يتساءل الكثير من المُواطنين المُتابعين لقضايا توظيف العمالة الوطنية في المؤسسات المحلية عن المُبررات التي أدت ببعض الجهات والشركات الحكومية للتعاقد مع شركات وساطة التوظيف في تشغيل عدد كبير من الأشخاص في بعض المُؤسسات الحكومية، وخاصة الجامعات والكليات وغيرها، وعمّا إذا كان هناك نقصاً في عدد العمانيين الخريجين المؤهلين من الجامعات العربية والأجنبية للعمل في تلك المؤسسات وخاصة التعليمية العُليا.
والسؤال الذي يتبادر طرحه هنا: هل العُماني فعلاً لم يكن مؤهلاً للقيام بهذه المسؤولية؟ وهو منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم يلتحق بالجامعات العربية والأجنبية في مختلف التخصصات، ويحمل عدداً من المؤهلات العلمية التي تؤهله للقيام بهذه المسؤوليات، أم أنه كان يبتعد عن الدخول في هذا القطاع الذي يحتاج إلى الكثير من العمل ومعرفة اللغة الأجنبية، والمتابعة والتحضير والإعداد وكتابة التقارير عن الطلبة وغيرها من الأمور الأخرى؟ أم كانت هناك أيادٍ خفية تعمل من أجل صالحها، ومن خلال المتعاملين معها من هؤلاء الوافدين الذين كان يتم إلحاقهم في الوظائف الجامعية على حساب تشغيل حملة الدرجات العُليا من الخريجين العمانيين؟
الأجوبة التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي على لسان بعض الذين حاولوا الالتحاق بالعمل الأكاديمي تؤكد أن وراء تلك القضية عدة شخصيات من المواطنين والأجانب، بجانب شركات وساطة التوظيف التي تعمل في الخفاء، للاستفادة من تلك الفرص المتاحة للتوظيف في قطاع التعليم العالي، من خلال الاتفاق باستقطاع جزء كبير من قيمة العقود لصالحهم، مع تقديم رواتب مُعينة للملتحقين، ربما تصل إلى النصف أو أقل منه للذين يتم تعيينهم في تلك الأعمال؛ سواء أكان مواطناً أو أجنبياً، على أن يتم تحويل النصف الآخر إلى حساب شركاتهم.
اليوم.. الجهات المعنية أصبحت مُتابعة وملمة بهذه القضية، وبالفساد والأساليب الملتوية التي مُورست في عملية التوظيف من قبل شركات وساطة التوظيف، وأصدرت أوامرها بالتوقف عن المُعاملة معها، على أمل متابعتها لاحقًا لمن تسبب في حرمان العمانيين من العمل. ويرى البعض أنَّ هناك عدة أسباب أدت إلى تفاقم هذا الأسلوب من قبل شركات وساطة التوظيف وأهمها عدم قيام وزارة المالية باستحداث درجات مالية جديدة للتعيين المباشر في تلك المؤسسات التعليمية وغيرها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أدى بتلك الشركات لأن تتعامل مع المؤسسات الوطنية بعقود مُؤقتة استخدمت فيها أسلوب خصم وبخس الرواتب والأجور للمُتقدمين، مع وقف المبالغ المخصصة للمكافآت والزيادات السنوية وغيرها من المزايا الإيجابية الأخرى. وبذلك فإنَّ المستفيد الأكبر مادياً من هذه الأعمال كانت شركات وساطة التوظيف ومن تعامل معها بصورة رسمية، في الوقت الذي كان المتقدم العماني للعمل من بينهم يرضى بذلك، ولا يُثير أي أمر لكي لا يتم فسخ عقده وهو يرى ويقرأ عن قلة الوظائف في القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية.
لقد أصبحت العمالة في بعض المؤسسات التعليمية الحكومية من جنسية واحدة وتعمل مثل اللوبي والأخطبوط، وكانت هي المتحكمة في زيادة أعداد القادمين الجُدد من نفس الجنسية، الأمر الذي أدى إلى فشل التعمين والإحلال للعمانيين في تلك المؤسسات، وعدم قدرتهم على التنافس في التعيينات مع أبناء تلك الجنسيات، وهذا ما حدا بأحد مواطني دول مجلس التَّعاون الخليجي أن يُعلّق على الصورة المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي للعدد الكبير من المحاضرين الأجانب في تلك الصورة مع غياب المحاضر العُماني من بينهم قائلاً باستهزاء: “مؤسسة تعليمية هندية يترأسها شخص عُماني”.
إنَّ أرقام الباحثين عن العمل من حملة الشهادات في السلطنة كبيرة، وفق بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات؛ حيث يبلغ عدد الباحثين عن عمل من حملة شهادة الدبلوم العام 22163 شخصاً بنهاية إبريل 2021، مقابل 222497 عاملاً وافداً من نفس الشهادة يعملون في القطاع الخاص حاليًا. أما الباحثون عن عمل من حملة دبلوم التعليم العالي من المُواطنين فيبلغ عددهم اليوم 10497 شخصاً مقابل 25687 وافدا من نفس الدرجة العلمية يعملون في القطاع الخاص، وأخيراً هناك 24301 مواطن باحث عن عمل من حملة شهادة بكالوريوس فأعلى في المجتمع العماني، مقابل 119237 وافدا من نفس الدرجة العلمية يعملون في القطاع الخاص، الأمر الذي يُؤكد وجود خلل في التعيينات في المؤسسات العمانية.
هذه البيانات تؤكد أيضًا وجود الطبقة المتعلمة من العمانيين في المجتمع والتي تستطيع إدارة المؤسسات التعليمية لو أُتيحت فرص العمل لها، مع تقديم بعض برامج التأهيل والتدريب في الأعمال التي يتطلب القيام بها، ويمكن تسوية هذا الأمر مع مرورالأيام والبرامج، ولكن ليبقى لسنوات باحثاً عن عمل في الوقت الذي يتمتع فيه الأجنبي بمكانه في المؤسسات الرسمية، وهذه هي المعضلة التي يجب حلها وبأسرع وقت مُمكن. فما زال هناك العديد من الوافدين المحاضرين في الكليات العُمانية بجانب بعض العمانيين ترجع عقود عملهم إلى طرف ثالث وهي شركات وساطة التوظيف، وليس مع الكليات مُباشرة؛ الأمر الذي يؤدي إلى خصم الرواتب دون معرفة هؤلاء المحاضرين. ووفقاً لأقوال بعض المُواطنين، هناك اليوم شركات وساطة التوظيف خارج السلطنة (في إحدى الدول الآسيوية) تقوم بالاتصال بالعمانيين للعمل في المؤسسات التعليمية الرسمية في الدولة؛ الأمر الذي يُؤكد تغلغل هذا اللوبي وقوته في السيطرة على الأعمال في البلاد.
وعموماً هناك اليوم عددٌ من المحاضرين العمانيين لديهم عقود عمل غير مباشرة مع الكليات العمانية ويتم إدارتها من قبل طرف ثالث، وهي شركات وساطة التوظيف التي يجب الكشف عنها وعن الشخصيات التي تتعامل معها؛ الأمر الذي سوف يؤدى إلى توقف الفجوة القائمة في المؤسسات التعليمية العُليا بين حملة الشهادات العليا من العمانيين والوافدين.
وأخيرًا.. لا ننسى اليوم الجهود التي تبذلها وزارة العمل في عمليات التوظيف والإحلال للمواطن العماني في عدد من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، بجانب دفعه وتحفيزه نحو أي عمل مُتاح له بجانب حرصه على زيادة إنتاجيته وبقائه في العمل لسنوات أطول بهدف كسب الخبرات اللازمة التي توهله للارتقاء نحو أعمال كبيرة في المستقبل. وهذه السياسة حتمًا ستُؤدي إلى تغيير المعادلة خلال الفترة المقبلة.