يتفاعل موضوع ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات في المجتمع الخليجي عامة، وفي السلطنة بصفة خاصة نتيجة للعبء الجديد الذي يتحمله الفرد الخليجي من تبعات هذه القرارات، خاصة إذا كان هؤلاء الأشخاص من أصحاب الدخل المحدود.
فضريبة القيمة المُضافة هي ضريبة يدفعها المُستهلك، وتفرض على الفارق بين سعر الشراء من المصنع وسعر البيع للمُستهلك. وهذه النسبة من الضريبة وهي 5% وأعلى، رغم أنَّها لا تمثل مبلغاً كبيراً بالنسبة للأشخاص القادرين والأغنياء في المجتمع الخليجي، إلا أنها تُشكّل معضلة للشخص الفقير نهاية كل شهر. فقد جاء سريان هذه الضريبة في إطار القرارات الخليجية اعتباراً من مطلع عام 2018 بعد اعتماد مجلس التعاون الخليجي لاتفاقية ضريبة القيمة المُضافة الموحدة في عام 2016، والتي رسمتها المؤسسات المسؤولة عن الموازنات المالية بدول المجلس وفق توصيات صندوق النقد الدولي بسبب تضرر ميزانيات المنطقة نتيجة للتراجع الكبير بأسعار النفط في 2014، مما دفع دول المنطقة إلى إقرار خُطط تقشفية تتضمن إصلاحات مالية بغرض تنويع الإيرادات وعدم الاعتماد على النَّفط كمصدر وحيد للدخل. وفي نفس هذا الاتجاه جاءت تداعيات كورونا لتضيف مزيدًا من الضغوط المالية على الدول، الأمر الذي أدى بها لأن تسرع في إقرار خطط إصلاح جديدة. ولكن الكل يعلم بأنَّ دولنا الخليجية هي دول ريعية وغنية بالموارد الطبيعية بالإضافة إلى موارد النفط والغاز، إلا أن الحكومات هي المستحوذة على هذه المصادر، ولها مشروعية التصرف فيها وامتلاكها وتوزيعها وبيعها، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن البدء في فرض ضرائب على المواطنين كضريبة القيمة المضافة، حيث كان التوجه منذ عدة سنوات مضت نحو تنويع مصادر الدخل غير النفطية. فهل ذلك يُساعد في الاستمرار في التنمية المستدامة بالمنطقة؟
المواطنون في المنطقة يرون أنَّ إقرار ضريبة القيمة المضافة وأمثالها سوف يزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي يُعاني منها معظم الفقراء في المجتمع الخليجي في وجود عدد كبير من الباحثين عن العمل، في الوقت الذي يرى بعض الخبراء الخليجيين أنَّ هذه الضريبة سوف لا تعود بالمنافع على المجتمع الخليجي كما يحلو لهم من حيث مساهمتها الكبيرة ودعمها لبنود الموازنات المالية، وفي ذات الوقت يرون أن هناك اختيارات أخرى أمام الحكومات الخليجية لتطبيقها لتحصل على العوائد المالية اللازمة من أفراد المجتمع.
ونشير هنا إلى أنَّ القرار الصادر بفرض ضريبة القيمة المضافة بدول المجلس لم يتم تفعيله حتى اليوم في دولتين خليجيتين وهما دولة الكويت ودولة قطر، وكان بإمكاننا في السلطنة تأجيل هذا القرار لسنوات أخرى، والعمل مثلهما، إلا أنَّ القرار تم أخذه دون مراعاة مطالب المواطنيين. وفي هذا الصدد يؤكد خالد جناحي- وهو رجل أعمال بحريني يتخذ من جنيف مقراً لأعماله خلال حديثه لمجلس الخنجي الافتراضي مُؤخرًا حول موضوع “تنويع مصادر الدخل بدول مجلس التعاون الخليجي”- أن بعض دول المجلس تلغي كلمة “الضريبة” من نشراتها الإعلامية والصحفية، وتشير إلى “القيمة المضافة” فقط، بحيث لا يدرك المواطن هذا الأمر على أنها ضريبة جديدة، خاصة وأنَّ هذه الضريبة تأتي بعدما بدأت دول المجلس في سحب الدعم الحكومي عن الكهرباء والمياه والوقود وفقاً لتوصيات صندوق النقد الدولي، مع فرض ضرائب أخرى على القطاعات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن بعض دول المجلس تدرس الآن زيادة هذه الضريبة لتصل إلى 15 أو 18%، وهذا أمر سوف يأتي بتعبات سلبية، ناهيك عن دراسة بعض الدول الخليجية الأخرى ومنها السلطنة فرض ضريبة الدخل على الأفراد وفق توصيات صندوق النقد الدولي.
ويرى الخبير البحريني أنَّه كان على دول المجلس أن تبدأ أولاً بفرض ضريبة على الأراضي البيضاء وعلى الثروات التي يمتلكها الكبار في المنطقة بدلاً من فرض ضريبة القيمة المضافة في هذه المرحلة. فالكثير من أصحاب الثروات الكبيرة حصلوا على الدعم المالي والخدمات الاجتماعية المجانية من التعليم والصحة والإسكان وغيرها خلال العقود الخمسة الماضية، وأصبحوا يمتلكون الكثير من الأموال والعقارات والأرصدة المصرفية في الداخل والخارج، وعليهم أن يدفعوا مُقابل ذلك. وهؤلاء عاشوا في كنف الرفاهية والطمأنينة والأمن والأمان نتيجة للاستقرار الذي شهدته المنطقة، إلا أنَّ هذا الاستقرار لا يمكن أن يأتي بالتنمية، بل التنمية المستدامة هي التي سوف تأتي بالاستقرار لهم من خلال الاستثمار في الإنسان وتطوير التعليم الصحيح والتعلّم عن طريق النقد الذاتي، وعليهم أن يُساهموا ويُقدموا لمجتمعاتهم للاستمرار في هذه التوجهات.
فأكبر تحدٍ هو أن يقبل الناس الضعفاء موضوع الضرائب كضريبة القيمة المضافة، بينما هناك عدد كبير من أصحاب الثروات والأراضي البيضاء الذين لا تمسهم الضرائب، وهم أصحاب المؤسسات والشركات والعقارات وغيرها. ويرى الباحث أننا نأخذ من الفرد الفقير في الوقت الحالي ونُعطي الفرد الغني دون أن يدفع هو ما يجب عليه من أجل الاستمرار في التنمية للجميع. ولذلك فإنَّ مثل هذه القرارات لها تبعات في المستقبل، الأمر الذي يتطلب الاستعجال في فرض ضريبة الثروات على الأغنياء.
معظم الدول الخليجية تُعاني اليوم من البطالة ومشكلة التوظيف، وهذه القضايا تتداخل مع قضايا الضرائب ورفع الدعم عن المحروقات، وزيادة نسب الوافدين في الأعمال التي يُديرها القطاع الخاص الخليجي، وسيطرة غير المواطنين على الأعمال والمؤسسات، ناهيك عن المشكلة التي نعاني منها في المنطقة وهي أن بعض الأشخاص يتعامل معهم على أنهم “فوق القانون”. وفي هذا الشأن يرى الباحث البحريني أنَّ هناك تخوّف على مستقبل الأبناء والأجيال في هذه المنطقة في الوقت الحالي، متسائلاً: هل سوف نستمر في الحياة السعيدة مثلما عشناها خلال العقود الخمسة الماضية؟؟، مطالباً الحكومات والشعوب بتغيير أنفسهم وأن يكون الحديث شفافاً وواضحاً مع الجميع، وإلا فإن الكل سوف يدفع الثمن. فالإصلاح له ثمن وأن الشخص الذي يبدأ في الحديث عن الإصلاح عليه أن يصلح نفسه أولاً. والثمن هنا هو أنَّ الشخص الذي يملك الملايين هو الذي يجب عليه أن يدفع أولاً وليس الشخص الفقير، خاصة وأن التوقعات تشير إلى أن مداخيل دول الخليج سوف تتراجع في السنوات المقبلة في الوقت الذي سوف تزداد فيه أعداد السكان في المنطقة.
في هذا الصدد علينا أن نعتمد على الشخص والمواطن الخليجي والكفاءات الوطنية، وليس على الأجنبي خاصة تجاه القضايا التي تمس المجتمع، مع ضرورة تطوير إدارات البحث العلمي في المؤسسات والجامعات لتتمكن من وضع الدراسات التي تناسب القدرات والظروف والإمكانيات التي يعيشها المرء الخليجي لأنها الأقدر على معرفة الظروف والتطلعات وطموحات الحياة التي يتطلع إليها الفرد الخليجي مستقبلاً.