الواقع الخارجي حتى لو انعدم عنده الدليل ، لهذا فالخصوصية عندنا هو المنهج التجريبي. سؤال ما هي خصوصيات المنهج التجريبي ؟ ركزوا معي على الجواب
الخصوصية الأولى : يستطيع المنهج التجريبي أن يعكس نمط الأسئلة التي تتطلب فيها المعلومات التفسيرية للإجابة عليها فهو يكشف كل حقيقة من الحقائق المحسوسة حولنا
مثلا : عدة المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى يقول الفقهاء تعتد في بيتها 3 أشهر حتى يتم التاكد من استبراء رحم المرآة بوجود حمل من عدمه لاجتناب وقوع اختلاط الأنساب .سؤال : هل يمكن ضمن معطيات المنهج التجريبي أن تنتظر المرآة 3 أشهر لتتحقق من استبراء الرحم بوجود حمل أو لا ؟ الجواب كلا لأن المنهج التجريبي سيقول لك أنا اخترعت جهازا يستطيع كشف الحمل من عدمه ، زيادة على ذلك سيخبرك هذا الجهاز متى سوف تلد المرآة ؟.
الخاصية الثانية : لا يكتفي المنهج التجريبي في الفكر الحداثي بإجراء التجربة فقط بل يمكن له أن يتنبأ الحوادث المستقبلية ، لأنه يقوم بتحليل وتفسير كل ظاهرة يقوم بدراستها ويقدمها على شكل إثباتات علمية لا تقبل الشك ،
فيستطيع أن يتنبأ ماذا سيحدث بعد 20 سنة من الآن وهذا التنبؤ ليس تنبؤا غيبيا بل القضية مرتبطة بالشروط أما التنبؤ في الفكر الإسلامي فقد عجز حتى الآن أن يوحد رؤية هلال الشهور القمرية مع وجود النصوص قطعية الثبوت ولا يحتاج إلى دليل..
الخاصية الثالثة : قابلية المنهج التجريبي في وضع الحلول لظواهر تم التنبؤ لها ، وإيجاد دواء لمعالجة أي مرض ، وأعتقد أغلبكم سمع عن علم الجينات أو ما يسمى بعلم الوراثة الذي يساعد على دراسة الحمض النووي للإنسان وفهم طبيعته وتكوينه ، والروابط التي تجمعه مع مجموعات بشرية مختلفة ، فالشخص الذي يعيش في الغرب يستطيع بعلم الوراثة أن يحدد هويتك عربية كانت أو أفريقية او هندية.
الخاصية الرابعة : قابلية المنهج التجريبي في التخطيط المستقبلي كما تريده أنت مثلا أصدرت منظمة الصحة العالمية إصدارات متعددة عام 2005م لتوعية الناس في حماية أنفسهم من الجائحات التي قد تنتشر في العالم والإرشادات الاحترازية التي يجب أن يطبقها الفرد للحيلولة دون وقوع المحذور .
الخاصية الخامسة : يستطيع كل واحد منا الدخول إلى المنهج التجريبي فإذا أردت أن تُدخِل المباحث الفقهية أو العقائدية في معطيات المنهج التجريبي ، فهل يمكن أن تكون حجة أو ليست بحجة ؟ مثلا درجة غليان الماء ، ثبت علميا عند 100 درجة مئوية تعادل 212 فهرنهايت ، ويبدأ الماء بتحول من السائل إلى الغاز..
هذه المعادلة تعتبر حجة أو ليست كذلك ؟ إذا قلت ليست بحجة إذن على الفقيه أن يحدد درجة غليان الماء للناس لأنه قد تسقط حبة العنب في الماء المغلي فهل يجوز شرب عصيرها أو لا يجوز؟
فإذا لم يوجد عند الفقيه معادلة درجة الغليان فلا يستطيع إصدار الفتوى في مثل هذه الحالات أليس كذلك وإذا قلت أنها حجة فكل الظواهر التي قام المنهج التجريبي باستنتاج نتائجها و التثبت منها يجب الأخذ بها طواعية..
إذن بالنتيجة الفقيه طبق المنهج التجريبي أم لم يطبق ؟ نعم طبقه دون أن يشعر ، لهذا تجد أن الإنسان الحداثي الغربي من إحدى خصائصه أن محوره التجربة وهو لا يهتم لكلام الآخرين ، ولا يمكن أن يسمح لأحد أخذ ثمار جهوده مجانا..
فقام بوضع علامة تجارية على كل منتجاته ، وسن القوانين والتشريعات الخاصة بحق الإمتياز من أجل تنظيم العلاقة بين المانح والممنوح له الإمتياز في استخدام العلامة التجارية مقابل الحصول على نسبة من الأرباح والعائدات الماليه لقاء منح حق الامتياز
نكمل بحثنا في الحلقة (15) إن شاء الله تعالى…. إلى اللقاء.
الإنسان والحضارة والوحي (8)
تحدثت في الحلقة الماضية أن المنهج التجريبي بإمكانه أن يضع الحلول لكل المتغيرات التي لها تاثير على الإنسان سواء في العلوم الطبيعية أوغير الطبيعية نكمل بحثنا وبالله الاستعانة.
الوسائل التي نادى بها الإنسان لتغيير العالم أربع وسائل ( التجربة ، العقل ، العرفان ، الوحي) عرفنا الوسيلة الأولى وهي التجربة . دعونا نتعرف على الوسيلة الثانية وهو(العقل) .
أنت عندما تتحدث إلى أحد معارفك وتقول له إنك التقيت بفلان ووجدته إنسانا عاقلا سؤال : لماذا نعته بالعقلانية ؟ جوابك الطبيعي سيكون لأنك وجدته يفكر دائما كيف يصل إلى حقيقة الموضوع ولا يحكم على ظاهر الأشياء أليس كذلك ، إذن أنت عرفت العقلانية بشكل غيررسمي.
أما رسميا فلها تعاريف متعددة في الفلسفة يقول (بورك فيمن) في كتابه (العقلانية ص 263) هي (المنهجية التي يكون معيار الحقيقة فيها فكريا أو استنباطيا وليس حسي).
أما في علم الاجتماع فالعقلانية (مصطلح يشير إلى أن العلميات المؤدية إلى زيادة الأفعال الاجتماعية تصبح مرتكزة أكثر على الأفعال الغائية أو الحسابات أكثر من تحركها بسبب الدوافع الأخلاقية و العواطف والتقاليد وتعد جانبا رئيسيا من الحداثة) (موسوعة ويكيبيديا)
أما في علم النفس فالعقلانية هي التركيز على الادراك (نفس المصدر السابق) أما في الفكر الإسلامي فالإمام علي بن ابي طالب يقول (العقل عقلين مطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع ) (نهج السعادة جز9 ص 263)
الفكر الحداثي لا يتحدث عن النصوص المقدسة لا من الإنجيل و لا من التوراة ولا يتحدث عن إيمان هذا أو ذاك ولا يتحدث عن نصوص الوجود أو عالم الوجود ولا يتحدث عن الخالق أو المخلوق.
لأن الفكر الحداثي يعتبرذلك بمثابة الانتقال إلى الإحداثيات التي تساعد على بناء برمجة غاية في الدقة للوصول إلى القمة . وهذا البناء يتكون من صنوان (العقل والإنسان) وهذان لا ينتهيان إلا إذا انتهت الحاجة إليهما ،ولا يمكن أن تنتهي الحاجة منهما لأن وقودهما هذه الاستفهامات (لماذا ، و ماذا ، و كيف ، وما هي ، وما هو ، وكم ، ومن ، وأين)
فطالما وجُدت هذه الاستفهامات سيظلُ الإنسان (يتألم ، ويتذكر ، ويفكر ، ويكره ، ويحب ، وينسى ، ويشعر ، ويفرح ، ويغضب) ، كل هذه الإحداثيات والاستفهامات ستتفاعل في برمجة العقل الإنساني لتفتح له آفاقا جديدة وساحات جديدة في العلم. .
مثلا في عالم الفلسفة المسلمون عندهم الفلسفة والهندوس أيضا عندهم الفلسفة الغرب كذلك عنده الفلسفة لا يوجد دين أو عقيدة ليس لديها علم الفلسفة ، الكل لديه علم الفلسفة ، ولكن من من هؤلاء استخدم الفلسفة وعلم الفلسفة من أجل الوصول إلى القمة. .
إذا تتبعت الفلسفة الغربية و الإسلامية ستجد هناك مفارقات كبيرة بينهما كيف ؟ ركزوا معي رجاء لنفهم المنهج العقلي في استنطاق علم الفلسفة عند الفريقين . المسلمون يبحثون في الفلسفة وما يتعرض الفلسفة أي عوارض الفلسفة. .
سؤال : أنت اسأل المهتمين في الفلسفة ما هو مصدر المعرفة في الأمور الغيبية عندكم ؟ الجواب الفلسفة إذن كيف تثبتون وجود الله بالعقل أو بالوحي ؟ الجواب : أقوى دليل على وجود الله دون الاسترشاد بالوحي (الممكن والواجب) بمعنى أن الأجسام مركبة وكل جسم يفتقر إلى أجزائه وكل مفتقر ممكن و الممكن لا بد له من واجب ويستحيل الكثرة في الواجب . إذن البحث هنا في ماذا ؟ في عوارض الوجود ( الأجسام ، الأجزاء ، ممكن ، الواجب ) هذه كلها عوارض الوجود. .
تعالوا إلى الفكر الحداثي ومنهجه العقلي في التعامل مع الفلسفة ، عندما يريد الإنسان الغربي البحث في المواضيع يستعين بالفكر من حيث قدرة العقل على المعرفة فالاستلهام هو من المنطق لا من النص الظاهري..
وهذا يعني أن موضوع الوجود وعوارض الوجود يبحث فيه من حيث الفكر لا من حيث الوجود نفسه أو العوارض نفسها ، هذا التأسيس الذي بدأه كانط وبدأت معه نظرية تعدد الفكر بمعنى انك عندما تفكر في موضوع ما هل هذا التفكير ثابت أم متغير ؟ هل له احتمال الخطأ أم لا ؟ هل يمكن الوصول إلى اليقين أم لا ؟.
يقول كانط ( اهتموا بما تستطيعون فهمه والبرهنة عليه بشكل منطقي أوعلمي واتركوا ما تبقى ، لا تضيعوا وقتكم فيما لا طائل تحته ، ولا تهيموا في متاهات الغيب والميتافيزيقا).
كانط ينظرإلى العقل بأي منظار ؟ بمنظار الاستدلال و فهم الموضوع وهذا التنظيم يوضح التجانس والتنوع والاتصال والذي يتعين كيف يجب أن نبحث في طبيعة الموضوعات وترابطها مع التجربة لا كيف يتكون الموضوع ومما يتكون. .
وهذا الفهم ينسجم مع قول علي بن ابي طالب عن العقل حين قال (ولا تنفع الشمس و ضوء العين ممنوع) بالنتيجة كانت أولى إنجازات المنهج العقلي الحداثي إطلاق أول مركبة فضائية تهبط على سطح القمر.
الآن قل لي هذا ما أنجزه المنهج العقلي عند فلاسفة الغرب قاموا بدراسة تراثهم و تراث الأمم الأخرى للوصول إلى القمة ، والمنهج العقلي عند فلاسفة المسلمين مازال يبحثون في عوراض الوجود منذ 50 عاما وأكثر..
السؤال : إلى أي مرجعية سينجذب أبناؤنا هل إلى مرجعية الفكر الحداثي الغربي أم إلى مرجعية الفكر الإسلامي ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (16) إن شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء
الإنسان والحضارة والوحي (9)
مازال الحديث مستمرا في المنهج العقلي كوسيلة ثانية من وسائل تغيير العالم . و تحدثت أن المنهج العقلي عند الغربيين يبحث في المواضيع ويستعين بالفكر من حيث قدرة العقل على فهم المعرفة. نكمل بحثنا وبالله الاستعانة.
جاء في كتاب (الحداثة وما بعد الحداثة – د محمد سبيلا – ص 26) (الحداثة هي العقلنة أي تنظيم و ضبط الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية ضبطا عقلانيا أي على هدى العقل).
جدير بنا أن نعرف أن الحداثة تقصد بالعقل في حدود معطيات الاستقراء و التجربة و ليس العقل التجريدي الذي يتبعه الفلاسفة كما ذهب إليه دكتور محمد سبيلا :-
(تتميز الحداثة بتطوير طرائق و أساليب جديدة في المعرفة قوامها الانتقال التدريجي من المعرفة التأملية إلى المعرفة التقنية ، والمعرفة التقنية هي نمط من المعرفة قائم على إعمال العقل بمعناه الحسابي) ( نفس المصدر السابق – ص 9 ).
و العقلانية الغربية لا يمكن أن نفهم ثقافتها إلا ضمن خصوصيتها الغربية و ليس ضمن القيم الكونية بمعنى لا يقول قائل إن الحداثة ألغت القداسة الدينية و ألغت التعامل مع الوحي و ألغت الغيبيات ،لا أبدا فهي ليست ضد الدين ، صحيح أن مسارها هو حذف القداسة من كل شيء يعيق حركة البناء ، وهذا الحذف كان من أجل تقديم رؤية جديدة للعالم بعيدا عن النظرة الميتافيزيقية.
وهذه الرؤية يجب أن لا تتجاوز الحدود و الأطر التي لا تنطبق عليها الموضوعات . فالعقلانية الغربية هي امتداد لتطوير الأفكار وقواعد الاستدلال و تجنب المغالطات المنطقية فإذا كان معرفة الله عزوجل سيكون ضمان لبقاء المعرفة فلا مانع من الإيمان بالله عزوجل ،
وإذا كانت الغيبيات تضمن بقاء الأسس المعرفية فلا مانع من البحث فيها ، أما إذا كانت الغيبيات تخلق لي جيلا ممسوخا يكون عبئاً على المجتمع و الفكر الإنساني فهذا غير مقبول.
يقول (يوسف كرم) في كتابه (تاريخ الفلسفة الحديثة –ص 67) عن ديكارت أنه قال ( أنا واثق بأن الله صنع عقلي كفئا لادراك الحق وما علي إلا أن أتبين الأفكار الواضحة وصدق الله ضامن لوضوحها).
من هنا نعرف أن قضية الإيمان بالله عزوجل عند أصحاب المنهج العقلي في الحداثة الغربية ليست مبنية على أسس فلسفية ميتافيزيقية وإنما على أسس علمية و كانت هذه هي البدايات التاريخية لمبدأ العقلانية والذي شهد تطورا ملحوظا في الغرب منذ القرن 19 م و إلى الحاضر المعاصر.
وعلى هذا الأساس بنى الغرب رؤيته للعالم بأن جعل محورية نواة المركز تدور في فلكها جميع عناصر الثقافة المعرفية والقيمية فلا يخالجنكم الشك أن الغرب في رؤيته للعالم هو انطباع شخصي لا أبدا ، وإنما هي كيف يكون فهمنا للعالم وطريقة التفكير فيه ومقصد الفعل الإنساني فيه ورفض كل حركة تؤدي إلى التعالي.
هنا نطرح هذا السؤال إذا كان المنهج العقلي في الحداثة الغربية هو مصدر للمعرفة فهذا يعني يجب أن تكون لدينا رؤية شاملة ومفصلة عن خصائصه ، فما هي خصائص هذا المنهج ؟
أولا : التركيز على الاستنتاجات العقلية والقواعد العقلية و أي معلومة لا تخضع للاستقراء العلمي ولا تتوافق مع الواقع و إن كان منسجما مع النفس فهو خرافة لنوضح المعنى .علماء النفس يعرفون الخرافة أنها (تدهور عقلي وجسدي بعبارة بسيطة فساد عقلي).
مثلا أنت عندما تسمع أن هناك درس للناشئة في زكاة النقدين وهو مورد مالي في الشريعة المحمدية و تقول لأبنائك اذهبوا وأحضروا هذا الدرس ، دون أن تلتفت إلى الفئة العمرية التي يجب أن يحضرها الناشئة..
سؤال : ما هي أعمار فئة الناشئة ؟ الجواب خصص الموقع الإلكتروني البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب تابع لديوان البلاط السلطاني العماني صفحة سماها مسار الناشئة مكتوب فيها (الفئة المستهدفة للناشئة الفصل التاسع والعاشر والحادي عشر) يعنى الاعمار المستهدفة (من 14 الى 16 سنة) والقانون يصنف هذه الأعمار ضمن دائرة (الأحداث).
سؤال : الفرد القاصر هل سيستفيد من درس زكاة النقدين إذا أعطيت له أم لن يستفيد ؟ لن يستفيد لماذا ؟ لأنه لا يوجد لديه دخل أو أملاك حتى يستخرج الزكاة منه و المادة التدريسية لا تنسجم مع واقع عمر التحصيل العلمي للطالب و بالنتجية هل أفسدت عقل هذا الطالب أم لا ؟ الجواب :- نعم
ثانيا : العقل يصنع الحقيقة وهو الحاكم الذي يعطي لأية معرفة صحتها ما إذا كانت تمثل حقيقة أم تمثل وهما فتأثيره يكون عميقا في الناس مثلا إذا وجدت خطيبا يتحدث عن الله عزوجل و إنه موجود وإنه يرى كل شيء والحضور جميعهم يؤمنون أن الله عزوجل موجود و يرى كل شيء ما هو ردة فعل الحاضرين حينئذ ؟
الجواب النفور لماذا؟ لأن الحاضرين يؤمنون بأن الله عزوجل موجود ، فهل المعرفة التي نقلها الخطيب كانت في وسط صحيح أم غير صحيح ؟ من المؤكد غير صحيح فإذا أراد الخطيب أن يصنع الحقيقة حسب المنهج العقلي الحداثي ماذا يجب عليه أن يفعل؟ الجواب أن يذهب ويقل للذين لا يؤمنون بالله ويخبرهم عنه عزوجل. .
نكمل بحثنا في الحلقة (17) إن شاء الله تعالى … إلى اللقاء.
الإنسان والحضارة والوحي (10)
توقفت في الحلقة الماضية عند خصائص المنهج العقلي في الفكر الحداثي نكمل بحثنا و بالله الاستعانة.
الخصيصة الثالثة :- يقول نيتشه (جميع الظواهر عبارة عن تأويلات ولا توجد هناك على الاطلاق أية ظاهرة في حد ذاتها) (موت الإنسان – عبدالرزاق الدواي – ص35).
هذه الخصيصة تعتبر من أخطر الخصائص في الحداثة وهو إعلان صريح أن كل ما هو في الوجود ما هو إلا نزعة ذاتية للإنسان ، بمعنى ما لا يمكن لمسه بحواسنا وعبر إدراكاتنا لا يمكن أن نقول أنه ينتمي إلى هذا العالم أو له ارتباط به.
.
وهذا سيقحم كل نهج يعتمد على الفرضيات وسيدحض استدلالاته وسيقيم عليه الحجة ، وهذا بداية إعداد إنسان جديد جوهر وجوده و معياره و غايته ووسيلته وهدفه تحرير نفسه من القيود المحيطة به فهو القوي بعقله لا بمعتقداته ، دعونا نقرب لكم المعنى .
.
إذا سألك أحد الحداثيين الغربيين ما هي رؤية المسلمين في تغيير العالم ؟ الجواب المخلص الموعود (المهدي المنتَظر) ، سيطرح عليك الأسئلة الآتية وهو لا يعرف هل ولد أم سيولد
السؤال الأول هل فكرة المهدي المنتَظر تخص جميع البشر أم هي للمسلمين فقط ؟
السؤال الثاني :هل يمكن إيجاد المشتركات بين الغرب وبين نظرية المخلص الموعود أم لا يمكن ؟
السؤال الثالث هل توجد قراءات مختلفة عند المسلمين حول نظرية المخلص الموعود أم قراءة واحدة ؟
السؤال الرابع ما هو موقع النظرية المهدوية في منظومة المعارف العامة ؟
السؤال الخامس ما هي خصائص نظرية المخلص الموعود ؟
السؤال السادس : متي ظهرت النظرية المهدوية ؟
سؤال : لماذا يسألك الفرد الحداثي كل هذه الاسئلة ، والتي ستأخذ منك 10 سنوات أو أكثر حتى تثبت حقيقة كل ما ستكتبه في الإجابة عليها لماذا ؟ انتبهوا للجواب :-
عرفنا في الحلقات الماضية أن (العلم و الإنسان ) هما صنوان لا ينتهيان طالما بقيت الإحداثيات والاستفهامات تتفاعل في برمجة العقل للوصول إلى القمة ، وهذا التفاعل سببه (السؤال) وهوالصانع الحقيقي لرفع النقاب عن كل أشكال الثوابت والمنطلقات وبدون (السؤال) لا يوجد هناك تطورحقيقي في الفكر بل الجمود الفكري والإهتمام بالقشور .
مثلا الاحتفال بالمولد النبوي. هل توجد مناسبة عند المسلمين أفضل من هذه المناسبة ؟ كلا ، هل توجد شخصية نقتدي بها أفضل من شخصية خاتم النبيين (ص) ؟ كلا ، ماذا تريد من إحياء هذه المناسبة ؟ ما هو هدفك ؟
الجواب : ليعرف العالم عن نبي الإسلام ، يسألك في المقابل إذا صرت محمديا هل ستكذب وتغش وتفترى على الناس زورا وبهتانا وتكشف عوراتهم و تتاجر باسم الله ورسوله على المنابر وتسعى لتثبيت الخرافات والاساطير باسم نبي الإسلام.
أم تريد إحياء القيم الإنسانية والأخلاقية التي تجسدت في شخص نبي الإسلام أي منهما تريد ؟ ستقول مؤكدا اريد إحياء القيم الإنسانية ، سيقول لك أنت تكذب ، إذا كان الهدف تجسيد القيم الإنسانية والأخلاقية فالماذا لا تقربكم أنتم لبعضكم البعض ؟ فانتم منذ 500 عام وأكثر تقولون يا حبيبي يا محمد ولكن تُصدرون فتاوى هذا ملعون وهذا ناصبي وهذا في الناروهذا دليل أن قلوبكم مشحونة بطاقات سلبية تجاه بعضكم البعض .
من هنا نعرف أن الطرف المقابل و أعني به الفكر الحداثي له بعد ينقلك من حال إلى حال ، ومن فضاء إلى فضاء آخر ، وسؤال العقل يعني سؤال الإنسان الذي يبحث عن التطور ، فإن أي تحولات تصيب الإنسان عبرزمانه ومكانه في اتجاه التغيير ترافقها سماتها و خصائصها المعرفية والمفاهيم الإبداعية وهذه سمات إنسان دولة ومجتمع.
الخصيصة الرابعة : لامكان لتقديس المعلومات لأنها في حالة حركة ولا يمكن أن تلبس ثوب الأبدية و تضع نفسها فوق المناقشة . واقعيا هذه دعوة إلى رفض أية معلومة بدون دليل والتعامل مع ثقافات الماضي و معلوماته على أساس التقليد.
فالعقل الحداثي أقصى ما طمح له هو ضرورة الانتباه إلى حتمية الانتقال من مرحلة العقل الإستهلاكي إلى مرحلة العقل المنتج واستعادة أسرار العلم وتوظيفه في بناء جسور التواصل مع المجتمعات الأخرى.
وهذا يجعلنا نقول وبكل ثقة أن لا أحد يحق له الاعتقاد أن الفكر الذي يحمله هو البديل للأجيال القادمة ، أو يعتقد أنه على حق وغيره على باطل ، أو أنه هو الصح مائة بالمائة وغيره على خطأ مائة بالمائة ، فإذا كنت محقا 70% فان غيرك سيكون محقا 30%.
نكمل بحثنا في الحلقة (18) إن شاء الله تعالى.. إلى اللقاء.